الحوار الإيراني - الأميركي.. بين التكتيك والاستراتيجية الأبدية

نتنياهو يعتقد أن الواقع الإقليمي سيمكنه من منع إيران والى الأبد من امتلاك أي سلاح نووي قد يهدد مخططاتها ومشاريعها الاستراتيجية ليس فقط سياسياً وعسكرياً بل دينياً وعقائدياً.

0:00
  • الحوار الإيراني الأميركي.. ماذا بعد؟
    الحوار الإيراني الأميركي.. ماذا بعد؟

في ختام الجولة الثانية من المباحثات الإيرانية - الأميركية غير المباشرة وبوساطة عُمانية أعلن الطرفان عن ارتياحهما لسير المباحثات وكانت جولتها الأولى في مسقط في 12 نيسان الجاري.

وجاءت زيارة وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان وهو شقيق ولي العهد محمد بن سلمان المفاجئة لطهران في 17 نيسان/ أبريل ولقائه المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي وتسليمه رسالة من العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لتسهم في أجواء الارتياح التي سعى ويسعى نتنياهو لعرقلتها وعرقلة مسار المباحثات التي حظيت بتأييد مباشر من موسكو التي زارها المبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف قبل يوم من مباحثات مسقط، التي وصل سلطانها هيثم بن طارق إلى موسكو في 21 نيسان ليلتقي الرئيس بوتين ويبحث معه تفاصيل العلاقات الثنائية ومجمل التطورات الاقليمية وفي مقدمتها المباحثات الأميركية- الإيرانية.

وكانت ضمن مباحثات الرئيس ترامب مع جورجينا ملوني رئيسة وزراء إيطاليا البلد الذي استضاف الجولة الثانية من المباحثات. ويتمنى لها الرئيس ترامب تارة بالتصريحات الإيجابية وتارة أخرى بالتهديد والوعيد أن تسهم في إقناع أو إجبار طهران كي تتخلى عن برنامجها النووي وهو الذي أعلن في أيار/ مايو 2018 انسحاب بلاده من هذا الاتفاق الذي وقعت عليه إيران في تموز/ يوليو 2015 مع مجموعة 5+1.

ومع استمرار المباحثات في إطارها العام والتفاصيل التقنية الخاصة بالاتفاق النووي الذي تتحجج به "تل أبيب" وبالتنسيق والتعاون مع أنظمة الخليج المعادية لإيران ليساعدها ذلك على ترتيب أمور المنطقة وفق المزاج الإسرائيلي والأميركي الذي دمر المنطقة طيلة السنوات الماضية وبشكل خاص خلال سنوات الربيع العربي الدموي، وانتهى بإسقاط النظام في دمشق وقبله بإضاءة الضوء الأخضر من قبل الأنظمة العربية والإقليمية للكيان الصهيوني لشن هجومه الغادر والهمجي ضد حماس وحزب الله بحجة تحالفاتهما مع إيران.

ويعتقد نتنياهو أنه الوقت الأنسب لضربها بعد أن خسرت حلفاءها في سوريا ولبنان وفلسطين ولم يبقَ لها إلا اليمن الذين يتعرض لعدوان همجي من قبل أميركا وبريطانيا وبغطاء إسرائيلي غير مباشر كما كان الوضع عليه منذ آذار/ مارس 2015 عندما شنت أنظمة الخليج عدوانها على هذا البلد العربي الصامد.

ويعتقد نتنياهو أيضاً أن الواقع الإقليمي وبشكل خاص استلام النصرة وحلفائها من المجموعات الإرهابية "السنية" بعناصرها الأجانب وكذلك دور تركيا المهم في سوريا والعراق وأذربيجان وكذلك القواعد الأميركية الموجودة في جميع دول المنطقة قد تساعد لتحقيق أهدافه في منع إيران وإلى الأبد من امتلاك أي سلاح نووي قد يهدد مخططاتها ومشاريعها الاستراتيجية لا فقط سياسياً وعسكرياً بل دينياً وعقائدياً.

باعتبار أن إيران هي البلد الوحيد الذي يتصدى قولاً وعملاً لهذه المخططات والمشاريع منذ أن طرد الإمام الخميني السفارة الإسرائيلية في طهران بعد الثورة الإسلامية هناك عام 1979 وفتح بدلاً منها السفارة الفلسطينية فوراً.  

وزير الخارجية الإيراني عراقتشي الذي وصف المحادثات بأنها "تجري بهدوء وبشيء من الحذر" قال "حتى الآن لا يوجد سبب للتفاؤل لكن لا يوجد سبب للتشاؤم أيضاً" توقع المسؤولون الإيرانيون لهذا الموقف أن يحدد مسار المرحلة المقبلة من المباحثات، التي تريد لها طهران أن تكون جدية وبالتزام أميركي بعدم الانسحاب من جديد من الاتفاق المحتمل، ويجب أن يسبقه رفع تام للعقوبات الأميركية والدولية ضد إيران، ووضع حد نهائي ومطلق للتهديدات الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة، وأياً كان السبب مباشراً أو غير مباشر بالنسبة لطهران وعلاقاتها الإقليمية والدولية.

كما هي الحال بالنسبة لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية بينها وبين موسكو التي وقّع عليها الرئيس بوتين في 21 من  الشهر الجاري كورقة ضغط على الرئيس ترامب ونتنياهو بعد أن استقبل في موسكو أمير قطر ( 16 نيسان/ ابريل ) وهاتف قبل ذلك محمد بن سلمان في 13 آذار/ مارس ومن بعده (24 آذار/ مارس) محمد بن زايد رئيس الإمارات.

ومعروفة علاقاته الوطيدة السرية منها والعلنية مع الكيان الصهيوني وهو على تواصل مستمر مع أبو ظبي التي زارها وزير الخارجية العبري جدعون ساعر 7 نيسان/ أبريل الجاري ليبحث مع نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد مجمل التطورات الإقليمية وفي مقدمتها إيران وسوريا.

ووصل رئيسها المؤقت أحمد الشرع أبو ظبي في اليوم نفسه لوصول ساعر إليها والذي التقى في أبو ظبي جايهون بيراموف وزير خارجية أذربيجان، الحليف الاستراتيجي لتل أبيب، التي تغطي احتياجاتها من البترول الأذربيجاني عبر أنبوب يمتد من باكو الى ميناء جيهان التركي على الأبيض المتوسط.

في الوقت الذي يستهدف فيه التحالف العسكري والاستخباري الأذربيجاني - الإسرائيلي الجارة إيران التي يبدو واضحاً أنها جادة وأكثر من أي وقت مضى في حوارها مع واشنطن في موضوع الملف النووي، ولكن من دون التخلي على مواقفها المبدئية في هذا المجال، وحتى يتسنى لها التفرغ لمشاكلها الداخلية، وأهمها الواقع الاقتصادي والاجتماعي.

ويبدو أن المرشد الأعلى الإيراني والرئيس بزيشكيان المحسوب على الإصلاحيين متفقان على ضرورة معالجتها بأسرع ما يمكن لسد الطريق على كل المتآمرين على الثورة الإسلامية داخلياً وخارجياً لا بسبب مذهبها "الشيعي" بل لموقفها المبدئي تجاه القضية الفلسطينية.

مع التذكير أن الشاه المخلوع الذي كان "شيعياً" أيضاً وكان حليفاً استراتيجياً للكيان الصهيوني ولتركيا "السنية" عندما كانت للفترة 1950-1960 في خندق واحد مع طهران.

ومع التذكير أن كل المجموعات والفصائل " الإسلامية " التي تتقاتل فيما بينها في ليبيا التي لا يوجد فيها أي علوي أو شيعي هي من السنة ومن يدعمها من الدول كتركيا والإمارات ومصر والسعودية " سنية"، ما علينا أيضاً إلا أن نتذكر أن "تل أبيب" لم تعترض على السلاح النووي الباكستاني ما دام هذا السلاح تحت سيطرة الجيش والاستخبارات الأميركية، والأهم من كل ذلك هو أن إسلام آباد ليست ضد الكيان الصهيوني كما هي الحال بالنسبة لإيران التي تعرّضت هي ومن معها لكل أنواع التآمر منذ ثورة الخميني وحتى يومنا هذا، والسبب هو واحد فقط، ألا وهو تصديها للمشروع الصهيوني الكبير، فلسطينياً كان أم عربيًا وإسلاميًا من دون أي حسابات شيعية كانت أو سنية!