الحرب في غزة.. من وكيف انتصر؟
يرى الكثيرون في المصالحة السورية - الإسرائيلية المحطة الأولى في مسلسل النهج الأميركي الذي يريد له الرئيس ترامب أن يدعم مساره الذي بدأه بالاتفاقيات الإبراهيمية صيف عام 2000.
-
ترامب عرض خطته من دون أيّ انتقاد للمجازر التي قام بها المجرم نتنياهو.
في الذكرى الثانية لطوفان الأقصى أعلن الرئيس ترامب خطته لإنهاء الحرب في غزة ومن دون أيّ انتقاد للمجازر التي قام بها المجرم نتنياهو ضدّ الشعب الفلسطيني ليس فقط في غزة بل في الضفة الغربية ليكمل مساره الإجرامي هذا في لبنان وسوريا وإيران واليمن.
ومن دون الدخول في تفاصيل الخطة وما أدّت إليه من وقف للعدوان وانسحاب القوات الإسرائيلية تدريجياً من غزة، لا بدّ لنا من التذكير أنّ نتنياهو ومن سبقه من حكّام الكيان الصهيوني لم يلتزموا بتعهّداتهم لأيّ طرف كان ليس فقط في حربهم ضدّ غزة والضفة الغربية بل لبنان وسوريا وأخيراً إيران.
كما علينا أن نتذكّر ونذكّر الجميع بأنها ليست هي المرة الأولى التي يشنّ فيها الكيان العبري عدوانه على غزة التي تعرّضت لخمس هجمات همجية منذ نهاية عام 2008. وهي الهجمة التي جاءت رداً على وساطة الرئيس إردوغان بين الرئيس الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت الذي عاد من أنقرة يوم 23 كانون الأول/ديسمبر وأمر "الجيش" بعد أربعة أيام بشنّ أعنف هجماته على غزة رغم أنه اتفق مع إردوغان على خطة للسلام بين دمشق و"تل أبيب" مع إعادة الجولان لسوريا.
ومع الإشارة إلى قول البعض "إنه لولا طوفان الأقصى لما تعرّضت غزة والمنطقة برمّتها لكلّ الذي تعرّضت له" لا بدّ لنا أن نذكّر هؤلاء وكلّ من نطق باسمهم كالببغاء أنّ غزة كانت محتلة منذ 1967 وحتى 2005 وبقيت بعد ذلك تحت الحصار العسكري والاقتصادي والسياسي الصهيوني المدعوم من الكثير من العواصم الإمبريالية والاستعمارية وتواطئ العديد من الأنظمة الإقليمية التي تتحجّج بعلاقة حماس مع دمشق وطهران واليمن وحزب الله.
خاصة بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون الثاني/يناير 2006 وهو ما كان سبباً كافياً لـ "تل أبيب" وحلفائها لوضع العديد من الخطط الجديدة ضدّ حماس وحلفائها وبشكل خاصّ حزب الله الذي ألحق الهزيمة بالكيان الصهيوني صيف 2006.
ومن دون أن تجرأ الأنظمة المذكورة على اتهام حكّام "تل أبيب" بالتطرّف اليهودي كما كان البعض منها يتهم حماس بـ "التطرّف الإسلامي" كما كانت تتهم هيئة تحرير الشام أي النصرة "بالإرهاب الإسلامي" إلّا أنها جميعاً ساعدت هذا "الإرهاب الإسلامي" على استلام السلطة في دمشق والتي لم تتأخّر في إطلاق الحوار المباشر مع "تل أبيب".
مع التذكير بأنّ شركاء نتنياهو في حكومته الائتلافية هم أكثر منه تطرّفاً في يهوديته العنصرية الصهيونية الإرهابية والتي افتخر بها أكثر من مرة خلال حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.
ويرى الكثيرون في المصالحة السورية - الإسرائيلية المحطة الأولى في مسلسل النهج الأميركي الذي يريد له الرئيس ترامب أن يدعم مساره الذي بدأه بالاتفاقيات الإبراهيمية صيف 2000.
ويتمنّى ترامب لهذا المسار أن يشمل لبنان ولاحقاً السعودية وقطر وباقي الدول الخليجية التي ستشجّع بمواقفها الجديدة دولاً أخرى للتطبيع مع "تل أبيب" وتطوير العلاقات معها، وأهمّها أذربيجان وإندونسيا والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى ذات الأصل التركي.
وهو ما سيعني إعادة العلاقة بين أنقرة و"تل أبيب" إلى مجراها الطبيعي وربما في القريب العاجل مع المعلومات التي بدأت تتحدّث عن انزعاج عربي من احتكار تركيا للقرار السياسي والعسكري والاقتصادي برمّته في قصر أحمد الشرع الرئاسي.
ويبدو واضحاً أنه يتعرّض لضغوط مكثّفة من أطراف دولية وعربية مختلفة قد تضع أنقرة والقاهرة في مواجهة سياسية جديدة مع المعلومات التي تتحدّث عن انحياز محتمل من الرئيس ترامب إلى جانب الرئيس السيسي بسبب دوره في نجاح خطته الخاصة بغزة ولاحقاً بالمنطقة، وبسبب علاقاته الوطيدة مع كلّ من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الإمارات محمد بن زايد.
ويعرف الجميع مشاعرهما "السلبية" إن لم نقل عداءهما للرئيس إردوغان حليف الأمير تميم آل ثاني وهما معاً اللاعبان الأساسيان في ما يسمّى "الربيع العربي" وما أدى إليه من دعم شامل لكلّ الحركات الإسلامية السياسية منها والعسكرية التي كانت منذ البداية في خدمة المشاريع والمخططات الإمبريالية والاستعمارية والصهيونية.
وساهمت جميعاً في إيصال أبو محمد الجولاني وحلفائه إلى السلطة في العاصمة الأموية دمشق التي تشهد الآن ولاحقاً منافسة وربما صراعاً معقّداً خطيراً طالما أنّ الهدف الأهمّ بالنسبة للجميع هو حزب الله ومن بعده الحشد الشعبي وأخيراً ايران "العدو" الأكبر بالنسبة لكلّ هذه القوى منذ الثورة الإسلامية.
وتحجّج الغرب الإمبريالي وحليفه العدو الصهيوني بهذه الثورة "الشيعية" فخلق الكثير من المشكلات لهذه المنطقة التي تعرّضت لكلّ ما تعرّضت له طيلة 45 عاماً وشهدت الكثير من المؤامرات التي خدمت فقط المصالح الإسرائيلية.
وكلّ ذلك بفضل الكثير من المتواطئين الذين يعتقد البعض منهم أنهم انتصروا وحقّقوا أهدافهم عبر خطة ترامب وما سبقها من تآمرات دولية وإقليمية استهدفت حزب الله وإيران وسوريا، ولولاها جميعاً لما صمد الشعب الفلسطيني في غزة صموده الأسطوري بعد أن رفض أن يستسلم فأجبر العدو الصهيوني على الانسحاب بعد أن فشل وسقط مشروعه الديني والعقائدي والتاريخي.
وقد يكون ذلك بداية السقوط النهائي لهذا الكيان الذي خسر كلّ ما بناه منذ قيامه على الأرض الفلسطينية عام 1948 وبدعم إقليمي ودولي فاصطدم بعد طوفان الأقصى ليس فقط بارادة الشعب الفلسطيني العظيم بل بصمود كلّ الدول والشعوب والقوى التي وقفت إلى جانب هذا الشعب العظيم وفي مقدّمتها إيران وحزب الله وسوريا قبل سقوط نظام الأسد.
وبات واضحاً أنّ سقوطه سيضع المنطقة وجهاً لوجه أمام سيناريوهات مثيرة وجديدة لن تقلّ خطورتها عن خطورة سقوط النظام بحدّ ذاته وإلا لم أُسقِط !