التحالف الروسي الصيني الكوري .. جن جنون ترامب!
لم يكن التحالف الروسي - الصيني - الكوري الشمالي وحده الذي أزعج الرئيس ترامب بل كانت المشاهد الودية والعاطفية للقاء الرئيس الروسي بوتين والصيني بينغ مع رئيس الوزراء الهندي مودي خلال أعمال قمة منظمة شنغهاي.
-
الآن سيفكّر ترامب أكثر من مرة قبل أن يضع أيّ خطة معادية للصين.
بعد ثلاثة أيام من العرض العسكري الكبير الذي شهدته العاصمة الصينية بكين بمناسبة الذكرى الـ80 لانتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار الصين على اليابان، والذي حضره زعماء أكثر من عشرين دولة يتقدّمهم بوتين وكيم جونغ أون، قرّر الرئيس ترامب تغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب في محاولة منه لمواجهة التفوّق النفسي الذي حقّقه بوتين وشي جين بينغ خلال قمة شنغهاي ومن ثمّ العرض العسكري المهيب.
وقال البيت الأبيض إنّ "الرئيس ترامب يرى أنّ هذه الوزارة ينبغي أن تحمل اسماً يعكس قوّتها التي لا تضاهى، وقدرتها على حماية المصالح الوطنية وفرض السلام من خلال القوة، وضمان احترام العالم للولايات المتحدة من جديد طالما أنّ أميركا تملك أكبر جيش في العالم".
وسبق ذلك تعليقاً مثيراً من الرئيس ترامب على التحالف الروسي - الصيني - الكوري "وعرض العضلات" الصيني فاتهم نظيره الصيني "بـالتآمر ضدّ بلاده مع الرئيس الروسي والزعيم الكوري الشمالي".
وكتب ترامب مغرّداً وبلهجة ساخرة "أتمنّى للرئيس شي ولشعب الصين العظيم يوماً رائعاً من الاحتفالات، وأرجو منكم إبلاغ أطيب تحياتي لفلاديمير بوتين وكيم جونغ أون بينما تتآمرون ضد الولايات المتحدة". مذكّراً الرئيس بينغ "بالتضحيات التي قدّمتها أميركا من أجل استقلال الصين في الحرب العالمية الثانية"، على حدّ قوله .
ولم يكن التحالف الروسي - الصيني - الكوري الشمالي وحده الذي أزعج الرئيس ترامب بل كانت المشاهد الودية والعاطفية للقاء الرئيس الروسي بوتين والصيني بينغ مع رئيس الوزراء الهندي مودي خلال أعمال قمة منظمة شنغهاي، ومشاركة الرئيسين التركي إردوغان والإيراني بزيشكيان ورئيس وزراء باكستان شهباز شريف في القمة هي أيضاً من ضمن الأسباب التي أثارت غضب ترامب الذي فوجئ بالأجواء الإيجابية التي خيّمت على اجتماعات القمة واللقاءات الودية والساخنة التي تمّت على هامشها.
وحقّق من خلالها الرئيس بوتين انتصاراً سياسياً ودبلوماسياً والأهمّ إعلامياً ونفسياً، ليس فقط في مواجهته لأميركا بل أوروبا والحلف الأطلسي برمّته، بعد ثلاث سنوات من الحصار والمقاطعة وعشرات الآلاف من العقوبات الغربية ضدّ بلاده.
واعتبر الرئيس ترامب مشاركة عدد كبير من زعماء العالم في قمة شنغهاي والعرض العسكري المهيب الذي تناقلت وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم مشاهده الرائعة تحدّياً شخصياً له وهو الذي يقول إنه جاء إلى البيت الأبيض لينهي الحروب في جميع أنحاء العالم ويحصل على جائزة نوبل للسلام، ولكنه يفعل العكس في الشرق الأوسط والآن ضدّ فنزويلا ودول ومناطق أخرى في العالم.
ومن دون أن تمنع كلّ هذه التطوّرات الرئيس ترامب من التفكير بحملة دبلوماسية معاكسة قد تساعده لتحقيق التوازن مع الانتصار الروسي-الصيني-الكوري المشترك سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً ونفسياً. وتتوقّع مصادر البيت الأبيض للرئيس ترامب أن يشارك في اجتماعات منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي والذي سينعقد الشهر المقبل في كوريا الجنوبية، كما هو يخطّط للقاء الرئيس الصيني بينغ بل وحتى الكوري الشمالي أون إن حضر الاجتماعات.
هذا على صعيد الأحداث والمعطيات اليومية لهذا الأسبوع الذي حمل في طيّاته العديد من الإشارات عن مستقبل العالم في ظلّ التحالف الصيني - الروسي المدعوم كورياً شمالياً بكلّ تفاصيله السياسية والعسكرية والاقتصادية، والأهمّ من كلّ ذلك النفسية التي سترفع من معنويات كلّ الدول والشعوب التي تعاني من الغطرسة الأميركية والأوروبية الاستعمارية بانعكاساتها على الهمجية الصهيونية التي تستهدف الشعب الفلسطيني وكلّ من يتحالف معه من دول وحكومات وشعوب المنطقة.
فبعد سنوات طويلة من "الخلاف العقائدي" بين الاتحاد السوفياتي الماركسي اللينيني والصين الماوية، وهو ما استفزه الغرب الإمبريالي أكثر من مرة، جاء سقوط الاتحاد السوفياتي أواخر الثمانينيات من القرن الماضي ليدفع الطرفان "المختلفان عقائدياً" إلى السعي من أجل سياسات جديدة تخدم مصالح الطرفين خاصة بعد استقلال الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى.
وتحوّلت هذه الجمهوريات إلى حدود جغرافية تفصل بين الصين وروسيا الجديدة ولا تخفيان معاً قلقهما من دور تركيا الديني والقومي والتاريخي في المنطقة خاصة بعد تشجيع أميركي وغربي سري أو علني لهذا الدور.
وجاءت الحرب الأوكرانية لتضع بكين وموسكو ومعهما كوريا الشمالية في خندق واحد في مواجهة الغرب الإمبريالي المعادي لها والمتآمر عليها معاً، على الرغم من تناقض مصالحها في العديد من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية بل وحتى التاريخية المعقّدة.
ويبدو واضحاً أنّ الرئيس بوتين ومعه الرئيسان بينغ وأون قد نجحوا ليس فقط في تجاوز كلّ هذه التناقضات بل في الاتفاق على صيغ جديدة لتحالفات إقليمية ودولية يراد لها أن ترسم مستقبل العالم وفق معايير ومقاييس ومفاهيم جديدة بعيدة عن كلّ المعايير والمفاهيم الإمبريالية والاستعمارية الغربية التي رسمت خارطة العالم، فدمّرت دولها وشعوبها ليس فقط بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية بل قبل ذلك بمئات السنين.
ومع استمرار الرهان حول النتائج المحتملة للتحالف الروسي - الصيني المدعوم كورياً على المديين المتوسط والبعيد بات واضحاً أنّ هذا التحالف سيحقّق للدول الثلاث مكاسب اقتصادية عظيمة من خلال الاتفاقيات التي وقّع عليها زعماء الدول الثلاث خلال اللقاء الأخير، وقبل ذلك خلال تبادل الزيارات بين بكين وموسكو وبيونغ يانغ.
كما هو سيمنح الصين المزيد من القوة الاستراتيجية في تحدّي الغطرسة والهيمنة بل وحتى الاستفزازات الأميركية والغربية التي ترى في بكين الخطر الأكبر الذي يهدّد أمنها ومصالحها بعد أن حقّقت الصين المزيد من المعجزات في مجال التكنولوجيا العالية التي جعلت منها الدولة الأكثر مناعة في مواجهة الأزمات، وبالتالي الأكثر مرونة في التغلّب على كلّ المشكلات التي يختلقها الغرب الإمبريالي.
وبات واضحاً أنه وبعد الآن سيفكّر ترامب أكثر من مرة قبل أن يضع أيّ خطة معادية للصين التي ازدادت قوة وصموداً بتحالفها مع روسيا وكوريا الشمالية بل وحتى تقاربها مع العدو التقليدي الهند رغم التهديدات الأميركية التي أثبتت قمة شنغهاي أنها لم تعد تخيف أحداً، كما هي أثبتت أنّ التحالفات الجديدة ستفتح صفحة جديدة واستراتيجية في تاريخ الدول والشعوب التي ما عليها إلا أن تقرّر وبكلّ وعي وإدراك من هم أعداؤها ومن هم الذين يتآمرون عليها في السرّ والخفاء ولكنهم مكشوفون دائماً كما هو الحال في سنوات "الربيع العربي" الدموي.
وخدم فقط الكيان الصهيوني الذي قام بما قام به من عمل إجرامي ضدّ فلسطين ولبنان وسوريا وإيران واليمن لأنها كانت في الخندق الأمامي في مواجهة الاستعمار الإمبريالي الجديد منه والقديم، والذي كان دائماً وما زال ضدّ الصين وروسيا ليس فقط في العهد الشيوعي الماركسي - اللينيني - الماوي بعد حتى بعد انتقالهما إلى النظام الرأسمالي، ولكن بشروط ومعايير وطنية وإنسانية وليس استعمارية و إمبريالية بطابعها الوحشي والهمجي.