التاريخ الثوري الإيراني

تدور المعركة اليوم بين مشروع تحرر وطني تقوده إيران، ومشروع استعماري تقوده الولايات المتحدة وينفذه كيان الاحتلال؛ الذراع الإمبريالية في المنطقة.

0:00
  • صمود إيران وانتصارها هما انتصار لكل شعوب العالم.
    صمود إيران وانتصارها هما انتصار لكل شعوب العالم.

يتعامل الكثيرون مع الثورة الإسلامية الإيرانية الحديثة التي انطلقت عام 1979، واستطاعت خلال شهر واحد إسقاط واحدة من أقدم الإمبراطوريات في المنطقة، على أنها ثورة خاضتها مجموعة من الأصوليين الإسلاميين بهدف تحقيق حلمهم بإنشاء دولتهم الأصولية الإسلامية. هذه الرواية طرحتها القوى المناهضة للثورة داخلياً والدول الاستعمارية التي رأت في الثورة التي بدأت عهدها بقطع علاقاتها مع العدو الصهيوني واستقبال قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، خسارة كبيرة لحليف تاريخي التزم طوال تاريخه بخدمة المشاريع الاستعمارية في المنطقة.

إذا غادرنا الرواية الاستعمارية، وحاولنا البحث في تاريخ الحركات الثورية في إيران، سنجد أنفسنا أمام حركة ثورية غنية خاضها الشعب الإيراني بكل أطيافه، وأدى فيها رجال الدين دوراً مهماً من خلال فتاوى تحض على الثورة على الظلم والاستغلال. عرفت الثورة الأولى في تاريخ إيران الحديث باسم "ثورة التنباك". وقد انطلقت عام 1891 في احتجاج على قرار الملك ناصر الدين شاه منح الرائد البريطاني جيرالد تالبوت امتياز احتكار إنتاج التبغ وتصديره مدة 50 عاماً. شارك المزارعون والتجار في أحداث الثورة التي ازداد زخمها الشعبي بعد إصدار فتوى من آية الله الشيرازي. اضطر الملك إلى التراجع عن اتفاقية الامتياز. 

عادت الثورة إلى الشارع عام 1902 للمطالبة بإصلاحات دستورية. نجحت الثورة في تحقيق أهدافها، لكن الخلافات بين القوى الثورية سمحت للشاه بالالتفاف على نتائج الثورة وتعطيل عمل البرلمان. استمرت القلاقل والاضطرابات حتى قيام الجنرال رضا خان عام 1925 بانقلاب على الملك أحمد شاه منهياً حكم القاجاريين. سارع الشاه الجديد إلى إصدار قوانين جديدة تتبنى النموذج الغربي للحياة، وتمنع اللباس الإسلامي، ما دفع الشارع إلى التحرك، وارتكب جهاز الأمن عام 1935 مجزرة في مسجد كوهرشاد سقط فيها 1000 محتج إيراني بين قتيل وجريح.

وصل السياسي محمد مصدق إلى منصب رئيس الوزراء عام 1951. كان القرار الأول لحكومته تأميم شركة النفط الأنجلو – إيرانية، ما حوله إلى بطل وطني في نظر الشعب الإيراني. ثارت حفيظة إنكلترا، وفرضت حصاراً قاسياً على إيران، ومنعت الدول من استيراد النفط الإيراني. ورغم قسوة الحصار، فإنَّ مصدق تابع الإجراءات الإصلاحية، فبدأ بتوزيع بدلات بطالة، وأمر أصحاب المصانع بدفع مساعدات للعمال المرضى والمصابين وتحرير الفلاحة السخرة في المزارع، ووضع 20% من أموال إيجارات الأراضي لتمويل مشروعات التنمية. عام 1952، أغلق مصدق سفارة بريطانيا في طهران بعد تسرب معلومات عن إعدادها محاولة انقلاب ضد حكومته. استطاعت المخابرات البريطانية والأميركية الإطاحة بحكومة مصدق عام 1953 من خلال العملية "أجاكس" التي قادها ضابط المخابرات الأميركي كيرميت روزفلت.

تجددت الثورة عام 1963 بقيادة الإمام آية الله الخميني، الذي اعتقله الشاه مرتين عامي 1963 و1964، كان المحور الرئيسي للثورة علاقة الشاه بالكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، وصف الإمام في إحدى خطبه بأنه "شخص رديء"، مع تنامي التأييد للخميني قام السلطات الإيرانية بنفيه إلى فرنسا ليعود بعد 15 عاماً قائداً للثورة ومؤسساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

يوضح هذا الموجز أن الثورة الإيرانية استندت إلى مشروعيتين:

- مشروعية ثورية تستند إلى تاريخ من الثورات ضد الاستغلال والنهب والتبعية الثقافية والسياسية للمشروع الاستعماري.

- مشروعية دينية استندت إلى الموروث الحضاري والثقافي للشعب الإيراني، وطورت معتقد الاستشهاد الكربلائي محولة إياه إلى معتقد ثوري ووطني في مواجهة قوى الاستعمار الخارجي والتبعية الداخلية.

النجاح الذي حققته الثورة الإيرانية في إعادة بناء الحضارة والثقافة الشعبية لتتمحور على مبدأي الثورة والشهادة، دفع خصومها إلى اختراع تهديد اسمه "تصدير الثورة" لتحريض العالم على الجمهورية الناشئة. وقد أثمر هذا التحريض عن حرب ظالمة خاضتها إيران على مدى 8 سنوات، وقفت فيها معظم الدول العربية ضد إيران، لكن إيران لم تغير عقيدنها الثورية، ولم تحرف بوصلتها، فظلت "إمبراطورية الشر" عدوها الرئيس، ومدت يدها إلى جيرانها باحثة عن وحدة المضطهدين في وجه الظلم والاستغلال.

تحاول القوى الاستعمارية اليوم إعادة عقارب الزمان إلى عام 1953 عندما طلبت من الشاه السفر إلى إيطالياـ لتنفذ انقلابها على حكومة مصدق، ثم تعيده ليستأنف علاقات التبعية مع المستعمرين ويعمقها، فها هي تستحضر ابن الشاه المخلوع وتستضيفه على قنواتها لتسويق فكرة دوره في "اليوم التالي" الإيراني. يغيب عن عنجهية المستعمرين أن إيران الثورة بشعبها جيشها وقيادتها لا تشبه من قريب أو بعيد إيران الشاه المخلوع.

إنَّ الحديث عن المشروع النووي الإيراني ليس سوى حجة تشكل الغطاء لاستكمال المشروع الصهيوني الاستعماري بإسقاط آخر قلاع المقاومة في المنطقة بهدف فرض الهيمنة الكاملة والنهائية على المنطقة، والانطلاق نحو تفريغ قطاع غزّة من سكانه، والتلاعب بجغرافيا وديموغرافيا بقية المنطقة في سوريا ولبنان ومصر، وصولاً إلى تنفيذ مشروع الخط التجاري الهندي في مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية.

ضرب المفاعلات النووية ومراكز تخصيب اليورانيوم الإيرانية ليس سوى محاولة استعمارية لفرض رواية استعمارية تصنع نصراً وهمياً. الحرب التي تخوضها إيران ليست حرباً نووياً، بل هي حرب تقليدية، ولن يؤثر ضرب المفاعلات النووية أو حتى تدميرها في سير المعركة بأي شكل من الأشكال. 

تدور المعركة اليوم بين مشروع تحرر وطني تقوده إيران، ومشروع استعماري تقوده الولايات المتحدة وينفذه كيان الاحتلال؛ الذراع الإمبريالية في المنطقة.

صمود إيران وانتصارها هما انتصار لكل شعوب العالم التي تخوض نضالاتها ضد الهيمنة الاستعمارية، وبشكل خاص هو انتصار لقوى المقاومة والتحرر الوطني في بلادنا التي تعتبر المتضرر الأول من وجود الكيان الصهيوني ومن دوره في المنطقة.

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.