الانسحاب من جنوب غزة. ما الصعوبات التي تواجهها "إسرائيل" في الداخل والخارج؟
يتصاعد الضغط على حكومة نتنياهو داخل "إسرائيل". وبعد 6 أشهر من شن عمليتها العسكرية في غزة، لم يتحقق أي من أهدافها الثلاثة المتمثلة في إنقاذ الرهائن والقضاء على حماس وجعل غزة منطقة لا تشكّل تهديداً أمنياً لـ "إسرائيل".
وفقاً لأخبار وسائل الإعلام المعنية، سحبت "إسرائيل" بعض قواتها من جنوب قطاع غزة في 7 أبريل/نيسان. وعلى الرغم من أن "الجيش" الإسرائيلي ادعى أن الانسحاب كان من أجل القيام بالاستعداد للمهام اللاحقة، بما في ذلك التقدم نحو رفح، فإن توقيت الانسحاب الإسرائيلي وخلفيته أمر معقد.
وفي الآونة الأخيرة، وقعت سلسلة من الأحداث المهمّة حول الجولة الجديدة من الصراع على غزة وما يترتب عليها من التأثيرات، بما في ذلك اعتماد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرار وقف إطلاق النار في غزة، واستمرار اندلاع تظاهرات واسعة النطاق شارك فيها عشرات الآلاف من المستوطنين في "إسرائيل"، وقصف "الجيش" الإسرائيلي السفارة الإيرانية في دمشق لزيادة خطر حدوث الصراع الإسرائيلي الإيراني، وقتل عددٍ من العاملين في مجال الإغاثة الخيرية الدولية. كل هذه الأحداث تؤدي إلى أزمة خطيرة لـ"إسرائيل" في الميدان وعلى الصعيد الدولي والإقليمي والمحلي.
أولاً، يتصاعد الضغط على حكومة نتنياهو داخل "إسرائيل". وبعد 6 أشهر من شن عمليتها العسكرية في غزة، لم يتحقق أي من أهدافها الثلاثة المتمثلة في إنقاذ الرهائن والقضاء على حماس وجعل غزة منطقة لا تشكّل تهديداً أمنياً لـ "إسرائيل".
وصلت موجة المعارضة السياسية الإسرائيلية والاحتجاجات العامة ضد حكومة نتنياهو مؤخراً إلى نطاق غير مسبوق، واستمرت الاحتجاجات في "تل أبيب" ومدن أخرى للمطالبة باستقالة حكومة نتنياهو وإجراء الانتخابات والتوصل إلى اتفاق لتبادل الرهائن في أقرب وقت ممكن، وحتى التسبب في حدوث أعمال شغب.
وفي هذه الحالة، تكون "إسرائيل" أبعد فأبعد من تحقيق أهدافها في غزة. وقد يؤدي الوضع إلى الاضطرابات السياسية الداخلية في الكيان.
ثانياً، تتعرض "إسرائيل" لضغوط متزايدة من المجتمع الدولي، بما فيها الدول الغربية.
ومع استمرار الصراع على غزة، قام "الجيش" الإسرائيلي بالقصف العشوائي لغزة الذي يعد انتهاكاً سافراً للقانون الدولي و"العقاب الجماعي " للمدنيين الفلسطينيين. كما أن "الجيش" الإسرائيلي شنَّ هجمات مستمرة على أهداف مدنية، مثل المستشفيات والكنائس والمساجد ونقاط توزيع الإغاثة وعاملي الإغاثة الخيرية، الأمر الذي أدّى إلى كارثة إنسانية خطيرة في غزة. ونتيجة لذلك، بدأت السياسة الأوروبية الداعمة لـ"إسرائيل" بالتغيّر، وبدأت الدول الأوروبية مثل فرنسا وإسبانيا تضغط عليها.
أثار مقتل عمال الإنقاذ في "المطبخ المركزي العالمي"، بمن فيهم أشخاص من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا وبولندا ودول أخرى، إدانة شديدة من المجتمع الدولي، بما في ذلك الغرب. وقد أصبحت "إسرائيل" العدو المشترك للرأي العام العالمي.
ثالثاً، تواجه "إسرائيل" مخاطر أمنية متزايدة. في 1 نيسان/أبريل، أصابت ضربة إسرائيلية مبنى القسم القنصلي للسفارة الإيرانية في سوريا، ما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 13 شخصاً. بعد هذه الحادثة، دانت العديد من الدول والمنظمات الدولية بشدة الهجمات الإسرائيلية.
إن قصف "إسرائيل" سفارة دولة ذات السيادة له أهمية رمزية خطيرة بشكل خاص، باعتباره انتهاكاً لسيادة الدول وسلامة أراضيها. تعهدت إيران بالرد، ما يزيد بسرعة من مخاطر تعرض الأهداف الإسرائيلية في الداخل والخارج لهجمات، الأمر الذي يجبر "إسرائيل" على إجراء تعديلات عسكرية.
أخيراً، تتسع الخلافات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل". على الرغم من أن الولايات المتحدة لن تغير دعمها لها، وعلاقات التحالف بين الجانبين في الجوهر، فإنَّ السلوك الإسرائيلي الحالي أثر بشكل كبير في الاستراتيجية الدولية لإدارة بايدن واستراتيجيتها للشرق الأوسط وترتيباتها الانتخابية المحلية.
في 25 آذار/مارس، امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن الدولي من أجل تحقيق توازن المصالح، ما جعل مجلس الأمن يعتمد قرار وقف إطلاق النار في غزة بنجاح لأول مرة، وهو إلى حد ما نقطة تحول في تعديل سياسة الولايات المتحدة تجاه "إسرائيل" في هذه الجولة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
خلاصة القول، في المستقبل القريب، ستصرّ حكومة نتنياهو على مواصلة الحرب للحفاظ على حياتها السياسية، لكن النمط السابق للحرب غير مستدام بالتأكيد، وسيتعين عليها تعديل سياستها العسكرية والدبلوماسية، لكن بغض النظر عن كيفية تعديلها، من الصعب عليها تحقيق أهدافها في غزة، وستستمر الأزمات التي تواجهها بالتعمّق.