الانتخابات الرئاسية في نيجيريا: قضايا وتوقعات

يتطلب الفوز في الانتخابات الرئاسية النيجيرية من المرشح أن يفوز بأكبر عدد من الأصوات العامة، وبنسبة 25% على الأقل في 24 ولاية من ولايات البلاد البالغ عددها 36 ولاية.

  • الانتخابات الرئاسية في نيجيريا: قضايا وتوقعات
    الانتخابات الرئاسية في نيجيريا: قضايا وتوقعات

ستجري نيجيريا، الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، انتخاباتها العامة في 25 شباط/فبراير 2023، وذلك لانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية الفيدرالية (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) والرئيس النيجيري الجديد. وفي يوم 11 آذار/مارس، ستجرى في 28 من أصل 36 ولاية نيجيرية انتخاباتُ مجالس النواب التابعة للولايات. 

وتعدّ هذه الانتخابات الرئاسية مهمة، ليس لنيجيريا وحدها، وإنما لمنطقة غرب أفريقيا وقارة أفريقيا؛ إذ هي بمنزلة مجهر لفهم 24 عاماً من الديمقراطية المستمرة في البلاد، وكشف طبيعة ممارساتها السياسية، وخاصة أن محمد بخاري، الرئيس الحالي منتهي الولاية، لن يخوض هذا التنافس بعد قضائه الفترتين الرئاسيتين المنصوص عليهما في الدستور، وهو ما يعني انتقال السلطة الرئاسية إلى شخص جديد، والإيحاء بانتخابات عام 2007 عندما انتهت فترتا الرئيس السابق أولوسيغون أوباسانجو.

ومع ذلك، تختلف هذه الانتخابات عن سابقاتها في أنها تحظى باهتمام الكثيرين، بمن فيهم الشباب النيجيريون والمواطنون البسطاء والمقيمون في الشتات. وهي أيضاً من أكثر عمليات التصويت الوطني التي لا يمكن الجزم بنتائجها، خلافاً لسابقاتها التي غالباً ما تتفق الآراء على نتائجها المتوقعة لعوامل خاصة بالممارسات السياسية النيجيرية. إلى جانب أن هذه الانتخابات تأتي في لحظة مصيرية بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتفاقمة.

قضايا رئيسة

تلقب نيجيريا بـ "عملاق أفريقيا" وتعدّ أكبر اقتصاد في القارة. ويقدّر سكانها بما لا يقل عن 216 مليون شخص، منهم نحو 151 مليون شاب. ويتوقع تضاعف عدد سكانها إلى 400 مليون شخص في السنوات الـ 25 المقبلة. ومع ذلك، كان إهدار نيجيريا إمكاناتها وعدم استغلالها لمكانتها الاستراتيجية على المستويين الأفريقي والدولي أكسبها لدى البعض وصف "العملاق النائم"، وخاصة أن أبناءها يتصدرون مغامرات ابتكارية ومشاريع ريادة أعمال كبيرة في دول مختلفة خارج أراضيهم، بعد أن تلاشى الأمل الذي رافق مجيء الرئيس بخاري إلى السلطة في عام 2015.

وباتفاق معظم النيجيريين، كان الاقتصاد النيجيري وتدهور الوضع المعيشي من الجوانب الرئيسية التي عانت بشدة في السنوات الأخيرة؛ إذ بالرغم من أن الاقتصاد النيجيري لا يزال الأكبر في أفريقيا، فإنه لم يؤثر في حياة المواطنين، كما أنه تعثّر في السنوات الثماني الماضية، وانخفض دخل الفرد مع عيش 90 مليون شخص بأقل من 1.90 دولار في اليوم، كما انخفضت قيمة العملة النيجيرية (نايرا Naira)، فيما ارتفع التضخم وتراجع إنتاج النفط إلى أدنى مستواه منذ 40 عاماً.

وهناك تحدٍّ آخر يتمثل في تقلص الاستثمار الأجنبي وتقهقر قاعدة التصنيع، فيما لا تزال صادرات البترول تشكّل 80% من إيرادات الحكومة. وكشفت تحقيقات السنتين الماضيتين أن النسبة الكبيرة من نفط البلاد تُسرَق من قبل مجرمين وجهات حكومية فاسدة، وهو ما أدى إلى انخفاض الإنتاج الرسمي إلى أقل من الحصة المخصصة لنيجيريا من قبل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك). ويؤشر على هذا أن الشباب بمعظمهم يرون أن البلاد تحت الإدارة الحالية أخذت منعطفاً خاطئاً، وأنه لا يمكن إعادة ضبط الأمور إلا من خلال الانتخابات. وعزّز هذا الشعور ما عانوه في السنوات الثلاث الماضية التي شحت فيها فرص العمل. وكانت النتيجة أن أصبح ما لا يقل عن ثلث السكان عاطلين من العمل فيما اضطر عشرات الملايين إلى الانخراط في وظائف محفوفة بالمخاطر في القطاع غير الرسمي. 

وتلاحظ رمزية هذه الانتخابات الرئاسية في مدى تفشي انعدام الأمن؛ إذ بعد سنوات قليلة من بدايات حكم بخاري، انحسر التهديد من "بوكو حرام"، ولكن السنوات الأربع الماضية، شهدت تصاعد هجمات "ولاية غرب أفريقيا" التابعة لتنظيم "داعش". كما اندلعت الاشتباكات بين الرعاة والمزارعين في أجزاء كثيرة من البلاد، في ظل استمرار هجمات حركة "السكان الأصليون من بيافرا" في جنوب الشرق، فيما تتمدد الأنشطة الإجرامية وعمليات قطاع الطرق والاختطاف، إلى جانب التوترات الإثنية والإقليمية القائمة نتيجة التوترات الإثنية وبقايا الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد في أواخر الستينيات؛ وكلها تؤثّر في وحدة نيجيريا واستقرارها.

وإلى جانب القضايا السابقة؛ كان ضمن ما يحفز النيجيريين، ولا سيما الشباب منهم، على المشاركة الفعالة في العملية الانتخابية أن التحركات الأخيرة من قبل الوكالة المعنية بالانتخابات والحكومة أشعرتهم بأن هذه الانتخابات ستكون أقل تزويراً، إذ تبنّت "المفوضية القومية المستقلة للانتخابات"، الوكالة الوطنية المعنية بالانتخابات، مؤخراً تحسينات في نظام التصويت الإلكتروني، فيما ألغى البنك المركزي التعامل بالأوراق النقدية القديمة (فئات 200 و500 و1000 من العملة الوطنية) واعتمد أوراقاً نقدية جديدة مع سحب الأوراق القديمة التي قد تستخدم لإغراء الناخبين وشراء أصواتهم، وهي استراتيجية أثبتت تطورات الأسبوعين الماضيين فعاليتها في إضعاف قوة الأحزاب السياسية القديمة وقدراتها المالية.

المرشحون الرئيسون

تحوي اللائحة الرسمية لمرشحي الرئاسة النيجيرية والتي نشرتها "المفوضية القومية المستقلة للانتخابات" 18 مرشحاً. ولكن أربعة مرشحين فقط منهم أكثر بروزاً ونفوذاً على المستوى الوطني، وهم: الحاج بولا أحمد تينوبو، والحاج أتيكو أبو بكر، وبيتر أوبي، والدكتور رابيو كوانكواسو.

بولا أحمد تينوبو: يبلغ 70 عاماً من العمر، ويعدّ من السياسيين ذوي النفوذ، إذ كان حاكماً سابقاً لولاية لاغوس بين عامي 1999 و2007. ويترشح للرئاسة النيجيرية تحت راية حزب "مؤتمر جميع التقدميين" (All Progressives Congress) الحاكم بزعامة الرئيس منتهي الولاية، بخاري. وهو مسلم من جنوب غرب نيجيريا، موطن إثنية يوروبا. 

ومن حجج مؤيديه أنه يملك الخبرات اللازمة التي تحتاجها نيجيريا في هذه الأوقات الحرجة، وأنه ساهم في تنمية لاغوس التي أصبحت اليوم من أكبر الاقتصادات في القارة الأفريقية، ولعب دوراً بارزاً في ترشّح الرئيس بخاري ووصوله إلى السلطة في عام 2015. ومع ذلك، كان أكثر المرشحين إثارة للجدل وأكثرهم انتقاداً؛ إذ يوصف بالفساد والسيطرة على مفاصل السلطة في لاغوس وسياسة جنوب غرب نيجيريا، ويسعى إلى الرئاسة رغم تقدمه في السنّ وتدهور صحته. وهناك أيضاً تساؤلات عن مصادر أمواله الهائلة، إذ اتُّهِم في دعوى قضائية بالمشاركة في أنشطة غسل أموال تهريب المخدرات.

أتيكو أبو بكر: هو مسلم فلانيّ من شمال شرق نيجيريا ويبلغ من العمر 76 عاماً. وهو أيضاً صاحب شركات وأعمال ناجحة كثيرة، إذ كان نائب الرئيس النيجيري السابق أوباسونجو. وترشحه هذه المرة هو سادس محاولاته للوصول إلى المنصب الرئاسي، إذ فشل في المحاولات الخمس السابقة. ويخوض الانتخابات الحالية تحت تذكرة "حزب الشعب الديمقراطي" (Peoples Democratic Party) المعارض الرئيسي. ويواجه صعوبات كثيرة نتيجة ترشحه الذي قسّم حزبه، إذ توقع أعضاؤه من الجنوب أن يكون مرشحه من الجنوب بدلاً من الشمال. واتُّهم أيضاً بالفساد عدة مرات، ولكنه أصرّ على نزاهته، رغم أن شركة ألمانية اعترفت بدفع رشى له.

بيتر أوبي: هو رجل أعمال ناجح يبلغ من العمر 61 عاماً. مسيحي ينتمي إلى جنوب الشرق حيث كان حاكماً سابقاً لولاية أنامبرا. وقد كان عضواً في "حزب الشعب الديمقراطي" المعارض الرئيسي، ولكنه انسحب منه في عام 2022 بعدما أدرك صعوبة تأمينه تذكرة الحزب. وانضم لاحقاً إلى "حزب العمال" (Labour Party) الذي منحه تذكرته الرئاسية. ومنذ ذلك الوقت، يتلقى موجات دعم بين البسطاء والشباب المستائين من الوضع الراهن وضد الطبقة الحاكمة، إذ ينظر إليه كمرشح مناهض للمؤسسة السياسية، رغم أنه ضمن هذه المؤسسة. ويوصف بالعطوف والنزيه لقلة التهم والمخالفات الموجهة إليه. وأدى ظهوره إلى وجود "قوة ثالثة" للمرة الأولى في انتخابات نيجيريا الرئاسية منذ عام 1999، كما أثار مخاوف النخب السياسية. 

أما المرشح الرابع، الدكتور رابيو كوانكواسو؛ فهو مسلم فلاني من شمال غرب نيجيريا يبلغ من العمر 66 عاماً. وقد حكم ولاية كانو من 1999 إلى 2003 ومن 2011 إلى 2015، كما كان عضواً سابقاً في الحزبَين الحاكم والمعارض الرئيسي قبل مغادرة الأخير ليؤسس حركة وطنية للحدّ من نفوذ الحزبَين المهيمنين. وفي حزيران/يونيو من عام 2022، ظهر كالمرشح الرئاسي لحزب " الشعب النيجيري الجديد" (New Nigeria People's Party). وأدت محدودية شعبية بيتر أوبي و رابيو كوانكواسو في إقليميهما إلى الدعوة للتحالف بينهما لمواجهة المرشحَين الكبيرَين من حزبَين مهيمنين في السياسة النيجيرية، ولكن لم ينجح النقاش بشأن التحالف، فواصل كل منهما حملته الانتخابية بانفراد. 

وقد تمكّن أنصار بيتر أوبي من الترويج له وتنشيط عمليته الانتخابية، وهو ما يضعه ضمن المرشحين الثلاثة الأوائل القادرين على الفوز، وخاصة أنه يحظى بدعم الذين يصوّتون للمرة الأولى، والذين يحاولون التعبير عن غضبهم تجاه تعامل الحكومة النيجيرية مع تظاهرات "#EndSARS" ضد وحشية الشرطة في عام 2020.

ويضاف إلى ما سبق، أنه من خلال متابعة الوعود الانتخابية والبرامج التي أعلنها جميع المرشحين الرئاسيين؛ يتفق الجميع، بمن فيهم مرشح الحزب الحاكم، على ضرورة إحداث تغيير في مسيرة البلاد وحكومتها وإصلاح السياسات الاقتصادية والنقدية التي تترك آثاراً سيئة في حياة البسطاء، وتفاقم الأوضاع المعيشية للنسبة الكبرى من المواطنين، رغم موقف الحكومة من أن هذه السياسات لمصلحتهم.

توقعات

يتطلب الفوز في الانتخابات الرئاسية النيجيرية من المرشح أن يفوز بأكبر عدد من الأصوات العامة، وبنسبة 25 % على الأقل في 24 ولاية من ولايات البلاد البالغ عددها 36 ولاية. واعتماداً على العرض السابق، يُتوقع أن تكون هذه الانتخابات أصعب انتخابات للنخبة الحاكمة منذ العودة إلى الديمقراطية في عام 1999. كما أن وجود بعض الضمانات من إدارة الرئيس بخاري، وتبنّي التكنولوجيا الجديدة يعني أن هذه الانتخابات الرئاسية قد تكون الأكثر نزاهة منذ تلك التي أجريت في 12 حزيران/ يونيو 1993، التي يستدل بها نيجيريون من حيث ديمقراطيتها وعدالتها ونزاهتها، بالرغم من أن الحاكم العسكري إبراهيم بابنغيدا ألغى هذه الانتخابات ولم تُعلَن نتائجها إلى اليوم.

وتوقعت استطلاعات رأي مختلفة فوز مرشح الحزب الحاكم بولا تينوبو، بالنظر إلى هياكل حزبه وإمكاناته المالية ونفوذه الواسع ودعمه من قبل حكام ولايات شمالية نيجيرية. وهناك تقارير أخرى توقعت فوز أتيكو، مرشح الحزب المعارض؛ لكونه مسلماً من الشمال، واحتمال دعمه من قبل مسلمي الشمال لقربه منهم، مع عمل بعض حكام ولايات جنوبية من حزبه لمصلحته، إلى جانب سياسات سحب الأوراق النقدية القديمة التي يرى بعض أعضاء الحزب الحاكم أنها تستهدف مرشحهم تينوبو، نتيجة وجود عناصر داخل حكومة بخاري التي تسعى إلى إفشال فرص فوزه.  

وفي حين اشترط بعض من توقع فوز تينوبو قلة المشاركة الانتخابية؛ فإن تطورات السياسات النقدية التي قللت دور المال في هذه الانتخابات، تعزز نتائج استطلاعات الرأي المختلفة، التي رجّحت فوز بيتر أوبي، في حال المشاركة بكثافة في الانتخابية. ومع ذلك، تؤخذ على استطلاعات الرأي التي وضعت بيتر في المقدمة أنها ركّزت فقط على آراء سكان المدن الذين يملكون الهواتف الذكية ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يعني أن نتائج هذه الاستطلاعات قد لا تعبّر بدقة عن آراء سكان الأرياف وأصحاب اللغات الأخرى في مناطق كثيرة، نظراً إلى كثرة اللغات النيجيرية البالغة أكثر من 500 لغة. 

على أن تأكّل قاعدة الدعم وتقارب الشعبية بين المرشحين الثلاثة الأوائل، وتمتّع كل منهم بدعم قوي في بعض المناطق، فيما يواجهون تحديات في مناطق أخرى؛ يعني أن عملية الاقتراع هذه قد تأتي بسيناريو جديد، إذ يؤثر تصاعد شعبية بيتر أوبي سلباً في حصة أتيكو من الأصوات في الجنوب، فيما يؤثر سلباً وجود رابيو كوانكواسو في حصة تينوبو في الشمال، الأمر الذي قد يؤدي إلى إجراء جولة الإعادة التي ستكون الأولى في تاريخ نيجيريا. ويعضد إمكانية وقوع جولة الإعادة حقيقة أن هناك جانباً آخر كشفته الأرقام الصادرة عن المفوضية الانتخابية منذ أيام قليلة وأشّرت إليه بعض الاستطلاعات المحلية؛ وهو أن مجموعة كبيرة من الناخبين التي لم تكشف عن خيارها بين المرشحين الثلاثة، وهناك أعداد كبيرة أخرى من الناخبين المترددين، بمن فيهم من فقدوا الثقة في النظام الانتخابي.

وعليه؛ فإنّ الوصول إلى الرئاسة لن يكون سهلاً لأي من المرشحين الثلاثة: بولا تينوبو و أتيكو أبو بكر و بيتر أوبي، رغم نفوذهم وقوتهم وإمكاناتهم؛ وذلك لأنّ ما سيحدد نتائج هذه الانتخابات الرئاسية هو نسبة مشاركة الناخبين وخروجهم للتصويت، ومدى حيادية المفوضية الانتخابية في إجرائها والتعامل مع الحالات الاستثنائية، ومن ستصوّت له المناطق والولايات الاستراتيجية المهمة، مثل كانو في شمال الغرب ولاغوس في جنوب الغرب و ريفرز في جنوب-الجنوب.