أوجلان وتركيا وحلّ القضية الكردية من تركيا إلى سوريا

استندت مبادرة عبد الله أوجلان الزعيم الكردي، بالشراكة مع رئيس حزب "الحركة القومية" دولت بهجلي والمتحدث باسمها، إلى الخوف من أن تتغير خرائط الشرق الأوسط بسبب الهجمات الإسرائيلية، وأن لا تكون تركيا مستعدة لذلك في سوريا.

0:00
  • مبادرة أوجلان تصب في مصلحة نجاح تقارب كردي_ تركي.
    مبادرة أوجلان تصب في مصلحة نجاح تقارب كردي_ تركي.

تعزيز نفوذ تركيا في الشرق الأوسط جزء من استراتيجية حزب "العدالة والتنمية" في سوريا. ويتوقف تحقيق ذلك على دورها الذي تراه محورياً في مرحلة إعادة الإعمار وإعادة تركيب الأمن والسلطة في سوريا، وهي تسعى لتقوية علاقاتها الاقتصادية والسياسية بسوريا الجديدة، بما يعزز مكانتها كقوة إقليمية فاعلة، وترى أن عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم رهن بخلق بيئة مستقرة، عبر توفير مشاريع لدعم أساس اجتماعي واقتصادي مهم من أجل استدامة العودة ومنع أي موجات نزوح مستقبلية.

وبينما تسعى المعارضة التركية إلى عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ترى أن ما يطرحه حزب "العدالة والتنمية" يرتب مسؤولية أمنية وسياسية على بلادهم، حتى مع دعم الولايات المتحدة المشروط، وترى أن إردوغان الذي تدخل في سوريا في 2011 عاد اليوم إلى إعلان انتصار مشروعه القديم تحت شعار دفع "إسرائيل" عن الحدود التركية، وضمان أمنها القومي وعدم تقسيم سوريا، حسب ادعاءاته.

وكانت الضربات الإسرائيلية المكثفة لحركة حماس في غزة، والحرب على حزب الله، القوة الضاربة لمحور المقاومة، وتلكؤ القيادة السورية، قد أتاحت فرصة التنسيق بين كل من تركيا والولايات المتحدة للانقلاب على الأسد، وفرض "هيئة تحرير الشام" كقوة معارضة في سوريا.  

النظام الجديد و"قوات سوريا الديمقراطية" 

النظام في سوريا بدأ يأخذ المنحى السياسي من دون انتظار الدستور،  على الرغم من إعلان الجولاني أن مسودة الدستور ستستغرق  ثلاث سنوات، وأن إجراء الانتخابات سيكون بعد أربع سنوات، ما يعني أننا أمام تثبيت نظام الهيئة وترسيخه وتأسيسه بحلول ذلك الوقت، أما الكوادر التي تتولى زمام القيادة في سوريا الجديدة فجميعها تنتمي إلى الفكر نفسه.

إلا أن النقاشات الأساسية باتت تدور حول شرق الفرات بهدف إدخال "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في النظام الجديد، وهي التي كانت تقترح نموذج الحكم الذاتي الديمقراطي العلماني، لكن من الواضح أنه لا يمكن قبول الاقتراح  في نظام "هيئة تحرير الشام". 

تضغط المفاوضات التركية مع الولايات المتحدة الأميركية، على "قوات سوريا الديمقراطية" من خلال القنوات الكردية المختلفة، إذ تحاول تركيا إشراك عبد الله أوجلان الموجود في جزيرة في إمرلي، ويتم التركيز على هدف واحد: إزالة كوادر حزب العمال الكردستاني من سوريا، وحل حزب العمال الكردستاني الموجود في قنديل. وبذلك، تجري تصفية "قوات سوريا الديمقراطية" وإغلاق الطريق إلى حالة الحكم الذاتي.

رفضت تركيا كل المقترحات التي قدمها القائد العام لـ"قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي لوقف عملية "فجر الحرية" التي استهدفت كوباني شرق الفرات بعد تل رفعت ومنبج، وضمان وقف دائم لإطلاق النار.

واقتراحه أن تكون كوباني منزوعة السلاح. وقبوله رحيل المقاتلين الأجانب، بما في ذلك كوادر حزب العمال الكردستاني، وتأكيده أنه مع وحدة سوريا وسلامتها وعدم سعيه لفيدرالية وأشارته إلى أن "سوريا الديمقراطية" يمكن أن تصبح جزءاً من الجيش السوري ونقل السلطة من المركز إلى المجالس المحلية، ودستور يضمن حقوق الكرد والأقليات الأخرى.

أما الولايات المتحدة فساهمت في ردع تركيا عن القيام بحملة عسكرية ضدّ "قوات سوريا الديمقراطية"، فتركيا تعوّل على "هيئة تحرير الشام"  وعدم قبولها أي حل يناقض المصالح التركية.

يؤكد الجولاني أنه لا يريد أي قوات مسلحة خارج الدولة، في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع وزير الخارجية هاكان فيدان، فهو يفضل سوريا من دون "قوات سوريا الديمقراطية" ويريد القضاء على نموذج شرق الفرات.. بينما الجانب الأميركي يتوقع أيضاً دمج "قوات سوريا الديمقراطية" في النظام من دون صراع.

يتمنى الجولاني أن يتفق الأميركيون والأتراك فيما بينهم، وهو مستعد لحصد النتائج، وأكد أن الكرد جزء لا يتجزأ من سوريا، وأنه لن يكون هناك تقسيم لسوريا بأي شكل من الأشكال.

وأشار إلى أنه لن يسمح بأن تصبح سوريا نقطة انطلاق لحزب العمال الكردستاني.

وعلى الرغم من  أن الجولاني ترك انطباعاً جيداً لدى الوفد الأميركي الذي زار دمشق في الأسابيع الماضية، فإن الأميركيين مدّدوا العقوبات على سوريا حتى عام 2029، بعد زيادة عدد الجنود الأميركيين من 900 إلى 2000 جندي. يبدو أن الولايات المتحدة لن تترك دمشق وستحاول تشكيل سوريا من خلال العصا والجزرة.

وتقوم إلى جانب فرنسا بمبادرات لضمان الوحدة بين الأحزاب الكردية وإرسال وفد مشترك إلى دمشق، لرفع القضية من قضية حزب "الاتحاد الديمقراطي" و"وحدات حماية الشعب" التي تستهدفها تركيا إلى القضية الكردية، وإدخال شخصيات إسلامية كردية لضمان الوحدة بين أحزابها.

قامت الحركة الإسلامية الكردستانية في الجانب العراقي بوضع مبادرة وأُعيد فتح مكاتب الحركة في دمشق، التي أُغلقت عام 2011، من أجل ضمان المصالحة بين الكرد في روج آفا ولوضع أسس الحوار مع "هيئة تحرير الشام". الشراكة بين الأحزاب الكردية قد تساعد في تجاوز الخط الأحمر الذي وضعته تركيا في ما يتعلق بحزب "الاتحاد الديمقراطي". 

مبادرة أوجلان تصب في مصلحة نجاح تقارب كردي_ تركي 

استندت مبادرة عبد الله أوجلان الزعيم الكردي، بالشراكة مع رئيس حزب "الحركة القومية" دولت بهجلي والمتحدث باسمها، إلى الخوف من أن تتغير خرائط الشرق الأوسط بسبب الهجمات الإسرائيلية، وأن لا تكون تركيا  مستعدة لذلك في سوريا. أعطى الانهيار السريع غير المتوقع في سوريا لتركيا الفرصة لدخول دمشق،  لكنها باتت  تصطدم بممانعة الأميركي.

هل تتمتع مبادرة أوجلان بنفوذ كبير على الكرد في روج آفا؟ وهل الدعوة إلى ترك السلاح بالنسبة إلى حزب العمال الكردستاني يمكن أن تؤدي إلى نتيجة؟

إذا كانت الدولة التركية تعتمد على نفوذ أوجلان، فإن مثل هذه النتيجة قد لا تكون مرغوبة من الناحية الاستراتيجية،  لكن الهدف الرئيسي هو أن يقول حزب العمال الكردستاني وداعاً للسلاح.

ماذا عن المحادثات بشأن سوريا؟ هناك وضع يتجاوز حزب العمال الكردستاني، الولايات المتحدة الأميركية هي الأساس فهل يمكن للحل اللامركزي المرن، بالإضافة إلى الوضع الرسمي للهوية واللغة الكردية، أن يبرز إلى الواجهة كطريق وسط؟ 

إن دعوة أوجلان لتعزيز الأخوة التركية- الكردية، وإلى جميع الأحزاب السياسية لتقديم مساهمة إيجابية، وأن تكون الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا هي الأرضية الرئيسية لهذه القضية، وهي تشير إلى المساحة التي يجب فتحها لتوقعات الكرد، رداً على حل حزب العمال الكردستاني. وهو ذكر أنه مستعد لتقديم مساهمة إيجابية في النموذج الجديد الذي يدعمه دولت  بهجلي وإردوغان.

يشير النموذج من جانب الحكومة إلى حل حزب العمال الكردستاني، إلى أنه يتطلب مساهمة أوجلان في هذا الأمر. ماذا دار بين الدولة وأوجلان بشأن الأساس القانوني للأخوة الكردية- والتركية؟ العامل الرئيسي الذي أدى إلى إطلاق مبادرة أوجلان كان سوريا.

وفي هذا الحوار يستجيب أوجلان لمخاوف الدولة الناشئة عن النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة و"إسرائيل" تجاه الكرد. ويقول أوجلان: "لقد كشفت الأحداث في غزة وسوريا عن عدم حل المشكلات التي تفاقمت بسبب التدخلات الأجنبية".

تكشف شراكة الولايات المتحدة مع "قوات سوريا الديمقراطية" ونهج "إسرائيل" تجاه الكرد الحاجة إلى منع القضية الكردية من أن تكون سبباً للتدخل الأجنبي. ويحاول أوجلان تبرير مخاوف الدولة وتحويلها إلى محفز للحل. ومع ذلك، قد لا يؤدي هذا النهج إلى قول "نعم" للإنهاء من دون تعويض أو إعطاء الكرد ما يمكن أن يكون مرضياً.

إن اتخاذ القرار المتوقع من أوجلان يعتمد على الاقتراحات والحلول القانونية المحلية التركية، ونضج الظروف التي ستؤثر على سوريا. ينتظر الجانبان التركي والكردي الموقف الأميركي مع دونالد ترامب. وقد يرغب الكرد أيضاً في معرفة ما ستسفر عنه المفاوضات مع "هيئة تحرير الشام"، وما هو مكانهم في الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها في مارس/آذار.

أما حزب "العدالة والتنمية" فهو يريد تقديم حل إلى الداخل بشأن تدخله في سوريا، وهو القضاء على فكرة الأمن الذاتي الكردي ومنع تقسيم سوريا، فهل سينجح؟