ألمانيا بالقلنسوة اليهودية ردّاً على مسيرة يوم القدس العالمي
ناشد مفوّض الحكومة الألمانية لمُكافحة مُعاداة السامية المواطنين الألمان ارتداء "كيباه" اليهودية (القلنسوة اليهودية) يوم السبت المقبل. لماذا في هذا التوقيت بالذات؟
يُجيب عن السؤال موقع دوتشي فيله الألماني، الذي نشر خبراً عن تلك الدعوة من قِبَل فليكس كلاين مفوّض الحكومة الاتحادية لمُكافحة مُعاداة السامية. الذي بدوره دعا جميع الألمان لارتداء القلنسوة اليهودية يوم السبت المقبل، تضامناً مع اليهود وضد المُعادين للسامية في البلاد. طبعاً المقصود بكلامه المُعادين للكيان الصهيوني والمُناصرين للقضية الفلسطينية، فهو يُردّد المعزوفة الصهيونية المعروفة والتي صارت مُملّة.
ودعا كلاين خلال حديثه إلى مواجهة النشاطات الفلسطينية والعربية والإسلامية التضامنية مع شعب فلسطين، المُزمَع عقدها في برلين في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك. أي نشاطات يوم القدس العالمي وذكرى النكسة سنة 1967. على أساس أنها تُعتَبر نشاطات ضد اليهود ومُعادية للسامية بحسب رأي كل مُتصَهين في ألمانيا وأوروبا.
تصريحات المفوّض كلاين واضحة وننقلها كما جاءت في وسائل الإعلام الألمانية : "قال المفوّض الحكومي فليكس كلاين لصحف مجموعة "فونكه" الألمانية الإعلامية في عددها الصادر يوم الثلاثاء 28 أيار/ مايو عام 2019 إنه يسعى بذلك إلى إظهار التضامُن مع اليهود والدفاع عن حرية العقيدة والتنوّع الاجتماعي في بلاده. وأضاف كلاين "أناشد جميع المواطنات والمواطنين في برلين وفي كل مكان بألمانيا ارتداء كيباه يوم السبت المقبل، إذا تمّ التحريض ضدّ إسرائيل وضدّ اليهود بطريقةٍ لا تُطاق مُجدّداً خلال ‘يوم القدس’ ببرلين"، حيث تنظّم جماعات فلسطينية احتجاجات في ذكرى الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية خلال حرب الأيام الستة عام1967".
تعتبر السلطات الألمانية توجّهها خطوة عملية في مُحاربة المُعادين للسامية. لكنه برأينا يأتي تكراراً للانحياز الألماني الرسمي ضد الفلسطينيين، وكذلك تأكيداً على ما هو أكيد بالنسبة للسياسة الألمانية، فهو بكل تأكيد انحياز سافِر وتأييد مُطلق للصهاينة. هذا التوجّه يعزِّز الموقف الرسمي الألماني، الداعم بلا حدود للكيان الصهيوني، غير الملتفت لجرائمه الإرهابية بحق الفلسطينيين على مدار 71 عاماً من عُمر الاحتلال وعُمر نكبة الشعب الفلسطيني.
الأغرب في الدعوة الألمانية أنها تتحدّث عن التضامن مع اليهود في ألمانيا.. لكنها في حقيقة الأمر خطوة سياسية مُنحازة وتأتي تضامناً مع الكيان الصهيوني.. كما وتأتي في توقيتٍ مدروسٍ لتكون عقبة في وجه تظاهرات يوم القدس العالمي، التي ستشهدها ألمانيا تضامناً مع الشعب العربي الفلسطيني وقضيته العادلة. فلطالما أزعجتهم مسيرات يوم القدس العالمي التي دعا إليها الإمام الراحل آية الله الخيمني، لتكون عوناً وسنداً لنضال شعب فلسطين من قِبَل كل المسلمين، في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك.
يُعدينا هذا التوجّه الألماني الرسمي إلى جريمة تجريم منظمة بي دي أس العالمية التي تدعو لمقاطعة الكيان الصهيوني أكاديمياً وثقافياً وتجارياً والخ. حيث قام البرلمان الألماني مؤخّراً بسن قانون يجرّمها ويعتبرها منظمة مُعادية للسامية، مع أنها تضمّ في صفوفها عدداً لا بأس به من اليهود المُعادين للصهيونية وللاحتلال الصهيوني لفلسطين.
في هذا الصَدَد كان الناشط الفلسطيني حمدان الضميري منسّق الجالية الفلسطينية في بلجيكا قد كتب "ما صدر عن البرلمان الألماني باعتبار حركة المقاطعة BDS كحركةٍ مُعادية للسامية هو قرار سياسي، أرادت الأحزاب الألمانية من خلاله إرضاء الطرف الإسرائيلي وكذلك اللوبي الصهيوني صاحب التأثير في ألمانيا، هو بيان Résolution".
وجاء أيضاً في مقالة الضميري: "في قراءة لأحد القانونيين البلجيك والمُطّلع على القوانين الأوروبية، هناك خطورة تبنّي بعض المحاكم لأحكامٍ عقابية تجاه أفراد أو جماعات ناشطة في الساحة الألمانية، مُبرّرين أحكامهم بأن هذه النشاطات موجّهة لمؤسّسات يهودية أو لأفراد لأنهم يهود، وهذا التخوّف قابل للحدوث من قِبَل البعض، عندها وحسب القانوني البلجيكي ستفتح أمام النشطاء أفراداً وجماعات الفرصة والآفاق للدفاع قانونياً، وبالتالي مواجهة وجهة النظر القائلة إن حركة المقاطعة هي موجّهة ضد اليهود، بينما الصحيح إنها حركة تعوّض ما يجب أن تقوم به المنظومة الدولية بمواجهة دولة الإحتلال وإلزامها باحترام قواعد القانون الدولي".
يتّضح لنا من خلال ذلك أن كل ما صدر بهذا الصَدَد تحت مُسمّيات مُحاربة ومُكافحة مُعاداة السامية في ألمانيا، يدخل ضمن التوجّه السياسي الألماني الأعمى، المُنحاز كلياً وعملياً إلى جانب الكيان الصهيوني. والذي يفتقد للقانونية والعقلانية، وينمّ عن عدم اكتراث ولا مبالاة رسمية، حزبية، سياسية وبرلمانية ألمانية بمُعاناة ومأساة شعب فلسطين. كما ويدلّ على أن برلمان ألمانيا أعمى بعيون صهيونية. فهو نفس البرلمان الذي يمنح أي يهودي يلجأ إلى ألمانيا حقوقاً أكبر وأفضل من بقية اللاجئين. وهو نفس البرلمان الذي يقوم بتقديم المال والسلاح بلا توقّف لكيان (إسرائيل) الإرهابي. ولا بدّ أنكم تذكرون غوّاصات الدلفين المتطوّرة والقادرة على حمل رؤوس نووية، التي قدّمتها ألمانيا إلى الكيان الصهيوني، مع العلم أنها لازالت تعمل على تقديم المزيد منها إما مجاناً أو بأسعارٍ زهيدة.
ليست هي المرة الأولى التي يواجه فيها الفلسطينيون والعرب وأنصارهم في ألمانيا الانحياز الرسمي الألماني إلى جانب الصهاينة. فلطالما تكرّر ذلك خلال النشاطات الفلسطينية في بلاد الرايخ، وفي عاصمته برلين بالذات. ففي ذكرى النكبة الفلسطينية التي أحياها الفلسطينيون في برلين هذا العام، قام ضابط أمن ألماني بطلب غريب وتبرير أغرب من القائمين على المهرجان، ادّعى خلاله أن شعار مقاطعة مسابقة يوروفيجين، التي أقيمت منتصف هذا الشهر في (تل أبيب)، يحتوي على عداء للسامية. برّر ذلك بالقول إن كلمة يوروفيجين الموضوعة على يافطة باللغة الألمانية تظهر بعض الحروف فيها وكأنها شعار النازية (الصليب المعكوف).. أمر بإزالتها فوراً وربما سيرفع قضية بسببها ضد القائمين على المهرجان. مع أنه لا يوجد شعار نازي ولا ما يحزنون، فهي لا تعدو عن كونها مجرّد تهيوءات أو حِجج وادّعاءات كاذبة ومُلفّقة من قِبَل ضابط الأمن المُتصهين أو العنصري ضد العرب والمسلمين.
دعوة كلاين المواطنين الألمان إلى المشاركة في مسيرات مُضادّة موالية لإسرائيل في برلين ترافقت مع كلامٍ آخر للمتحدّث باسم الحكومة الألمانية شتفن زايبرت، الذي كان هو الآخر قد طالب من قلب برلين، بضرورة اهتمام مؤسّسات الدولة بإتاحة إمكانية ارتداء الكيباه (القلنسوة اليهودية) بشكلٍ آمنٍ في كل مكان بألمانيا.
الموقف الرسمي الألماني واضح جداً ومُعادٍ للفلسطينيين ومناصرٍ ومؤيّدٍ للصهاينة.. منحاز أيضاً للطائفة اليهودية الألمانية، التي لا تتوانى عن اعتبار نفسها (إسرائيلية) وعن تقديم كل ما لديها من دعمٍ وقوةٍ لصالح كيان الاحتلال الصهيوني. وتحضرني الآن حادثة حصلت معي شخصياً في برلين في يوم إعلان ترامب القدس عاصمة للكيان الصهيوني. حيث في اليوم التالي للإعلان مررت على الشارع حيث المتحف اليهودي الألماني، فلفتت انتباهي يافطة المبنى، التي تمّت إضافة جملة عليها تقول أهلاً بكم في القدس، باللغات الألمانية والعبرية وربما الإنكليزية لم أعد أذكر الآن. هكذا يتصرّف يهود ألمانيا على أساس أنهم صهاينة قبل كونهم ألماناً، وعلى أساس أنهم جزء لا يتجزّأ من الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني.