حين يتنفس الهامور
طُعم المساس برمزية عيسى قاسم، رمته الحكومة من خلال سنارة الهروب إلى الامام. كانت واضحة الضغوط الأميركية على السلطة عندما زار جون كيري، المنامة في نيسان/أبريل الماضي. تقارير منظمات حقوق الانسان لاذعة للسلطة وأجهزتها. قليلة هي الانتقادات للمعارضة، إذاً لا بد من المساواة الميدانية والسياسية. لكن لماذا دوى صوت التحذيرات والتهديدات في طهران علماً أن قاسم، رقمه 250 في لائحة إسقاط الجنسية؟
سمك الهامور الأشهر في البحرين. لذلك لا بأس من تنفيذ "هوامير" الحكم لعملية اصطياد سهلة للمعارضة. الغازات المسيلة للدموع واقتلاع دوار اللؤلؤة لم تنفع. الاعتقالات وعمليات إبعاد المعارضين لم تفلح. تصدير التهم الإرهابية للخارج ولخلايا الداخل لم تغير الصورة منذ خمسة أعوام. حالياً، تنجر المعارضة الى الساحة الأضعف فيها، أو هكذا يُراد لها: إنها عسكرة الاحتجاجات السلمية. لا يُعرف تماماً إن كانت المعارضة بأطيافها الدينية واليسارية والعلمانية توافق على بيان الحرس الثوري الإيراني وحديث قاسم سليماني. لكن إسقاط الجنسية عن الشيخ عيسى قاسم، لا يُعجل بحمل السلاح، إنما بسقوط الجميع في فخ المواجهة المباشرة.
طُعم المساس برمزية عيسى قاسم، رمته الحكومة من خلال سنارة الهروب إلى الامام. كانت واضحة الضغوط الأميركية على السلطة عندما زار جون كيري، المنامة في نيسان/أبريل الماضي. تقارير منظمات حقوق الانسان لاذعة للسلطة وأجهزتها. قليلة هي الانتقادات للمعارضة، إذاً لا بد من المساواة الميدانية والسياسية. لكن لماذا دوى صوت التحذيرات والتهديدات في طهران علماً أن قاسم، رقمه 250 في لائحة إسقاط الجنسية؟ الإيرانيون ليسوا أوصياء على المعارضة البحرينية وهذا ما أعلنه المعارضون انفسهم. لكن المعركة الإقليمية تُحتم ذلك، فالبحرين جولة في ساحات تتوسع.
هكذا فعلت إيران عند إعدام السعودية للشيخ نمر النمر، وبقي الكلام كلاماً. التنفيذ يكون في مناطق رخوة أكثر كاليمن وسوريا والعراق. ولأن الصياد السعودي والبحريني واحد. تزامن إسقاط الجنسية عن قاسم، مع اسقاط الجنسية عن 13 عنصراً من داعش. في المقابل، أعدمت السلطات السعودية النمر مع قياديين من داعش والقاعدة. يُراد للقضية ألا تكون طائفية، إنما قانونية فقط. بل هي سياسية في المقام الأول ورسائل إلى الداخل والخارج. وترافق كل ذلك مع إعلان طهران عن خلايا إرهابية في إيران مدعومة من السعودية. هذا يختصر صندوق البريد المليء بالرسائل الناعمة بانتظار ما هو أقسى منها.
سمكة الهامور تتحمل الظروف البيئية القاسية، مثل ارتفاع درجة الحرارة أو انخفاضها. تتشابه مع معارضة البحرين وظروفها. لكن الجميع سيندم على نقاط ولي العهد الأمير سلمان. في أيلول/ سبتمبر 2014 طرح إطاراً من خمس نقاط لحوار وطني، تؤدي إلى إعادة تعريف الدوائر الانتخابية والتعديل بعملية تعيين مجلس الشورى. يضاف إليها إصلاحات قضائية وصلاحيات لمجلس النواب المنتخب للموافقة أو لرفض مجلس الوزراء، حينها، رفضت المعارضة المقترحات. الحجة كانت أنها لا تضمن تعيين مجلس النواب لرئيس الوزراء بدلاً من الملك. أرادت المعارضة إقصاء "الهامور الكبير" رئيس الوزراء خليفة بن سلمان (عم الملك). عمره ثمانون عاماً ويمسك بكل مقاليد الحكم.
ويبدو أن لا حل في البلاد سوى بوفاة هذا الرجل القوي. وحتى حصول أي صدمة إيجابية أو سلبية، تبقى أسماك الهامور في بحر الضياع بين الجارين السعودية وإيران. لكن ما يدل على أن أحداثاً أمنية ربما تقع، هو البيانات والإرشادات الصادرة عن السفارة الأميركية في المنامة. السفارة تحذر مواطنيها من زيارة بعض الأماكن في البحرين، لكنها لا تحذر السلطات من تركي بن علي. هذا الرجل ضابط في جيش الدفاع البحريني. تقاعد من الجيش سابقاً والتحق بتنظيم داعش، وهو واحد من مئة بحريني انتموا لداعش في سوريا والعراق. أدرجت الولايات المتحدة اسمه على لائحة الإرهابيين المطلوبين، لكن حكومة المنامة لم تدرجه على قائمتها حتى الآن. لكن داعش، على الأرجح، أدرج الأسطول الأميركي الخامس ومقر عنصر القوات البحرية الأميركية في "القيادة المركزية الأميركية"، إلى بنك اهدافه المحتملة.
لا بد لإسقاط الجنسية عن قاسم، من هزات ارتدادية داخلية وتوترات أمنية، لكن نهاية المعارضة ستكون بموافقة قاسم على الخروج من البحرين. وكذلك مقتل المعارضة بعسكرة تحركاتها، حينها لن تتفس أسماك الهامور بتاتاً، وتبقى في غيبوبة دائمة لا تصحو منها إلا بتغيرات جذرية في الإقليم.