كن إنساناً وكفى

لا أحد ممن شاركوا في الثورة لا يعرف سناء يوسف...تردّد إسم سناء يوسف على مسامعي منذ بداية الثورة، ولم أكن قد شُرِّفت بلقائها بعد، كلما أردت متابعة حال من حالات المصابين، كلما أردت مقابلة أحدهم، معرفة معلومات عنهم أو مجرّد السؤال عنهم، تأتي الإجابة: سناء يوسف.

سناء يوسف المولودة في 12 يوليو 1978 والمنتقلة عن عالمنا في 16 فبراير 2017
وبعض الأرواح ليس لها أين تهتدي وتستريح ، فهي دائماً على موعد مع السفر و"الرحيل". هذه كلمات سناء يوسف المولودة في 12 يوليو 1978 والمنتقلة عن عالمنا في 16 فبراير 2017.

 

لا أحد ممن شاركوا في الثورة لا يعرف سناء يوسف.

ولا أحد ممن لم يشاركوا في الثورة سمع بسناء يوسف.

ولذلك تفسير سنورده لاحقاً، لكنني سأتحّدث بداية عن علاقتي بسناء يوسف.

تردّد إسم سناء يوسف على مسامعي منذ بداية الثورة، ولم أكن قد شُرِّفت بلقائها بعد، كلما أردت متابعة حال من حالات المصابين، كلما أردت مقابلة أحدهم، معرفة معلومات عنهم أو مجرّد السؤال عنهم، تأتي الإجابة: سناء يوسف... هي اللي عارفة كل حاجة عنهم ومتابعاهم ومرابطة عندهم.

 

اعتقدت في البداية أن سناء يوسف متفرّغة للمصابين وفقط، لكنني فوجئت بأن هذه الشخصية تقريباً لا تنام. فهي متابعة للمصابين وكأنما ليس في حياتها غيرهم، ومتابعة للمعتقلين وكأن ليس في حياتها غيرهم، ومشاركة في كل فاعليات الثورة وكأنها قد زرعت ونبتت وأزهرت في الميدان، وفي خضم كل هذا كانت سناء لا تكفّ عن الصلاة.

"كن إنساناً وكفى"

كان هذا شعار سناء يوسف على حسابها الشخصي على موقعي التواصل الاجتماعي توتير وفيس بوك، وكان هذا شعارها في كل تفصيلة من تفاصيل حياتها، لكن التطبيق العملي كان: كن ملاكاً وكفى، وهكذا أطلق عليها كل من شارك في الثورة: ملاك الثورة.

 

كان أول لقاء افتراضي بيني وبين سناء حين أرسلت إليها أسأل عن حالات المصابين. تدفّقت في رواية حكاياتهم، وحالاتهم، وما يتعرّضون له، وكذبات المدّعين الذين يرغبون في الظهور بمظهر أهل البر والتقوى بينما هم في الواقع يمارسون أعتى أنواع الفساد بحق أناس أعجزهم حبهم لوطنهم، وأقعدتهم شجاعتهم في مواجهة آلة البطش الشرطية. كانت سناء في أثناء حكاياتها تشعر بوخز الضمير حين تحكي عن فساد البعض، فيتخلّل كلامها: أنا مش عارفة، مش عايزة أظن في حد حاجة وحشة.. الله أعلم بظروف الناس.. بس حصل كذا وكذا وكذا.. فأبادرها: إيه النصب ده؟ فتجيبني: لا مش عايزة أخليّك تظني ظن وحش في الناس.. أنا ما اعرفش ظروفهم إيه؟ يمكن يقصدوا خير بس أساؤوا الإدارة.

 

تمتمت في نفسي وأنا أحادثها على الفضاء الإلكتروني: إيه البت العبيطة دي؟ ثم أرسلت إليها: أنا ما أعرفكيش كويس بس واضح إنك عبيطة.. فأرسلت إليّ وجهاً ضاحكاً.

ثم أردفت: بس لو سمحتي ما تاخديش فكرة وحشة عن الناس عشان ما أشيلش أنا ذنب إني شوّهتهم.. إحنا ما نعرفش ظروفهم.

 

ثم حان الحين لكي يسعدني نصيبي وأقابل سناء يوسف فهي التي اصطحبتني لأول مرة لزيارة معتقلي السويس، والذين كانوا يحاكمون عسكرياً على إثر مشاركتهم في تظاهرات مناهضة لفضّ اعتصام وزارة الدفاع في مايو 2012، هم الوحيدون الذين تعرّضوا لمحاكمات عسكرية في ذلك الوقت وفي ظلّ الأحداث المذكورة، ونظراً لإنهم في مدينة أخرى غير القاهرة، والتي هي بؤرة اهتمام الإعلام، فإنهم لم يحظوا  بالاهتمام المنشود، لولا اهتمام سناء يوسف بهم، وإصرارها على عرض قضيتهم على الحقوقيين وعلى من تعرفهم من الإعلاميين.

 

لكن سناء كانت تكره الظهور في الإعلام، تماماً، كلما عرض عليها صديق إعلامي الظهور، تقول له: أنا أقول لك وأنت إطلع قول أو أكتب.

 

كانت تتصل دوماً بمن لهم صلة بالإعلام لتروي لهم مآسي المصابين والمعتقلين، لكنها ترفض تماماً أن تظهر لتتحدّث بنفسها، رفضاً عنيداً، وربما مُتعنتاً.

 

إذن، علمت الآن لماذا لم يسمع بها مَن لم يشارك في الثورة. هي وجه موجود في كل تفصيلة من تفاصيل الثورة لذلك فلا أحد مر على الثورة لم يقابلها، لكنها أبداً لم تظهر في الإعلام، وهذا هو السبب عدم معرفة مَن لم يمروا على الثورة بها.

 

حين قابلتها أول مرة أمام محبس المعتقلين في السويس، وجدتهم يتحدّثون إليها وكأنهم يتحدّثون إلى أمهم: سناء.. عايزين كذا.. بصي كلمي فلان وقولي له كذا.. باقولك يا سناء.. الواد ده جنائي.. بس غلبان مش بيجيله زيارات.. والله جدع جداً.. سناء... كلّمي أمي وقولي لها كذا.. سناء... عايزين ناكل كذا.. سناء... كلّمي المحامين.. سناء.. سناء.. سناء..

أصواتهم تختلط، وتأتي من كل حدب وصوب، كأطفال التفوا حول أمّهم، وهي تجيب كل شخص منهم مُبتسمة.

 

ومنذ تلك اللحظة ولسناء مكان في قلبي لا يملأه أحد.

انتحينا جانباً لنتحدّث عن الله. كنت أطلب منها دوماً أن تصلّي من أجلي، وتقول: وأنت كمان إدعي لي.

 

شاركت سناء بعد ذلك في إضراب عن الطعام لإطلاق سراح معتقلي السويس.

 

علمت بعد ذلك أن سناء كانت اعتقلت في أحداث محمّد محمود نوفمبر 2011. تروي سناء تفاصيل القبض عليها على مدوّنتها "سنائيات:

"شمال محمّد محمّد أحد المحلات الصغيرة والتي تنخفض عن مستوي سطح الأرض بدرجتين سلم اختبأ 3 شباب في هذا المنخفض وكنت أنا الرابعة بجوارهم وكان ظلام وأعيننا تلمح كتيبة البلطجية تتقدّم داخل الشارع وأربعتنا نمنّي أنفسنا بأن يعيقهم الظلام عن رؤيتنا أو الانتباه لنا .. ولكن شاء ربك .. ومجرّد أن التقطت أعينهم خيالنا سرعان ما هرع إلينا 4 بلطجية أمن مركزي وبيدهم العصيان .. كان هاتفي المحمول بيدي وسرعان ما أدركت ضرورة الحفاظ على هاتفي المحمول على الأقل حتى أستطيع إرسال رسالة لأي فرد ليعلم أنه تم اعتقالي أو إن حالفني الحظ وتماسكت أعصابي لأفتح تويتر واتويت " تم القبض علي " وسرعان ما دسست هاتفي بجيب البنطلون الخلفي وأول ما سأل عليه البلطجية أعطينا الكاميرا التي خبأتيها في جيبك أقسمت بأغلظ الأيمان أني لا أمتلك كاميرا وبالفعل هو كان هاتفاً بالأساس وبه أوبشن الكاميرا إذا أنا لم أكذب .. ولكي أصرف أنظارهم عن أن الهاتف بجيبي تظاهرت بأنني وضعته بحقيبتي وفتحتها وقلت لهم صدّقوني ليس هناك كاميرات .. وما صرف نظرهم أنه انضمت إليهم مجموعة أخري من بلطجية الأمن المركزي ليصبح عددهم ما بين 7 أو 8 .. وقد سهّل الله لل 3 شباب أن يفرّوا ويهربوا من هذا الجحيم ولا ألومهم لتركي لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها . . وبكل الصدق شكرت الله أنهم استطاعوا الفرار"

هل ضحكت مثلما ضحكت أنا من هذه الفقرة المأساة الملهاة؟

 

 فتاة عزلاء ضعيفة رقيقة جميلة في قبضة الأمن المركزي، كل ما يشغل بالها أن تؤكّد أنها لم تكذب حين أقسمت لقوات الأمن المركزي بأنها ليس معها كاميرا.. لبعدين ربنا يعذبها على الكذب ولا حاجة! ثم إنها تدافع بشراسة عن الشباب الذين تركوا فتاة في هذا الموقف وهربوا! وأنا الحقيقة لا أعلم ما هي الملابسات التي جعلتهم يتركونها؟ لكنني لم أكن أبداً لأشعر بالامتنان لو أنني في مكانها كما شعرت هي بالامتنان لأنهم تمكّنوا من تركها والهروب! وأكاد أسمع صوتها الآن في أذني وهي تبرّر لي بقوة: ما تعرفيش ظروفهم يا نوارة... حرام.. ما تظلميهمش... لا مش أندال لا.. وبعدين أنا ربنا معايا... ربنا سهل لهم الهروب وخلاني أنا.. يبقى ربنا غلطان؟ أكيد لا... والنبي ما تاخدي عنهم فكرة وحشة... عشان ما أشيلش ذنب.. يا ريتني ما حكيت الحكاية دي... أديكي حتاخدي عنهم فكرة وحشة بسببي.

 

وهكذا كان الحوار غير المنقطع بيني وبين سناء: يا بنتي حتشليني... حاموت منقوطة..

فتضحك.

 

تستكمل سناء روايتها لما حدث لها في ذلك اليوم العصيب، وأكاد أرى وجهها المبتسم دوماً وهي تحكي النوائب:

أفاجأ إنني وسط ما يقرب من 25 أو 30 فرداً ما بين بلطجية بزّي الأمن المركزي" وبلطجية بزّي مدني فتحرّك أحد الضباط المُمسكين بي ورفع يده ملوّحاً لهم " محدش يلمسها " ولكن ما حدث كان عكس ما أمرهم به تماماً .. ولوهلة شعرت أنها كلمة السر منه لهم أي " افعلوا بها ما شئتم " وبمجرّد انتهائه من هذه العبارة تلقيّت صفعة قوية على وجهي وركلات متتالية من آخر بقدمه وثالث جذبني بشدّة من شعري ولم أستطع تحريك رأسي يميناً أو يساراً أو حتى إلى الأمام فهو جذب متواصل ثابت لشعري ليتيح لمن يصفعني على وجي القدرة على صفعي ويا ليت اقتصر الأمر على الضرب لكان الأمر هيناً ، ولكن بكل الأسف والألم والضيق والمرارة أعترف أن أياديهم لم ترحم جسدي فأخذوا يتحرّشون بي بكل قذارة ووحشية وانعدام للضمير وانحطاط وانتحار اخلاقي بشع ، وفيما أحاول جاهدة تفادي ضرباتهم وستر نفسي من تحرّشاتهم فزاد الأمر تعقيداً والموقف مرارة ووحشية أن اثنين منهما تجاذبا أطراف الشال حول رقبتي كل واحد اجتذب طرفاً وأخذوا يجذبونه كل عكس الآخر وسرعان ما شعرت بالاختناق فأخذت أجذب الشال من منتصف الرقبة لأضعف جذبهم له تاركة الآخرين مستمرين في التحرّش بي فأنا بين جحيمين .. جحيم تحرّشهم بي وجحيم الركل والصفع ومحاولة الخنق بشالي الذي ارتديه .. وبين كل هذا لم أصرخ لا أستطيع تحديد السبب هل صمود وجَلَد ؟! أم صدمة عصبية حادّة وعدم تصديق لما أمر به ؟!  أم خارت قوتي ولم تساعدني حتى على الصراخ ؟!

ولكن كل ما أتذكره أنني فتحت عيناي غير قادرة على الرؤية من ألمي ودموعي لأنظر لمن توهّمت أنه يحميني أو سمعته يأمرهم بعبارة " محدش يلمسها " وسألته راجية  "أرجوك خدني من وسطيهم أبوس ايدك " وفي هذه اللحظة خارت قوتي تماماً لأسقط على الأرض ولم تر عيناي سوى أرجل وأقدام وهامات ترتفع فوق مستوى بصري وأعترف أن في هذه اللحظة تحديداً سلّمت بأنها نهايتي جسدياً ونفسياً ومعنوياً، وكفتاة تحاول جاهدة يائسة حماية نفسها من أنياب ذئاب متوحّشة .. ولم أجد صدى لتوسّلي لهذا الضابط سوى هذه العبارة الصادمة " قومي لو مقومتيش مش حنعرف نحميكي ولا نطلعك من وسطيهم " أين الرتبتين الكبار سنا" ؟ !! لا أعلم أي الضابطين أول من أمسكاني لتسليمي لقيادتهما؟!! لا أعلم أين أياً من استطيع الاستنجاد به ؟!! لاأاعلم .. ولا أذكر ماذا حدث لمدة دقيقتين أو ثلاث دقائق تقريباً ، فلم أدرك سوى أن هناك من حملني وألقاني في البوكس .. لأجدني أحاول الجلوس والارتكان إلى أحد أركان السيارة ومن ثم آخران ساعداني للجلوس على أريكة البوكس بينهم .. أدركت أن حذائي الذي كنت أنتعله ليس بقدمي وحقيبتي الشخصية ليست بكتفي فهي حقيبة كروس وكنت أرتديها أسفل الجاكيت أي يصعب نزعها من دون خلع الجاكيت، ولكنني لم أجدها .. رغم قوة الألم وشدّة الوجع أدركت إنني أبأس حالاً من متشرّدي الغابات أو ممن يعيشون على القمامة وقارعة الطريق من دون مأوى أو سكن أو تحقيق شخصية ، .. ولم أسترسل كثيراً في أفكاري السوداء .. حيث سرعان ما لمحت عيناي بلطجيين ينبشون بحقيبتي الشخصية إذاً هي معهما وهما سائق السيارة البوكس وآخر بجواره فقد كان هناك فتحة صغيرة أستطيع أن أراهما من خلالها من موقعي حيث تكوّمت لا حول ولا قوة لي .. اذا كان من يضربونني ويتحرّشون بي ويسرقون حقيبتي بلطجية ليس لهم علاقة بالداخلية فكيف تكون حقيبتي بين أيديهم الآن ؟!!

أشعر بمرارة لسذاجتي فلم أفتش حقيبتي بعد حصولي عليها منهم حيث توقّعت أنهم ينبشون عن تحقيق شخصية لي ولكني علمت مدى سذاجتي بعدها بيوم حين شعرت بالجوع وأردت شراء البسكوت من كافتيريا المحبس فاكتشفت أنني لا أمتلك نقوداً من الأساس .. إذاً هم ليسوا بلطجية فقط ولكنهم أيضاً حراااامية”

 

وكعادتها.. تحكي سناء ما يبكيني، ثم تنتزع الضحكة في وسط الدموع وأنا أردّد: حتنقطيني يا سناء.

 

قفزت الدموع إلى مقلتي وأنا أقرأ تجربتها المريرة، ثم ضحكت وهي تكتب باندهاش بأنهم طلعوا: حرااااامية!

 

فداك نفسي يا سناء. لم أكن وقتها على اتصال بها، لكنني علمت منها أنها قضت أربعة أشهر في السجن، ثم خرجت.

خرجت في مارس لتستكمل ما كانت بدأته من متابعة المعتقلين والمصابين، لم أكن أعلم حين قابلت هذا الوجه الباسم المفعم بالبشر والأمل أنها كانت مرت بهذه التجربة الأليمة، وأن هذه الفتاة التي تربّت على كتف هذا، وتمسح دموع هذا، وتساعد هذا على تجاوز آلامه النفسية، هي ذاتها في حاجة لمن يساعدها لتجاوز آلامها لما تعرّضت له. لكنها أبداً لم تشتك، أبداً لم تبد أي احتياج من أي نوع.

هذه الجميلة التي كلما أرسلت لها: حنتقابل إمتى يا سناء؟ فترّد علي: بس عشان فلان انطرد من شغله وبادور له على شغل.. بس عشان علان نفسيته تعبانة وباحاول أساعده يخرج من اللي هو فيه.. بس عشان ترتان ظروفه صعبة قوي وأنا بحاول أعمل له أي حاجة.. هي ذاتها كانت في حاجة ماسة لمن يساعدها في البحث عن عمل مثلاً، أو أن يخفّف عنها آلامها. وحين سألتها كيف تحتملين كل هذه الآلام والضغوط وحدك؟ قالت: باروح في خلوة في دير المحرق هناك بارتاح.

- طيب ما تاخديني مرة معاك يا سناء.. يرضوا يدخلوني وأنا مسلمة؟

- ولو ما رضيوش أتخانق معاهم.. وأنت بتروحي حضرة صوفية مش كده؟ تاخديني معاك.. يرضوا يدخلوني وأنا مسيحية؟

فأجبت ضاحكة: ولو ما رضيوش أتخانق معاهم.

 

لكن هذه المشاريع لم تتم أبداً. انشغلت سناء بالمصاب والمعتقل والمعتلّ نفسياً والمفصول من عمله، وفي ذات الوقت انشغلت بالسعي لكسب عيشها ورزقها، فهي يتيمة الأب والأم وليس لها عائل سوى نفسها. ضاقت فرص العمل عليها في أرض مصر، فسافرت إلى دبي لتعمل كمحاسبة في فندق. كانت تكتب كلاماً عن الوحدة والأنس بالله، وبعد فوز منتخب مصر بالدور قبل النهائي في كأس الأمم الإفريقية كتبت على موقع التويتر تقول: "يا بختكم يا اللي ف شوارعها وحواريها وبيوتها وقهاويها دلوقتي". كانت بعد يوم عمل شاق ومضن تذهب إلى البحر في الليل لتسير وتمارس عبادة التأمل. في ذات يوم لم يتحمّل قلبها الجميل الغربة والأحمال، فتوقّف عن النبض، وسقطت سناء على شاطئ البحر.

وجدتها شرطة دبي ميتة أمام البحر الذي كانت تتأمل فيه. وعادت إلى أرض مصر التي كانت تعشقها وهي في تابوت.

حضرت القدّاس وقبّلت التابوت وهمست إليها: ما تنسنيش يا سناء، إذ كان بيني وبينها اتفاق أن نتبادل الدعاء كل منا للأخرى، ثم خرجت فوجدت وردة مشبوكة في ملابسي لا أعلم مصدرها، فعلمت أنها تقول لي بأنها لن تنساني.

 

كانت سناء تحب البشر، كل البشر، ليس لسبب إلا لأنها تحب الله، والبشر صنيعة الله، وكل ما جاء من الحبيب فهو حبيب.

قدّس الله سرّك يا سناء.

مازلت على العهد يا حبيبتي... وأعلم أنك على العهد معي.