الناصرية في استهدافات حزيران

الضفة الغربية (الفلسطينية) فقد كانت مُستهدفة بحد ذاتها لاستكمال التمدّد الصهيوني على كل فلسطين، ولم تهتّم تل أبيب بطبيعة السلطة الأردنية وتحالفاتها الأميركية، فانتزعت الضفة الغربية من سيطرتها في العدوان المذكور.

كانت هذه الهزيمة وهذه المعركة مدبّرة بليل أميركي ضدّ عبد الناصر، وما يمثله من خطر على مصالح القوى الدولية والصهيونية والرجعية
انتهى عدوان حزيران 1967، كما هو معروف بسقوط سيناء والجولان والضفة الغربية تحت الاحتلال الصهيوني.

وبالإضافة للبُعد الخاص بالأرض وتوسّع العدو، فقد كانت الاستهدافات الأميركية واضحة وعلنية من وراء هذا العدوان، وكذلك تداعيات الدعم الناصري والقوى الوطنية في اليمن وشبه الجزيرة العربية، كما كانت سوريا قد رسخّت خياراتها السياسية والإجتماعية في إطار معسكر وقوى التحرّر الوطني.

أما الضفة الغربية (الفلسطينية) فقد كانت مُستهدفة بحد ذاتها لاستكمال التمدّد الصهيوني على كل فلسطين، ولم تهتّم تل أبيب بطبيعة السلطة الأردنية وتحالفاتها الأميركية، فانتزعت الضفة الغربية من سيطرتها في العدوان المذكور.

هكذا وإلى جانب الاستهدافات الصهيوينة لسوريا وسياساتها المستقلّة، وللضفة الغربية، نحاول في هذه المقاربة إعادة النقاش حول البُعد أو الجانب الناصري تحديداً، وذلك مع استمرار المعزوفة نفسها عن البرجوازية الناصرية الصغيرة ومسؤوليتها عن الهزيمة.

لم تتقاطع جماعات الإسلام السياسي الأميركي والجماعات الليبرالية وأوساط يسارية، كما تقاطعت في الفكرة الشائعة التي ربطت بين هزيمة حزيران وبين مأزق مشروع التحرّر الوطني والقومي، ودعت جميعها إلى قطع أيديولوجي وتاريخي مع هذا المشروع.

كما ذهب بعضها أكثر من ذلك باعتبار هزيمة حزيران صدمة جديدة تستدعي ما بعدها لهذا الاتجاه أو ذاك، من الإسلام هو الحل، إلى الديمقراطية بتأويلاتها الليبرالية، إلى تصوّرات يسراوية تدّعي الراديكالية مقابل البرجوازية الصغيرة.

هكذا اصطّف ابن تيمية وسيّد قطب وجون لوك وشبح مستعار لماركس في الخندق نفسه وبالتوصيف نفسه، حرب الستة أيام، لكنما المُعطيات والوقائع والحيثيات لم تكن على هذا القدر من المقاربات:

1-لم تكن البرجوازية الصغيرة، أو النقص اليساري في هذه التجربة سبباً للهزيمة، وإلا ما معنى الانتصار الصهيوني نفسه وما يمثّله من ذروة لليمين المتوّحش الرأسمالي، وما معنى أن يتمكّن حزب صغير لاحقاً وبأيديولوجيا ليست يسارية إسمه (حزب الله) من إجبار العدو الصهيوني على الانسحاب مرتين من جنوب لبنان.

2-لم يكن النقص الإسلامي في هذه التجربة سبباً آخر للهزيمة، وإلا ما معنى كل التجارب الاشتراكية المعاصرة التي هزمت الإمبرياليين، من كوبا إلى فيتنام..

3-لم يكن النقص أو الغياب الليبرالي سبباً ثالثاً للهزيمة، وإلا ما معنى الهزائم التي لحقت بالمراكز الرأسمالية الليبرالية على يد قوى ثورية غير ليبرالية إطلاقاً، خلال حروب التحرّر الوطني في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

نعم، لقد كانت هزيمة حزيران 67 هزيمة قاسية ومريرة لا تنفع معها كل توصيفات العزاء الإعلامية، من نمط النكسة وأخواتها، وأظهرت الحاجة إلى مراجعة عميقة وشاملة لمجمل الأداء السياسي والفكري والاجتماعي لهذه التجربة، وهي المراجعة التي لم تحدث قط حتى الآن، ولا يتّسع لها مقال أو بحث أياً كانت قيمته، كما لم تكن مبادرة تنظيم الطليعة التي أطلقها عبد الناصر هي المبادرة التي تلبّي وحدها ضرورة هذه المراجعة.

وعلى نحو بات متّفقاً عليه عند أوساط عديدة، ثمة مايُقال بصدد بعض العناوين الأساسية، منها:

1-الحرب في بر مصر، ولا نقصد رواية يوسف القعيد التي صدرت تحت هذا العنوان، بل أوهام البناء والتنمية بقدر أقل من الاشتباك مع العدو الصهيوني، الذي أوجدته المتروبولات الإمبريالية، بريطانيا وأميركا، لمنع مصر بالذات من إعادة إنتاج تجربة محمّد علي وبناء دولة متطوّرة متمدّنة تستكمل نفسها بالقوس الشامي.

2-الانفصال السوري، وهو المناخ الذي أسّس للعدوان عملياً، فقد رسّخت الجغرافيا السياسية والتاريخ العربي حقيقة لامهرب منها، وهي القوس المصري الشامي، كرافعة لأيّ نهوض وحضور في المشهدين الإقليمي والدولي، فكان على عبد الناصر عوضاً عن (السلوك المسيحي) البريء الذي لا يريد دماً هنا وهناك، أن يقاتل من أجل بقاء الاتحاد المصري – السوري مهما كلّف ذلك من ثمن، فما من وحدة قومية في التاريخ القديم والحديث قامت بلا اشتباك ودماء.

بالمقابل، وجرياً على مقولة هيكل، التاريخ ليس مؤامرة ولكن المؤامرة في قلب التاريخ، تزيد أهميتها أو تقل تبعاً لمستوى التطوّر الخاص بكل دولة وتأثيرات الجغرافيا السياسية عليها، فقد كانت هزيمة حزيران في جانب أساسي منها هزيمة معركة أكثر منها هزيمة حرب بالمعنى الاستراتيجي الشامل للحرب، كما  جاء في قول آخر لهيكل..

كانت هذه الهزيمة وهذه المعركة مدبّرة بليل أميركي ضدّ عبد الناصر، وما يمثله من خطر على مصالح القوى الدولية والصهيونية والرجعية في الإقليم:

1- كانت هذه المعركة امتداداً لعدوان سابق ولحرب كانت ولاتزال راهنة، فأما العدوان فهو عدوان السويس 56 الذي اقترفه الثلاثي البريطاني الفرنسي الصهيوني من مواقع مختلفة: بريطانيا ثأراً لتأميم شركة قناة السويس واندحارها أمام المد القومي، وفرنسا ثأراً لدور عبد الناصر والقوميين العرب في ثورة الجزائر، والعدو الصهيوني في وظيفته الإمبريالية شرق المتوسّط.

ويُشار هنا إلى مجموعة من الأبعاد الخاصة بالصراع العربي الصهيوني، منها تبنّي عبد الناصر لقضية الأمّة المركزية، قضية فلسطين، ودعمه لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة بناء الجيش المصري لهذه الغاية ومحاولاته جمع العرب في إطار الحد الأدنى من قمم التضامن العربي.

أما الحرب، فهي حرب التحرّر الوطني العربية التي أطلقها عبد الناصر ضدّ المستعمرين، القدامى والجُدد، وحول محميات النفط البريطانية الأميركية في شبه الجزيرة العربية، وذلك انطلاقاً من اليمن وثورتها.

وليس بلا معنى، ما كشفته الوثائق البريطانية لاحقاً، من أن أحد أهداف العدوان الصهيوني في حزيران 67، هو هزيمة عبد الناصر في اليمن وأن أطرافاً عربية نفطية كانت متورّطة في هذا العدوان، كما تورّطت من قبل حكومة نوري السعيد العراقية في عدوان السويس 56.

2-الخطاب العروبي الذي تبنّاه عبد الناصر بجرعات أيديولوجية أقل من القوى القومية الأخرى، فالعروبة الناصرية أخذت بُعداً شعبوياً وتعبوياً في الوقت نفسه، ما خلق رابطة وجدانية برسم التحشيد السياسي اليومي.

3- على الصعيد الدولي، مكانة ودور عبد الناصر في باندونغ، وعلاقته التي تطوّرت بسرعة مع موسكو التي اقتربت بفضله من المياه الدافئة وراحت تهدّد مصالح الإمبريالية الأميركية التي كانت تتصرّف في المنطقة كساحة نفوذ لها.

4- البنية التحتية لثورة صناعية زراعية كهربائية، من شأنها أن تؤسّس لنموذج مستقل في التنمية وفكّ التبعية (السدّ العالي، مجمّعات الصلب والحديد، الإصلاح الزراعي، التعليم المجاني الواسع.. الخ)