مستقبل تونس في زمن الأفول الأميركي

هذا الحلم الجيو ــ استراتيجي الذي ننشغل بهمه انشغالاً عميقاً لأجل تونس ولأجل المنطقة ولأجل محور المقاومة، عبارة عن مشروع رؤية استراتيجية تكون جزءاً من بديل عالمي موحد: شرق - جنوب. وهذي هي الفلسفة الإستراتيجية المؤقتة والعامة لهذا الحلم: الشرق الكبير والبعيد والجنوب الأكبر والأبعد، ما يجعل هذا الشرق شرقاً واسعاً مقاوماً. غير أن رؤية الشرق سياسية واستراتيجية وهي بالطبع ليست حصراً للشرق والجنوب وإنما للعالمين وهنالك فرق بديهي بين رؤية الشرق والشرق

الأحادية الغربية إلى زوال وعلى أن المخاطر كبيرة والتضحيات ستكون عظيمة
نتلمح أفولاً أميركياً في الأفق بعكس ما تسعى له الولايات المتحدة الأميركية وتواصل السعي، ربما يحسب علينا من يرى عكس ذلك أننا نغامر، ولكننا مع ذلك نؤكد استناداً إلى مقولة "ما بعد الغرب"  التي أصبحت تتردد بقوة مطردة في صلب أركان قادة المسار العالمي لكسر الهيمنة الأمريكية ثم تركيز التوازن ومن ثم تأمين التفوق وتعزيزه وتحصينه الإستراتيجي. نقدر صوابية اتجاه هذا المنعطف التاريخي وهذه الطفرة الجيوسياسية نحو الإتجاه شرقاً.

يتردد ذلك ويتطور في بيئات متنوعة ومتجاورة ومتظافرة مشرقية ومغربية وغرب آسيوية وأوراسية وآفروآسيوية وبوليفاروسية (أميركا الجنوبية ــ روسيا) وغيرها. وعلى خلاف ذلك لا شك أن حكومات تونس ما بعد 2011 تعمل تحت غطاء التوجيه الاستعماري للصناديق الدولية وللدول الراعية للانتقال بإسم الاصلاحات – المفاسد الكبرى. وتخضع صراحة لشروط هذا الانتقال (الحق الذي يخفي مزيدا من التبعية) بما في ذلك مقاومة الفساد (الحق الذي يخفي مزيداً من ترسيخ سلطة أحزاب الإدارة السياسية لمصالح رأس المال المدار من طرف خلايا النهب المحلي والأجنبي وهو وجهة مرسومة أميركياً منذ 2003 تأتي بعد تغيير الأنظمة مهما كانت صيغة التغيير.


ولا خلاف الآن أيضاً حول وهم توقع تغيير النظام الإقتصادي بدل مجرد الترقيعات بكل صيغ التبديل والتحوير والإسقاط وإعادة التركيب حيث لا تصويب ولا تطوير ولا مجرد إنتقال في الدرجة على الأقل دون قصد تغيير في الطبيعة. وفوق ذلك لا واقعية في تأمل أي هيكلية بديلة عن التشكيلات والصيغ الائتلافية وغيرالائتلافية التي تقوم على وضع موظفين اسميين في مكاتب وزارية تفرع شؤون الحكم إلى اقتسام شكلي لقطاعات الإقتصاد والأمن والبيئة والرياضة…الخ. ولا ضرورة هنا للتذكير بالمؤشرات الاقتصادية فوق السلبية المتعلقة بالأساس بالارتهان شبه الارادي في جزء منه لإرادة وخطط واستراتيجيات الاستعمار والخلل العميق الناجم عن ذلك في الخيارات الاقتصادية الكبرى وبالتالي في إدارة الشؤون الاقتصادية والسياسات المالية.

هذا الحلم الجيو ــ استراتيجي الذي ننشغل بهمه انشغالاً عميقاً لأجل تونس ولأجل المنطقة ولأجل محور المقاومة، عبارة عن مشروع رؤية استراتيجية تكون جزءاً من بديل عالمي موحد: شرق - جنوب. وهذي هي الفلسفة الإستراتيجية المؤقتة والعامة لهذا الحلم: الشرق الكبير والبعيد والجنوب الأكبر والأبعد، ما يجعل هذا الشرق شرقاً واسعاً مقاوماً. غير أن رؤية الشرق سياسية واستراتيجية وهي بالطبع ليست حصراً للشرق والجنوب وإنما للعالمين وهنالك فرق بديهي بين رؤية الشرق والشرق ذاته:


الأحادية الغربية إلى زوال وعلى أن المخاطر كبيرة والتضحيات ستكون عظيمة. وأن هذا المنعطف التاريخي الكبير الموسوم بطفرة جيوسياسية شرقا هي الأكبر، هو حرب وتفاوض في نفس الوقت وهو انفتاح وتغيير لوجهة ومخاض وغلق لابواب سقطت أيضاً. فعلى سبيل المثال تفتح تونس سفارات جديدة في نيروبي وواغادوغو لشعورها بحجم الرهانات والفرص وتنظر إلى إيران التي لطالما عرضت تعاونها ولا تقدر على فتح الباب تدريجيا أو خلعه وتعجز عن استعادة علاقاتها الدبلوماسية التامة بسوريا وعن قول كلمة حق لأجل اليمن وتنظر صوب الهند والبرازيل وكوبا وفنزويلا ولا تفعل شيئا وتعجز عن تفعيل متابعات ورهانات وجزء من اتفاقات مجالس تعاونها الثنائية مع الصين ومع روسيا ومع العراق...الخ. ويكاد حجم تعاملاتها وتبادلاتها واستثماراتها من الجهتين مع الشرق الذي ذكرنا يراوح الصفرية من جهة ولا يتطور بالحجم المأمول من جهة أخرى.


وبعد ذلك كله، لن يقوم بالطبع شيء بلا رؤية يتبناها ويدافع عنها أصحاب الحق وأبناء الشعب لا تقوم على مجرد الأحلام ومجرد الانتصار للاخوة الاشقاء والشركاء الاستراتيجيين ولا على مجرد الذاكرة التاريخية ولا بالبقاء في مربع الخوف من هوة الإستعمار لإطفاء الديون  وتحرير الطاقات الطبيعية والبشرية وبناء المشاريع وتطوير البلد. ولا تقف لا عند مرحلة الاستعمار وذهنيتها وروابطها ولا عند المرحلة القومية والدولة الوطنية والقطرية، بل ما بعد وما فوق وما أبعد من الاستعمار والقطريات والقوميات والمذهبيات إلى ثنائيات وتعدديات إقتصادية وأمنية وعسكرية وحضارية واستراتيجية شاملة في الأطر والمنظمات والمجالس الإقليمية والدولية الموجودة المستحدثة والآتية في آفاق تكاملية وتعاونية أو اندماجية تكتلية أو أي صيغة تحررية متفق عليها تصلح لافتتاح مشروع كومنولث الجمهوريات المقاومة المتحدة الذي نتحدث عنه اعماراً واستثماراً واستمرار، تهذيباً وترشيداً وتقريباً وعلى قاعدة السيادة والقيادة والريادة ووعياً بالمتغيرات.