السلطة الفلسطينية ترضخ للضغوط على حقوق الأسرى وذوي الشهداء

وتكتفي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية وحكومتها ببيانات الشجب والاستنكار ضد إجراءات الاحتلال الإسرائيلي، وإصرارها على دفع رواتب الأسرى رغم اقتطاع سلطات الاحتلال مُخصّصاتهم من عوائد الضرائب الفلسطينية وتفعل النقيض.

الرضوخ لضغوط إسرائيل وواشنطن يضع النضال الفلسطيني في مصاف "الإرهاب" ويُحرّر الإرهاب الصهيوني من مسؤوليته عن نكبة الفلسطينيين.

يتساءل المراقبون عما إذا كانت السلطة الفلسطينية قد بدأت بالرضوخ للضغوط الأميركية في قطع رواتب عائلات الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي ورواتب المُحرّرين، بعد عام ونيف من فرضها إجراءات عقابية ضد قطاع غزّة، طالت الموظفين العموميين.

إذ تؤكّد إحصائيات رسمية أن عدد الأسرى الذين قطعت السلطة الفلسطينية رواتبهم منذ بداية العام الجاري تجاوز 400 أسير، بالإضافة إلى نحو 2000 من ذوي الأسرى في قطاع غزّة.

ولم تكتف السلطة الفلسطينية بقطع وخفض رواتب ومُخصّصات عدد كبير من الأسرى والمُحرّرين في قطاع غزّة، بل تخطّت ذلك بقطع رواتب الأسرى المُبعدين من الضفة الفلسطينية إلى القطاع.

يُذكر أن الكنيست الإسرائيلي كان قد صادق في أيار/ مايو الماضي بالقراءتين الثانية والثالثة على قرار خصم فاتورة رواتب الأسرى والشهداء من أموال المقاصّة التي تحوّلها للسلطة، والتي تقدّر بـ 300 مليون دولار سنوياً. كما صادق الكونغرس الأميركي على قانون "تايلور فورس" في آذار/ مارس الماضي الذي يمنع وزارة الخارجية الأميركية من تحويل مساعدات للسلطة الفلسطينية، طالما تُقدّم السلطة مُخصّصات لعائلات الشهداء والأسرى.

وحذت الحكومة الأسترالية في 29 أيار/ مايو الماضي حذو الولايات المتحدة وإسرائيل بوقف المساعدات المالية للسلطة بدعوى "الخشية من استخدامها لصالح الفلسطينيين المُدانين بالعنف".

تجريم النضال الفلسطيني

إسرائيل تسعى من وراء سياسة وقف رواتب الأسرى والمُحرّرين لتجريم مفهوم النضال الفلسطيني

وكان المبعوث الأميركي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات قد قدّم تسعة شروط لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في عام 2017 للعودة للمفاوضات، ومن ضمنها وقف رواتب الأسرى والمُحرّرين وعائلاتهم، أرفقت بقائمة اشتملت على أكثر من 600 إسم ممّن يصفهم الاحتلال بأنّ "أيديهم مُلطّخة بدماء إسرائيليّين".

وبات واضحاً للرأي العام أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تسعى من وراء سياسة وقف رواتب الأسرى والمُحرّرين لتجريم مفهوم النضال الفلسطيني وصبغه بصبغة "الارهاب"، أي محاكمة التاريخ الكفاحي ومسيرة الثورة الوطنية وتحويلها لإرهاب وإجرام خالية من الأهداف الإنسانية والوطنية، وتحويل الأعمال الإرهابية للعصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين إلى "نضالات" مشروعة، تُجيزها القوانين الدولية.

إضراب .. واعتصام

المئات من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال أعلنوا في 18 تموز/يوليو وبتوافق وإجماع الفصائل الفلسطينية داخل السجون، إضراباً مفتوحاً عن الطعام رفضاً لوقف السلطة رواتبهم ومستحقّات عوائلهم واقتطاع ما يزيد عن 50% من مُخصّصات عدد كبير منهم.

ويشهد قطاع غزّة عدداً من الوقفات والاعتصامات والمؤتمرات الاحتجاجية الرافضة لحجب السلطة الفلسطينية رواتب الأسرى. وفي هذا السياق نظّم عدد من أهالي الأسرى داخل سجون الاحتلال في 23 تموز/يوليو وقفة أمام مقرّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة غزّة.

وأوضحت الحركة الأسيرة في بيان لها بشأن قطع السلطة لرواتب أسرى غزّة، أنه "من هذه اللحظة سيصرخ الأسرى بأمعائهم عبر خوض إضراب تصاعُدي مفتوح عن الطعام"، وقالت: "إننا في الحركة الأسيرة لن نطيل الكلام بل نريد قراراً واضحاً لإعادة ما تم السطو عليه من مستحقّات عوائلنا".

وأضافت إن "عدم ردّها يعني أننا مُجبرون بالدفاع عن حقوق عوائلنا، ونجد أنفسنا مُضطرين لانتزاع حقنا بالقوّة كما كنا ننتزعه من السجّان، وليسجّل التاريخ أن الجنود في مقدّمة الخطوط قد أضربوا عن الطعام لأن مَن في موقع القيادة والمسؤولية عنهم اعتدى على حقوق وقوت عوائلهم بدلاً من رعايتها وحمايتها".

إلى ذلك، أدان رئيس هيئة شؤون الأسرى والمُحرّرين، عيسى قراقع، سياسة السلطة بقطع مُخصّصات الأسرى داخل السجون، مُضيفاً أنه "لأمر مؤسف أن يصل الأسرى إلى وضعٍ يضطرون فيه للإضراب عن الطعام من أجل حق منصوص عليه في القانون".

وقال رئيس جمعية "حسام" للأسرى والمُحرّرين، موفّق حميد إن "الوصول إلى قطع رواتب الأسرى، منحى خطير في سياسات السلطة الفلسطينية"، مؤكّداً على أن راتب الأسير داخل السجون الإسرائيلية بمثابة خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه.

 

مطالب مُحقّة

وطبقاً للرأي العام السائد فإن من المؤسف أن يخوض الأسرى إضرابهم المفتوح عن الطعام لانتزاع حقوقهم المالية المُصادَرة من السلطة الفلسطينية والمكفولة في المادة رقم 35 في القانون الأساسي الفلسطيني، والمادة السابعة من قانون الأسرى رقم 19 لعام 2004، في الوقت الذي يخوض فيه هؤلاء معركتهم البطولية في انتزاع حقوقهم ومطالبهم المُحقّة من إدارات السجون الإسرائيلية، ومنها، حقّهم في الزيارة والعلاج والتعليم وإنهاء سياسة العزل الانفرادي والشبح ووقف سياسة الاعتقال الإداري.

وكانت حكومة السلطة الفلسطينية قد أوقفت في أيار/ مايو 2017 رواتب نحو 277 من الأسرى المُحرّرين في الضفة الفلسطينية وقطاع غزّة. ودفعَ القرار بعشرات المُحرّرين إلى الاعتصام وسط رام الله 14 آب/اغسطس 2017 وإعلان الإضراب عن الطعام قبل توصّلهم لاتفاق تُعيد السلطة بموجبه رواتب المُحرّرين في الضفة من دون استثناء، ورواتب الأسرى في السجون التي قُطِعت لثلاثة أشهر.

وتكتفي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية وحكومتها ببيانات الشجب والاستنكار ضد إجراءات الاحتلال الإسرائيلي، وإصرارها على دفع رواتب الأسرى رغم اقتطاع سلطات الاحتلال مُخصّصاتهم من عوائد الضرائب الفلسطينية وتفعل النقيض.

إلى ذلك، قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "أبو مازن"، في حفل تكريم كوكبة من قادة الحركة الأسيرة 23 تموز/يوليو إنه لن يسمح "بخصم أو منع الرواتب عن الشهداء والأسرى كما يحاول البعض، ولو بقي لدينا قرش واحد سنصرفه على الشهداء والأسرى وعائلاتهم".

وأضاف الرئيس عباس: "نعتبر الأسرى والشهداء أنهم كواكب ونجوم في سماء نضال الشعب الفلسطيني، وهم لهم الأولويّة في كل شيء، كل التقدير للحركة الأسيرة التي نعتبرها أنها تُعبّد الطريق لاستقلال فلسطين". لكن ما تشهده حقوق الأسرى وعائلات الشهداء في قطاع غزّة يتناقض تماماً مع ما جاء على لسان رئيس السلطة.

سبق وأن لجأت الإدارة الأميركية قبل عدّة سنوات وعبر وكالة التنمية الأميركية بأن اشترطت توقيع مؤسّسات المجتمع المدني على وثيقة "الإرهاب" مقابل الحصول على التمويل، فهل سنشهد الآن عودة لذات الأمر في ما يتعلّق بالأسرى والشهداء والجرحى! ليس فقط من الولايات المتحدة وإنما من السلطة أيضاً؟.