الجبهة الديمقراطية في صُلب الحركة الوطنية الفلسطينية لإسقاط صفقة القرن

لا تزال الجبهة الديمقراطية تلعب دوراً طليعياً في مواجهة "صفقة القرن"، وصوغ المبادرات الوطنية واحدة تلو الأخرى لإسقاط الانقسام وتداعياته الخطيرة على القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، وتناضل لرفع العقوبات والحصار عن قطاع غزّة وتمكين حكومة السلطة الفلسطينية لتحمّل مسؤولياتها وواجباتها كاملة أمام شعبنا الغارِق في أزماته الاقتصادية والاجتماعية، بإيجاد حلول لمُعضلات الكهرباء والمياه والبنية التحتية، والفقر والبطالة، وهجرة الشباب عبر مراكب الموت، وتوفير العيش الكريم والعدالة الاجتماعية والكرامة، وإطلاق الحريات العامة والديمقراطية وتجريم الاعتقال السياسي وتحريم المُناكفات السياسية والإعلامية، وإيجاد حلول لمشاكل الموظّفين بما يضمن لهم الأمن الوظيفي ووقف سياسة قطع الرواتب والتقاعد المُبكر.

العيد التاسع والأربعين للانطلاقة المجيدة للجبهة الديمقراطية

تعبُر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في 22 من شباط / فبراير الحالي، بزخم، إلى يوبيلها الذهبي في خمسينيتها الأولى، في ظل استحقاقات سياسية شتّى على كافة المستويات في معارك الدفاع عن سياسة السلاح وسلاح السياسة، لمواجهة الاستعصاءات الكبرى التي تستهدف تصفية المسألة الفلسطينية وتسييد إسرائيل في حلف إقليمي وتدمير مستقبل الشعوب العربية ومصالحها الوطنية، ونهب ثرواتها وشقّ الطريق نحو "صفقة القرن" أمام قرارات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإسقاط حق العودة للاجئين من دون أي اهتمام بالمآسي التي حلّت بالفلسطينيين في غضون سبعة عقود.

الإدارة الأميركية شطبت بجرّة قلم حقوق الشعب الفلسطيني الذي ناضل ويناضل منذ نكبته الأولى في عام 1948، وعاش أشكالاً من المآسي ومُعاناة التشريد والنزوح والتشتيت، وقدّم دماء مئات آلاف الشهداء وقوداً لتُشعل لهيب الثورة والانتفاضة في وجه الاستعمار الجديد، في مواجهة استحقاقات اتفاق أوسلو اللعينة التي لا تقلّ عن جدار ترامب العنصري في إسقاط حقوق الشعب الفلسطيني، لا سيما وأن فريق أوسلو بخياراته الانفرادية والتفرّدية ما زال يُراهن على إمكانية احتلال موقع في المشروع الأميركي الجديد "صفعة العصر"، يحفظ له ما راكمه من مصالح وامتيازات مالية واقتصادية واجتماعية وسياسية فئوية وانقسامية على حساب المصلحة الوطنية العليا، من دون التعلّم من تجارب الماضي وثورات الشعوب، رغم اعتراف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أكثر من مرة، أنه رئيس "لدولة بلا سيادة"، ورئيس "لسلطة بلا سلطة" والاحتلال الإسرائيلي الذي أعفته اتفاقيات أوسلو من كلفة الاحتلال أصبح "الأرخص في العالم".

الشعب الفلسطيني يقف اليوم أمام مفترق طرق في عام نكبته السبعين وابنتها النكسة التي تجاوزت عامها الخمسين، وصنعت حلقة جديدة من الصراع الاستعماري على الأرض والحقوق الوطنية الفلسطينية، وحفيدها الانقسام البغيض الذي ينهي عامه العاشر ويقف حجر عثرة في وجه إنجازات الشعب الفلسطيني المُعمّدة بدماء شهداء الثورة والوطن، ليُسقط غزّة في وحل الأزمات الحياتية والمعيشية والصراع على السلطة بين حركتيّ فتح وحماس.

اتفاق أوسلو استعاض عن البرنامج المرحلي (النقاط العشر) -الذي طرحته الجبهة الديمقراطية عام 1973، برنامج الإجماع الوطني واعتمدته دورة المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974-، فكان "أوسلو" هو الخيار الأسوأ فلسطينياً، حيث أسقط خيار الانتفاضة الشعبية ضد الاحتلال، واعترف بحق إسرائيل في الوجود بأمن وسلام من دون اعتراف إسرائيلي مُتبادَل بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بل وحذا نحو برنامج الحلول الجزئية الذي حوّل الضفة الفلسطينية والقدس وقطاع غزّة من أراضٍ محتلة بحكم قرارات الشرعية الدولية إلى أراضٍ مُتنازَع عليها يُضفي لإسرائيل الحق في نهب الأرض وتكثيف الاستيطان وتوسيعه وتهويد القدس، بل وأجلّ فريق أوسلو ملفات (القدس، اللاجئون، المستوطنات، المياه، المصير النهائي للضفة وغزّة...)، التي تمثّل جوهر القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، إلى مفاوضات الحل النهائي، استغلّت إسرائيل التأجيل لمُراكمة الوقائع على الأرض لغياب أيّ اتفاق يُقيّدها بتعزيز مواقعها الدولية، وتبهيت الالتزام الدولي إزاء حقوق الشعب الفلسطيني والشروع بفتح بوابات التطبيع.

وشكّلت انطلاقة الجبهة الديمقراطية منعطفاً تاريخياً بأبعاده المختلفة، لأنها الفصيل اليساري الديمقراطي الذي جاهر بيساريّته، ويضمّ في صفوفه مُناضلات ومُناضلين من العمّال والفلاحين والشبيبة والمُثقّفين وصغار الكسَبة والكادحين، ومن المرأة والشباب، من أجل التحرّر الوطني الناجِز للشعب الفلسطيني. وهي جزء أصيل من الطبقة العاملة الفلسطينية وتعمل لتوحيد العلاقة الكفاحية بين فصائلها وسائر مكوّناتها، تستند إلى تحليل فكري وسياسي مُتماسِك مُسترشِدةً بالاشتراكية العلمية كمنهج لتحليل الواقع الاجتماعي ودليل للعمل من أجل تغييره.

ولا تزال الجبهة الديمقراطية تلعب دوراً طليعياً في مواجهة "صفقة القرن"، وصوغ المبادرات الوطنية واحدة تلو الأخرى لإسقاط الانقسام وتداعياته الخطيرة على القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، وتناضل لرفع العقوبات والحصار عن قطاع غزّة وتمكين حكومة السلطة الفلسطينية لتحمّل مسؤولياتها وواجباتها كاملة أمام شعبنا الغارِق في أزماته الاقتصادية والاجتماعية، بإيجاد حلول لمُعضلات الكهرباء والمياه والبنية التحتية، والفقر والبطالة، وهجرة الشباب عبر مراكب الموت، وتوفير العيش الكريم والعدالة الاجتماعية والكرامة، وإطلاق الحريات العامة والديمقراطية وتجريم الاعتقال السياسي وتحريم المُناكفات السياسية والإعلامية، وإيجاد حلول لمشاكل الموظّفين بما يضمن لهم الأمن الوظيفي ووقف سياسة قطع الرواتب والتقاعد المُبكر.

إنها الجبهة الديمقراطية، تقف حصناً منيعاً في صون بندقية المقاومة في غرفة عمليات مشتركة ذات مرجعية سياسية موحّدة، وتدافع عن البرنامج الوطني الموحَّد والموحِّد طريق الوحدة الوطنية الشاملة الجامعة والائتلافية، طريق الانتفاضة والمقاومة وتدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، طريق دحر الاحتلال وتفكيك الاستيطان، ومجابهة صفعة العصر الأميركية، هذا الطريق الذي أعاد التأكيد عليه المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في يناير/ كانون أول 2018، بوقف المراهنة على بقايا أوسلو والبحث عن هوامش تتيح التعايش مع "صفقة القرن"، عبر إسقاط اتفاق أوسلو ووقف العمل بقيوده الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتطوير الانتفاضة وحمايتها على طريق العصيان الوطني الشامل، وتدويل القضية والحقوق الفلسطينية.

حقاً إنها الجبهة الديمقراطية، التي لم تكلّ أو تتعب على نحو خمسة عقود صانت فيها بندقية المقاومة وتسلّحت بالنضال الوطني إلى جانب البرنامج السياسي، كان شعارها على الدوام «البندقية بيد.. والبرنامج السياسي باليد الأخرى»، أمام كافة الاستحقاقات الفلسطينية، فهي التي طرحت البرنامج المرحلي (النقاط العشر)، ودافعت عن شعبنا وحقوقه الوطنية في خوض عديد العمليات النوعية والبطولية أبرزها معالوت، وصقور الدولة الفلسطينية المستقلة، وعين زيف، وشيرشوف، وطبريا، والناصرة، ولينا النابلسي، وبيسان، والقدس، لتوجّه رسالة مفادها أن البرنامج المرحلي هو برنامج الكفاح وليس الاستسلام، فالعدو لا يفهم إلا لغة القوّة.

وكرّست القوات المسلّحة الثورية الذراع العسكرية للجبهة الديمقراطية دعمها لانتفاضة الحجارة عام 1987 من الخارج عبر عملياتها البطولية أبرزها عملية الشهيد عمر القاسم، وأبو عدنان، وشهداء جباليا وجنين مع عمليات النجم الأحمر داخل الأرض المحتلة، فيما توحّدت جهود القوات المسلّحة الثورية مع كتائب المقاومة الوطنية في ضرب أهداف العدو داخل الأراضي المحتلة عام 1967 وأبرزها، عملية حصن مرغنيت، ومستوطنة يتسهار، وايتامار، وحاجز أبو هولي، ومعبريّ المنطار ورفح، والقرارة، وصوفا والطريق إلى فلسطين. وتناضل دوماً لتوطيد وحدة طبقات الشعب وقواه الوطنية في مختلف أماكن تواجده داخل فلسطين وفي أماكن اللجوء والشتات في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية على أسس تشاركية ديمقراطية، وبما يرسّخ مكانتها ودورها كممثّل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

وتنظر الجبهة الديمقراطية إلى المقاومة في الميدان بأنها شكل من أشكال النضال والكفاح لدحر الاحتلال ومستوطنيه، وتتوّج أشكال النضال الأخرى وليست بديلاً عنها، ولن تحقّق أهدافها بمعزل عن النضال الجماهيري الذي تجسّد بانتفاضة الحجارة والأقصى، وانتفاضة القدس والحرية، إضافة إلى النضال السياسي الدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي والنقابي وسوى ذلك.

وعلى هذا الطريق تواصل الجبهة الديمقراطية مسيرتها النضالية خلال خمسة عقود، قدّمت آلاف الشهداء من أعضاء مكتبها السياسي، ولجنتها المركزية القادة الأبطال، دفاعاً عن الثورة والشعب والوطن في مواجهة المشاريع البديلة واتفاق أوسلو ومشروع "صفقة القرن"، المجد كل المجد لهم، وللأسرى البواسِل الحرية كل الحرية من سجون الاحتلال، والشفاء العاجل للجرحى الميامين، والتحية لكافة مناضلات ومناضلي شعبنا في الوطن والشتات والمهاجر... عاش العيد التاسع والأربعين للانطلاقة المجيدة للجبهة الديمقراطية، عاشت الذكرى ودامت الثورة..