معادلة الحكم القادم في لبنان

تقوم معادلة الحكم القادم في لبنان على قوى سياسية أساسية، أبرزها تحالف حزب الله - حركة أمل والتيار الوطني الحر وتيار المستقبل، على أن تكون الملفات الاقتصادية هي أبرز اختبارات نجاح هذه الحكم.

اقتنع تيار المستقبل أن مصلحته بالحكم تكون مع التيار الوطني الحر قبل أي حزب مسيحي آخر

أتى انتخاب ميشال عون عام ٢٠١٦ رئيساً للجمهورية اللبنانية ليرسم معه معالم أساسية لمرحلة الحكم القادم في لبنان، معالم تظهر اليوم من خلال الاستقرار السياسي المهيمن على المشهد، بالإضافة إلى ما يُحكى عن تحالفات نيابية قادمة بين أحزاب عادة ما كانت أخصاماً لبعضها. لعلّ أبرزها هو التالي:


- في الصراع الاستراتيجي، يبدو أن الجميع وافق على عدم تحويل لبنان إلى ساحة حرب إقليمية ودولية. القناعة هذه تعززت بعدما صمد النظام في سوريا وتبيّن أن كل حرب على حزب الله في الداخل لن تؤدي إلا إلى زعزعة الوضع اللبناني من دون أن تؤثر على اللعبة الإقليمية. ثم حُسمت هذه القناعة نهائياً بعد فشل المغامرة السعودية عندما تم احتجاز الحريري في الرياض، حينما أراد بن سلمان ضرب حزب الله في الداخل ووجد أن هذه اللعبة ليس لها جمهور حقيقي في بيروت. برز حينها بشكل واضح تضامن التيار الوطني الحر مع الحريري، فيما ألقى الأخير بتصريح بعد أيام من عودته من السعودية اعتبر فيه أن سلاح حزب الله لا يُستخدم في الداخل.


- اقتنع تيّار المستقبل أن مصلحته بالحكم تكون مع التيار الوطني الحر قبل أي حزب مسيحي آخر، بسبب تمثيله الكبير في الشارع المسيحي وقدرته على توفير الغطاء السياسي اللازم لأية حكومة يرأسها الحريري، وبطبيعة الحال فإن التيار ملتزم بتسمية الحريري رئيساً للحكومة طالما أن الأخير يوافق على مرشح التيار لرئاسة الجمهورية. آخر مظاهر هذه القناعة كانت عدم تخصيص كراسي لممثل حزب الكتائب ورئيس حركة الاستقلال ميشال معوّض والإعلامية مي الشدياق في احتفال إحياء ذكر اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.


- هذان الحزبان، التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، يريدان اليوم العمل على ملفّات اقتصادية والنجاح فيها، ليُثبتا أن المعادلة التي توصّلا إليها هي معادلة ناجحة للحكم، وبالتالي هما المؤهلان لمسك الدفة الاقتصادية للبلاد في الفترة القادمة. هذا ما يُستشَفُّ من خلال طرح الحريري شعارات اقتصادية هامة، وتركيز التيار الوطني الحر على قضايا مهمة في نفس السياق، كقضية البترول والغاز.


بناء على ما سبق، لعلَّ من الطبيعي جداً رؤية لوائح انتخابية في الانتخابات المقبلة تضم تحالفاً بين التيارين، تعزز العلاقة المشتركة، وتساعد على الحد من الخروقات في العديد من المناطق، خاصة تلك التي يُتوقّع فيها أن يخسر الحريري عدداً من المقاعد النيابية التي يسيطر عليها الآن.
فلا التيار الوطني الحر، ولا حزب الله بمكان ما، سيكونان سعيدين برؤية كتلة سنية كبيرة يرأسها الوزير السابق أشرف ريفي أو رئيس الوزراء السابق نجيب الميقاتي، ذلك أن الحريري هو المتعهّد الرئيس لاستمرار التسوية والهدوء على الساحة السياسية.


معادلة الحكم القادم تقوم على حلقة واضحة، تماماً كما هي الآن مجسّدة في الحكومة الحالية: التيار الوطني الحر وتيار المستقبل يتحالفان انتخابياً كما في إدارة الملفات الاقتصادية. التيار الوطني الحر يحصل على دعم حزب الله لإرساء السياسات الداخلية المناسبة شرط مراعاة رئيس مجلس النواب نبيه بري. هكذا يتشكّل شبه تحالف رباعي جديد، قوامه التياران وتحالف حزب الله - حركة أمل، ومن المرجّح أن يستمر هذا الوضع حتى تنجح قوى جديدة بخرق الطبقة السياسية الحالية جدياً من خلال النسبية التي ستقوم عليها قوانين الانتخابات القادمة.