هل ينجح البحث عن استراتيجية فلسطينية جديدة؟

إن القيادة الرسمية الفلسطينية لم تعِ قواعد اللعبة جيداً في مواجهة الاستعصاءات الكبرى سواء بتغييبها لعناصر القوة الفلسطينية واكتفائها بمسار المفاوضات لقرابة ربع قرن لحلّ القضية الفلسطينية التي استغلتها إسرائيل بمزيد من الاستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي وسياسات القتل والاعتقال والإبعاد، بل ومارس الفريق الفلسطيني المفاوض سياسة المراوغة والتضليل والهرولة نحو مفاوضات هزيلة لا تستند لقرارات الشرعية الدولية، واتبع سياسة انتظارية لمشاريع أميركية جديدة رغم رسائل بوش الإبن إلى شارون في عام 2004 أن أية دولة فلسطينية لن تضمن عودة للاجئين ولن تكون على حدود 1967.

القيادة الرسمية الفلسطينية لم تعِ قواعد اللعبة جيداً في مواجهة الاستعصاءات الكبرى

 

قرار واشنطن كشف انحيازها الكامل لإسرائيل وعدم صلاحيتها للوساطة في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكنه لم يحرّك بعد المياه الراكدة للقيادة الرسمية الفلسطينية التي لا زالت تقف موقف المتفرّج والاكتفاء بلغة الإدانات والشجب من دون اتخاذ أية خطوات عملية لإسقاط صفقة القرن ومجابهة السياسات العدوانية الإسرائيلية والأميركية معاً.

الوقائع الميدانية على الأرض تظهر أن واشنطن وتل أبيب تسابقان الزمن في تنسيق الأدوار، لتؤكّد أن صفقة القرن لم تمت بل بدأت تتكشّف معالمها خطوة بخطوة، من العناصر الأكثر صعوبة نحو الأقل إلى أن تكتمل صورتها العملية وتدفع الإدارة الأميركية بتنفيذها نحو فرض واقع جديد للقضية الوطنية الفلسطينية وللمنطقة والإقليم بشكل كامل، لتفتح الطريق أمام إسرائيل لتحقيق مشروعها السياسي مع توفير كافة أشكال الدعم الأميركي له، بل وتواصل الضغط على الفلسطينيين وابتزازهم لتقديم تنازلات كبيرة لإنجاح عملية التسوية من دون القدس عاصمة لفلسطين ومن دون حدود الرابع من حزيران 1967 ومن دون عودة اللاجئين بموجب القرار 194.

أولى خطوات صفقة القرن هي الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، ستتبعها خطوات أخرى مثل الاعتراف بضمّ المستوطنات في الضفة الفلسطينية المحتلة والأغوار إلى إسرائيل، والترتيبات الأمنية وإعادة رسم الضفة الفلسطينية بين مناطق "أ" و"ب" وضمّ منطقة "ج" التي تشكّل 62% من مساحة الضفة، ليجد الطرف الفلسطيني المفاوض أنه أمام اتفاق حل نهائي لا يضمن له أكثر من حكم ذاتي تحت سيطرة أمنية إسرائيلية، وهذا ما حصل في تصويت حزب الليكود على مشروع قرار يلزم بفرض السيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الفلسطينية وغور الأردن، وتصويت الكنيست على قانون "القدس الموحّدة"، وقانون سحب الإقامة الدائمة ممن يخرق الولاء لدولة الاحتلال من سكان القدس والجولان، يتبعه فحص مشاريع القوانين قبيل المصادقة عليها بالقراءتين الثانية والثالثة بما يتلاءم مع القوانين الإسرائيلية لتطبيقها في الأراضي الفلسطينية المحتلة ما يعني سريان القوانين الإسرائيلية تحت حماية قوات الاحتلال ومشاركتها في تطبيق تلك القوانين بالقوة.

إن القيادة الرسمية الفلسطينية لم تعِ قواعد اللعبة جيداً في مواجهة الاستعصاءات الكبرى سواء بتغييبها لعناصر القوة الفلسطينية واكتفائها بمسار المفاوضات لقرابة ربع قرن لحلّ القضية الفلسطينية التي استغلتها إسرائيل بمزيد من الاستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي وسياسات القتل والاعتقال والإبعاد، بل ومارس الفريق الفلسطيني المفاوض سياسة المراوغة والتضليل والهرولة نحو مفاوضات هزيلة لا تستند لقرارات الشرعية الدولية، واتبع سياسة انتظارية لمشاريع أميركية جديدة رغم رسائل بوش الإبن إلى شارون في عام 2004 أن أية دولة فلسطينية لن تضمن عودة للاجئين ولن تكون على حدود 1967.

الحركة الوطنية ومعها الجماهير الفلسطينية تتقدّم في النضوج على القيادة الرسمية الفلسطينية في القضايا الوطنية وعلى الأنظمة العربية والإسلامية في إشعال لهيب انتفاضة القدس والحرية في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي الداخل الفلسطيني المحتل، والدفع في تحريك الشارعين العربي والإسلامي وكافة أحرار العالم في تظاهرات ضخمة وفي العديد من العواصم والمدن الكبرى في العالم، في حين ما زالت مخرجات مجلس وزراء خارجية الدول العربية، وقمّة إسطنبول الإسلامية، حبراً على ورق.

إن الوقوف في وجه تلك الاستعصاءات الكبرى، يتطلّب من القيادة الرسمية الفلسطينية، العودة لقرارات المجلس المركزي في دورة انعقاده الأخيرة أي قبل عامين والى قرارات اللجنة التنفيذية، واحترامها وتطويرها بهدف إقرارها في المجلس المركزي القادم ووضع آليات تنفيذها على قاعدة فكّ الارتباط باتفاق أوسلو وقيوده السياسية والأمنية والاقتصادية، إضافة إلى وقف التطبيع الشعبي والرسمي العربي والإسلامي مع إسرائيل ووقف الدعوات لزيارة فلسطين أو نقل السفارات العربية والإسلامية إلى القدس الواقعة تحت الاحتلال، والتقدّم نحو طلب العضوية العاملة لدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت بند «متّحدون من أجل السلام»، والدعوة لمؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة والدول الخمس دائمة العضوية بموجب قرارات الشرعية الدولية ، وبما يكفل حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال والعودة.

لا يكفي عقد اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني، بل على القيادة الرسمية الفلسطينية دعوة اللجنة العليا لتفعيل وتطوير م.ت.ف، لرسم ملامح الاستراتيجية الفلسطينية الجديدة التي تضمن إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية، وفق برنامج المقاومة والانتفاضة في الميدان وتطويرها نحو انتفاضة ومقاومة شعبية شاملة تحت مظلة سياسية على طريق إعلان العصيان الوطني الشامل، وتدويل القضية والحقوق الوطنية في المحافل الدولية، وعلى أسس تشاركية بعيداً عن سياسة التفرّد بالقرار وسياسة تهميش الهيئات الوطنية، لمجابهة الاحتلال وإسقاط صفقة القرن.

القيادة الرسمية الفلسطينية تتجه إلى تفعيل الفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية، وتفعيل الشكاوى في محكمة الجنايات الدولية ضد جرائم الحرب الإسرائيلية، والتوقيع على طلبات الانضمام بجميع المنظمات والوكالات التابعة للأمم المتحدة، والمطالبة بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني في دولة فلسطين تحت الاحتلال، لنزع الشرعية عن الاحتلال وتعميق عزلة إسرائيل والإدارة الأميركية.