أميركا.. كل الدروب تؤدّي إلى الهزيمة

إذا استبعدنا المواجهات العسكرية المباشرة ، فإن المواجهات غير المباشرة هي التي تطفو على السطح والمرشّحة، وستكون من خلال حروب الوكالة المفتوحة حالياً في أكثر من جبهة في سوريا والعراق واليمن، للضغط على إيران، ومن خلال استثمار الورقة الكردية والاستثمار المستمر للإرهاب الدولي عبر داعش والنصرة، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

الولايات المتحدة فقدت القدرة على شنّ حروب حتى إشعار آخر

 داعش في سوريا والعراق إلى زوال ، والورقة الكردية لتقسيم العراق بعد الاستفتاء سقطت ، وفشل تقرير المصير المدعوم أميركياً بعد النصر الاستراتيجي للجيش العراقي ودخوله إلى كركوك، وسقوط أوهام البرزاني بالانفصال ومعه مشروع التقسيم الذي كانت بدايته من المشرق العربي في العراق، كفشل مشروع ما سُمّي بالربيع العربي من المغرب العربي، ليحظوا بجائزتهم الكبرى في تحقيق أحلامهم الطوباوية ومشاريعهم في سوريا التي تحطمّت وتكسّرت على صخرتها كل أمواج العدوان ومشاريعه وامتداداته.

كتبتُ في مقال سابق نُشِر بتاريخ  22-4-2015 عند التوقيع الأوّلي بين إيران والدول الكبرى 1+5 ما مفاده أن الاتفاق النووي الموقّع مع إيران يشبه كثيراً الاتفاق الذي وُقّع مع كوريا الشمالية عام 1994، والذي انهار عام 2002 ، ومضت كوريا الشمالية نحو طريقها لامتلاك ترسانة نووية كبيرة ، هذا يستدعي من الإدارة الأميركية أن تأخذ العِبَر وتستفيد من دروس سابقة في طريقة تعاملها مع إيران ، الذي حصل أن الإدارة الأميركية وقّعت الاتفاق واستفادت من دروس الماضي رغماً عن كل محاولات العدو الصهيوني بحربته بني سعود لعدم الوصول إلى هذا الإنجاز التاريخي.

اليوم يخرج إلينا الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخطاب تصدّر الصحف، ويتنبّأ بمرحلة جديدة عنوانها تصعيد غير مسبوق، استهدف فيه الاتفاق النووي وأحاله إلى الكونغرس لتمديد العقوبات، وإعطاء الحق لنفسه بالانسحاب من الاتفاق وإحالة ملف الحرس الثوري إلى وزارة الخزانة، لاتّخاذ إجراءات بحقه تحت عنوان مكافحة الإرهاب. السؤال المطروح اليوم، ما هي أهداف هذا التصعيد؟ وما هي مخرجاته؟.

 باعتقادي أن الاستهداف هو محاولة من الإدارة الأميركية إقناع الإيرانيين لإعادة ملف التفاوض لفرض شروط جديدة لابتزاز الجانب الإيراني، لكن الردّ الإيراني جاء سريعاً وقوياً على لسان رئيس الجمهورية حسن روحاني بالقول :إن لم يحقّق الاتفاق النووي مصالحنا فسنرد عليه بقوة ولا يمكن إضافة أي بند أو أي ملاحظة أخرى إليه، أما مخرجاته باعتقادي لن تصل إلى الصِدام المباشر، لأسباب مُحدّدة منها أن الولايات المتحدة الأميركية ليست جاهزة لإعلان الحرب، وعدم وجود حلفاء لها على المستوى الدولي، والخلافات الداخلية التي تعاني منها الإدارة الأميركية، بعبارة موجزة أن الرئيس الأميركي مقيّد من أكثر من جهة، لكن تصريحاته اللامسؤولة أوصلت الأمور إلى حافة الهاوية، وكل دروبه لن تفضي إلا إلى الهزيمة.

وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريال قال: إن برلين وباريس ولندن تدعو واشنطن إلى الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران، مؤكّداً أن طهران ملتزمة بشروط الاتفاق، ومن جهته أكّد رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوكبا أمانو أن إيران تحترم التزاماتها بالاتفاق النووي. بدورها وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، نشرت على حسابها فيديو يؤكّد أن الاتحاد سيتابع العمل على ضمان استمرار الاتفاق النووي الإيراني لأنه يجعل العالم أكثر أماناً، بينما اعتبر وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري قرار ترامب بشأن الاتفاق النووي قراراً خطيراً مُعتبراً أن الرئيس الأميركي يخلق أزمة دولية بسلوكه. الرئيس بوتين أكّد أهمية الاتفاق عادّاً خروج واشنطن من هذه الصفقة سيؤدّي إلى آثار سلبية .

أما حلفاء أميركا الاقليمين بدءاً من العدو الصهيوني وممالك ومشيخات الخليج فهؤلاء الحلفاء لا تستطيع الإدارة الأميركية الاعتماد عليهم بقراري الحرب والسلم لأن الحرب فاتورتها كبيرة وتطول، وليست مالاً فقط، الحرب جيوش ومعدات وخسائر بشرية فالمشاهد أمامنا ماثِلة حتى الآن،  انتصار المقاومة في لبنان 2006، وكذلك لم يستطع بنو سعود حسم المعارك في اليمن بعد ثلاث سنوات من الحرب الظالمة على هذا الشعب المقهور، أما أميركا فعجزها واضح، وغير مستعدّة لخوض أية حرب بعد خسائرها وهزيمتها في أفغانستان والعراق والنفقات العسكرية والأمنية الكبيرة في الداخل الأميركي وخارجه.

يقول هنري كسنجر في كتابه النظام العالمي: (إن الولايات المتحدة فقدت القدرة على شنّ حروب حتى إشعار آخر)، وهنا نسأل؟ هؤلاء الذين يدعمون ترامب باستراتيجيته الجديدة، العدو الصهيوني، والمملكة الوهّابية والإمارات والبحرين، هل يستطيع ترامب بهكذا حلفاء اقليمين إعلان حال حرب؟ وعلى دولة مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟

ومما أضعف الموقف الأميركي القرارات التي اتّخذها ترامب والتي كشفت عدم المصداقية والكذب، وافتقارها للخبرة والكفاءة وتجسيدها للشخصية والنرجسية من دون إدراك للنتائج ومخرجات هذه المواقف، لجهة الانسحاب من اتفاقية المناخ والتجارة عبر الأطلسي واتفاقية ((نافتا)) للتجارة مع كندا والمكسيك والتصعيد السياسي مع كوريا الشمالية وكوبا والتدخّل بالشؤون الداخلية لفنزويلا. عسكرياً تم نشر العديد من الوحدات العسكرية البرية والبحرية والجوية ممثّلة بالدرع الصاروخية في بحر البلطيق، وبولندا لاستهداف الاتحاد الروسي.

إذا استبعدنا المواجهات العسكرية المباشرة، فإن المواجهات غير المباشرة هي التي تطفو على السطح  والمرشّحة، وستكون من خلال حروب الوكالة المفتوحة حالياً في أكثر من جبهة في سوريا والعراق واليمن، للضغط على إيران، ومن خلال استثمار الورقة الكردية والاستثمار المستمر للإرهاب الدولي عبر داعش والنصرة، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، فداعش في سوريا والعراق إلى زوال ، والورقة الكردية لتقسيم العراق بعد الاستفتاء سقطت ، وفشل تقرير المصير المدعوم أميركياً بعد النصر الاستراتيجي للجيش العراقي ودخوله إلى كركوك، وسقوط أوهام البرزاني بالانفصال ومعه مشروع التقسيم الذي كانت بدايته من المشرق العربي في العراق، كفشل مشروع ما سُمّي بالربيع العربي من المغرب العربي، ليحظوا بجائزتهم الكبرى في تحقيق أحلامهم الطوباوية ومشاريعهم في سوريا التي تحطمّت وتكسّرت على صخرتها كل أمواج العدوان ومشاريعه وامتداداته .