دول الخليج بدأت بدفع أقساط حمايتها لترامب

بداية الغيث السعودي كانت قطرة قيمتها 495 مليوناً ثمن صفقة ذخيرة لتُستعمل في حرب اليمن كان أوباما قد أوقف تسليمها للسعودية في نهاية العام الماضي احتجاجاً على قتل التحالف السعودي للمدنيين اليمنيين. لكن ترامب الذي لا يهمّه إلا دعم الاقتصاد الأميركي وافق على تمريرها وهو يعلم عِلم اليقين إلى أين ستذهب وكيف ستُستخدم.

استقبل ترامب وليّ وليّ العهد السعودي بحفاوة يمكن تسميتها بحفاوة إدفع إدفع
زيارة وليّ وليّ العهد السعودي لواشنطن كانت ناجحة بكل المقاييس.. الترامبيّة.. ، ويمكن اعتبارها تطبيقاً أوليّاً لسياسة ترامب الخليجية التي أعلنها خلال حملته الإنتخابيّة، وأكّدها بعد انتخابه بأسبوعين، ولخّصها بالقول " سنلزمهم على دفع تريليون دولار" لمساعدة منكوبي الحروب التي تورّطوا فيها في سوريا واليمن ومقابل حماية أميركا لهم .

استقبل ترامب وليّ وليّ العهد السعودي بحفاوة تليق بالحكّام العرب وخاصة الخليجيين منهم يمكن تسميتها ... بحفاوة إدفع إدفع ... مقابل سراب وخداع أميركي . فقد ذكرت صحيفة اليوم السعودية الصادرة يوم الخميس 16-3-2017 أن الأمير لقيَ اهتماماً خاصّاً من ترامب وإدارته خلال زيارته لأميركا وإن اللّقاء في البيت الأبيض "أظهر توافقاً وانسجاماً كبيرين بين الرئيس الأميركي وسموّ وليّ وليّ العهد، تمثّل في حماس ترامب لسماع كافة تفاصيل وأفكار وتطلّعات المملكة، واستدعائه عدداً من المسؤولين الأميركيين لإطلاعهم على طرح سموّ وليّ وليّ العهد، كما استدعى الرئيس الأميركي المصوّرين الصحفيين للتصوير، رغم أن بروتوكول اللقاء لم يتضمن حضورهم، كما أقام حفل غداء تكريماً لسموّ وليّ وليّ العهد في الجناح الشرقي والصالة العائلية للبيت الأبيض في إشارة إلى التقارُب الكبير بينهما". كل هذا التوافق بين الشخصيتين تم خلال اجتماع لم يستغرق أكثر من ساعة!؟

ترامب اهتم اهتماماً خاصّاً بالأمير وأكرمه على الطريقة العربيّة... ليبتزّه...  ويحصل منه على ما يريد ونجح في ذلك. الرجل لا يؤمن بالخلط بين الصداقات وقراراته السياسية خاصّة ما يتعلّق منها بالعالم العربي وثروات الخليج! إنه رجل عملي يُفكّر في حل مشاكل بلاده الاقتصادية، ويريد تعزيز دورها الدولي كقوّة عُظمى.

الإعلام السعودي ركّزعلى حفاوة الاستقبال وأهمية التعاون بين البلدين "لمواجهة الخطر الإيراني"، ولم يذكر أن الأمير برّأ ترامب من عنصريّته ضدّ المسلمين عندما وصفه بأنه  "صديق حقيقي للمسلمين". وبقول سموّه إنه "يعتقد أن قانون حظر هجرة مواطني 6 دول إسلامية لا يستهدف الدين الإسلامي"، وكذلك تجاهل الإعلام السعودي تفاصيل الاتفاقات والمبالغ الضخمة التي ستدفعها السعودية.. إرضاء.. لترامب ودعماً لإدارته.

بداية الغيث السعودي كانت قطرة قيمتها 495 مليوناً ثمن صفقة ذخيرة لتُستعمل في حرب اليمن كان أوباما قد أوقف تسليمها للسعودية في نهاية العام الماضي احتجاجاً على قتل التحالف السعودي للمدنيين اليمنيين. لكن ترامب الذي لا يهمّه إلا دعم الاقتصاد الأميركي وافق على تمريرها وهو يعلم عِلم اليقين إلى أين ستذهب وكيف ستُستخدم.

لكن الأهم هو الاتفاق على صفقة ضخمة جديدة تدفع السعودية بموجبها 200 مليار دولار فقط لا غير خلال الأربع سنوات القادمة أي خلال فترة رئاسة ترامب، لدعم الاقتصاد الأميركي. فقد صدر بيان عن البيت الأبيض يوم الأربعاء الموافق 15-3-2017 جاء فيه أن ترامب والأمير "اتّفقا على برنامج استثمار أميركي مع المملكة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والصناعة والتكنولوجيا خلال السنوات الأربع القادمة" سيكّلف السعوديّة 200 مليار دولار. وأكّد الطرفان على شراكة استراتيجية قوية وواسعة ودائمة مبنية على المصالح المشتركة بين.. البلدين.. !

المستفيد الأول والأخير من هذه الصفقة سيكون الطرف الأميركي. إن كلّ ما ستحصل عليه السعودية سيكون تقنية أميركية استهلاكية لاعلاقة لها ببناء صناعات فيها أو تطويرها، وأسلحة ستُستخدم في إشعال المزيد من الحروب العربية–العربية، وعقود مع شركات أميركية بعشرات المليارات تساهم في خلق وظائف جديدة في أميركا، وتخفّف العجز الهائل في ميزانيّتها .

أما أهم المشاكل السياسية التي بحثها الطرفان فكانت مواجهة إيران، والتنسيق بين الدولتين في التعامل مع حروب اليمن وسوريا، وحماية عروش مشايخ الخليج. القضية الفلسطينية ليست من ضمن القضايا المُلحّة الحاليّة كما يعتقد حكّام الخليج وغيرهم من الحكّام العرب، ولهذا فإن اللقاء السعودي الأميركي لم يتطرّق إلى الحل السلمي، أو حتى لتخفيف الضغوط الإسرائيلية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني.   

200 مليار دولار دفعة خليجيّة أولى من السعودية وسوف يأتي باقي شيوخ الخليج إلى واشنطن ليعلنوا ولاءهم للإدارة الجديدة، ويدفعوا أقساط حمايتهم كما دفعت السعودية، وسيحصل ترامب على...التريليون... دولار التي قال إنه سيلزمهم على دفعها. الرجل يفهم لغة الأرقام جيّداً، ويعرف إمكانيّات الشيوخ وأرصدتهم في أميركا، ويعرف كيف يستغلّهم ولن يتردّد في ذلك.

الشيء الذي لا يدركه حكّام الخليج أن السياسة الأميركية تقوم على أساس الفلسفة الواقعيّة النفعيّة... Pragmatism   التي لا تؤمن بشي إسمه أخلاق ومبادىء وعلاقات خاصة بين ترامب وأصحاب الجلالة والسموّ والفخامة العرب!  إنها تتغيّر حسب المُعطيات الاقليميّة والدوليّة، وبناء على ما تتطلّبه مصالح الولايات المتحدة. ولهذا فإن أميركا لن تحميهم لا من إيران ولا من غيرها، ولن تتردّد في التآمرعليهم والخلاص منهم إذا كان ذلك يخدم مصالحها، وإن مئات المليارات التي سيدفعوها لها لن تجلب لهم وللأمّة العربيّة إلا المزيد من الفقر والشرذمة والضياع!