مقاييس زيارة عمّار الحكيم الناجحة إلى مصر

كل هذا يعني أن الرئيس يقف بجوار العراق من أجل وحدة العراق، وهو الهدف الأساسي لزيارة الحكيم، وأن هدف الدولتين واحد في محاربة الإرهاب، ومعنى ذلك أيضاً أن مصر رأت في مُبادرة السيّد عمّار ما يستحقّ الترحيب به والتأكيد عليه.

بناء على هدف نبيل، جاء السيّد عمّار إلى مصر، والتقى برئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي
بعيداً عن أيّ بُعد طائفي ديني أو عِرقي، نكتب عن زيارة عراقية إلى مصر، قام بها السيّد عمّار الحكيم رئيس التحالف الوطني العراقي، وذلك في إطار جولة له في عدد من الدول العربية، التي تشمل الأردن وعدداً من دول المغرب العربي، تهدف لإطلاع القادة العرب على مُجريات العملية السياسية في العراق والحرب على الإرهاب ودعم التسوية العراقية، أو حسب البيان الصادر عن التحالف الوطني، فإن الزيارة تهدف إلى الإعلان عن أهمية التسوية الوطنية العراقية كخيار لا مُنافس له بعد التخلّص من داعش الإرهابي، وأن العراق له أولويات خمس متمثّلة بوحدة العراق وعروبته وسيادته وديمقراطيته وترسيخ دولة المواطنة، وهي أهداف كما يبدو نبيلة ووطنية، وتردّ على كثير من الذين يروّجون لفتنة طائفية عند مُحاربة الجيش العراقي لتنظيم داعش الإرهابي وانتصاراته المستمرّة، كما يشوّهون موقف الحشد الشعبي العراقي، رغم أنه يضمّ من كل أبناء العراق.

على كل حال، بناء على ذلك الهدف النبيل، جاء السيّد عمّار إلى مصر، والتقى برئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، والتقى برئيس الوزراء شريف إسماعيل ووزير الخارجية سامح شكري، كما قابل شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وكذلك البابا تواضروس الثاني، كما قابل رئيس البرلمان الدكتور علي عبد العال، بالإضافة إلى أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، أي أنه التقى بكل مسؤولي الدولة المصرية، وكل الأطياف السياسية، ومن ثم ندرك أنها زيارة ناجحة بكل المقاييس السياسية، ولها أبعادها القومية والمصرية العراقية في نفس الوقت، حيث أعرب الرئيس عبد الفتاح السيسي عن ترحيبه بـالسيّد عمّار الحكيم، ومؤكداً حرص مصر على الوقوف بجانب العراق ودعم وحدته وسيادته على كامل أراضيه، ومساندة كافة الجهود الرامية إلى استعادة الأمن والاستقرار، كما أكّد على أهمية تجاوز الخلافات بين مختلف الكتل السياسية في العراق، والحيلولة دون محاولات إشعال الفتنة والانقسام المذهبي والطائفي، وضرورة تكاتف كافة طوائف المجتمع العراقي لتحقيق مُصالحة وطنية تساهم في تعزيز وحدة النسيج الوطني، وقطع الطريق على محاولات بثّ الفرقة، كما أشاد الرئيس بالانتصارات التي يحقّقها الجيش العراقي على تنظيم داعش، وأكّد دعم مصر لكافة الجهود العراقية الرامية إلى تحقيق مُصالحة وطنية حقيقية تُعزّز من جهود التنمية والاستقرار، فضلًا عن مُساندة الحكومة العراقية في جهودها للقضاء على التطرّف والإرهاب.

كل هذا يعني أن الرئيس يقف بجوار العراق من أجل وحدة العراق، وهو الهدف الأساسي لزيارة الحكيم، وأن هدف الدولتين واحد في محاربة الإرهاب، ومعنى ذلك أيضاً أن مصر رأت في مُبادرة السيّد عمّار ما يستحقّ الترحيب به والتأكيد عليه، رغم أن هذا التقارُب المصري العراقي العروبي لا يجد ترحيباً عند بعض القوى الإقليمية، التي تساعد الجماعات المُسلّحة في سوريا أو ليبيا، وكانت تعتقد أنه يمكن تغيير موقف مصر السياسي سواء في العراق أو في سوريا. 

ولكننا نرى مصر تأخذ المبادرة العربية لتعود إلى ميراثها العروبي القومي الثقيل من دون انتظار من أحد، من أجل وحدة الدول العربية حتى في حدّها الأدنى، وربما كان حدّها الأدنى هو منع أية حرب أهلية داخل أية دولة، لأن الهدف الأساسي في الرؤية المصرية الحالية، هو الحفاظ على الجيوش الوطنية العربية، وهو ما أكّدت عليه مصر كثيراً، وهو الأمر الذي أشار إليه السيّد عمّار عندما أكّد على محورية مصر ودورها باعتبارها ركيزة أساسية للأمن والاستقرار في العالم العربي، وداعمة لوحدة الصف والتضامن العربي، تماماً مثلما قال إنه طلب من الرئيس السيسي عقد مؤتمر إقليمي لحلّ أزمات المنطقة، وهو يرجوه ونرجوه، منعاً للتدخّل الأممي الصهيوني لإشعال كل البلاد..

هذا على المستوى السياسي لزيارة عمّار الحكيم إلى مصر، أما على المستوى الديني، فإن السيّد عمّار الحكيم قابل الإمام الأكبر الدكتور الطيب، وموقف مصر الأزهر من الإرهاب والتكفير موقف معروف، بل نقول إن معركة تجديد الخطاب الديني، يعني التصدّي للفكر الإرهابي الوهّابي، وهو ما يحدث في مصر، حيث أعلن البرلمان عن نيّته في تجديد الخطاب الديني بالتعاون مع الأزهر الشريف، وهو يقود لسنّ قوانين لتغيير المناهج والتصدّي للفكر التكفيري، ومنع أي غير أزهري في اعتلاء المنابر أو إطلاق الفتاوى على أعنّتها، فرؤية الأزهر الشريف عبر ميراثه الطويل يهدف إلى وحدة أبناء الأمّة على اختلاف مذاهبهم، فهو الأزهر الذي لم يصدر عنه طوال عمره فتوى تكفير واحدة، لدرجة أن الدكتور أحمد الطيب ومجمع البحوث الإسلامية رفضوا تكفير داعش فتوى، حتى لا تقود لفتاوى تكفيرية مماثلة، لكنهم أكّدوا على أن داعش هم خوارج العصر، وأن قتالهم واجب، كما تم إنشاء مرصد الفتاوى الشاذّة في دار الإفتاء المصرية، يقوم تقريباً كل يوم بنقد وهدم فتوى وهّابية أو تكفيرية، وهذا بطبيعة الحال ما يتّفق عليه علماء العراق، من أن خطر التكفير وفكره الدموي هو جريمة العصر، وعندما يُطلق الأزهر فتاواه يمسي ضرورة تعميم الفتوى على كل المسلمين، وهذا ما أكّده الإمام الأكبر كثيراً، وهو ما رحّب به الحكيم، ورحّبنا به أيضاً، على المستويين السياسي والدعَوي.

كما أن الزيارة شملت تجديد وتفعيل سياسات اقتصادية، فقد أشار بيان مجلس النواب المصري بعد لقاء الحكيم وعلي عبد العال إلى أن الاقتصاد يمثل القاطرة لهذه العلاقات، سواء من خلال التعاون في مجال النفط، أو التعاون التجاري، أو التعاون في مجال السياحة.

الزيارة  إذن حقّقت نجاحاً غير مسبوق بكل المقاييس، ونحن في أمسّ الحاجة إلى نجاح كل الزيارات في زمن الفِتن، نتمنّى تقارباً أكثر بين العراق ومصر، وبينهما وبين كل الشعوب العربية والإسلامية، للتصدّي لخطر التكفير والصهيونية في وقت واحد، وعلى الله قصد السبيل..