ترامب يستهدف دول المنطقة ولكن حربه الكبرى في الداخل الأميركي

حرب ترامب الحقيقية في الداخل الأميركي في ظل عجزه عن تنفيذ مبدأ "أميركا أولا" الذي نادى به خلال حملته الانتخابية.

إنها حرب ما بين ولايات الغرب الأوسط التي يطغى عليها الطابع المحلي المتأصل
لم يكد يمضي مئة  يوم  على وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض حتى بدأت جهات متنوّعة تسعى لاقتلاعه دستورياً، هذا ما فصّلته مقالة النيويوركر بعنوان: كيف يمكن لترامب أن يطرد؟ حيث يتحدث الكاتب عن مسارَيْن دستوريَّيْن أساسيين لإزاحة ترامب عن الرئاسة. 

منتقدو ترامب يعملون بجد على استكشاف الطريق إلى اتهامه أو اللجوء إلى التعديل الخامس والعشرين من الدستور الأميركي الذي يسمح  بتبديل الرئيس الذي يُعدُّ غير صالح  عقليّاً للحكم. فبحسب المراقبين، ترامب يختلف عن الرؤساء السابقين بطرق  تزيد من مخاطره السياسية والقانونية والشخصية. فهو أوّل رئيس لا يتمتع بخبرة مسبقة في الحكم أو العسكر، وهو أول من يبقي على ملكية إمبراطورية تجارية، وهو الأكبر سنّاً في الوصول إلى البيت الأبيض بين أسلافه. 

أما حلفاء ترامب، فيَرَوْن في نسبة 40 في المئة من الاستحسان الشعبي، بحسب تقديرات غالوب، أمراً يقضّ مضاجعهم، اذ لا يمكن لرئيس أن يحكم أميركا بهذه النسبة المتدنية والمقلقة. وحتى قبل تربّع ترامب على عرش البيت الأبيض، قام مكتب التحقيقات الفيدرالية وأربع لجان من الكونغرس بالتحقيق في تواطؤ محتمل بين فريق ترامب والحكومة الروسية. وبين تشرين الأول/ أكتوبر وآذار/ مارس استلم مكتب الولايات المتحدة للأخلاقيات الحكومية أكثر من 39 ألفاً من الاستفسارات العامة والشكاوى، أي بزيادة قدرها خمسة آلاف في المئة خلال الفترة نفسها في بداية إدارة أوباما.

أليستر كروك، الديبلوماسي السابق في الإتحاد الأوروبي وضابط الاستخبارات البريطانية السابق MI6 ومؤسس ومدير منتدى النزاعات، الذي كان في زيارة إلى العتبات المقدسة في النجف وكربلاء في العراق، امتدّت إلى خمسة أيام حيث التقى الناس وتحدث مع النازحين، يقول "إنهم يروون قصصاً مروعة. مثلاً، كانت هناك فتاة صغيرة في السابعة من عمرها لم تكن تتكلّم، كانت تلعب بيديها طوال الوقت وتلويهما، لقد شاهدت والدها وشقيقها يقتلان على يد "داعش" أمام عينيها، لقد كانت في حالة صدمة نفسية. إن لمن المحزن فعلاً رؤية هذه الفتاة الصغيرة تعاني، إنها لا تتكلم أبداً بل تقف مثل الرجل الآلي مع تكشيرة صغيرة بين عينيها منتظرةً عودة أبيها، لكنّه بالطبع لن يعود أبداً".

ويتابع "هؤلاء النازحون يريدون العودة إلى أراضيهم، هناك خوف هائل عبّروا عنه، حيث إنهم لا يريدون أن ينتهي بهم المطاف كالفلسطينيين وأن يكونوا لاجئين إلى الأبد، بل يريدون العودة، ولهذا السبب وعندما ينتهي كل شيء يريدون العودة إلى أرضهم، يريدون العودة قريباً إلى أراضيهم لكن الوضع في العراق معقّد جداً مع الأميركيين والعلاقات مع الخارج. ويمكنني تلمّس الكثير من التوتر ما بين الشعب العراقي حيال الوجهة التي عليهم اتخاذها، البعض يريد العراق مستقلاً تماماً وآخرون يريدون أن يكونوا أقرب إلى أميركا وآخرون يريدون التقرب من إيران وسوريا، بالتالي فإن من غير السهل جداً التكهن بماهية المستقبل. ولكن ما أعتقد أنه جليّ تماماً، وبطريقة ما، هو أن المرحلة التالية قد جرى تحديدها، أعتقد أنه وليس بشكل متعمّد من قبل الرئيس ترامب لكن بشكل عرضي، صهره جاريد كوشنير، زوج ابنته إيفانكا، يريد القيام بعملية سلام".

ويقول كروك "جوهر هذه العملية تقوم على أساس فكرة قديمة جداً وهي أنك تحصل على الدائرة الخارجية، وتسمى "من الخارج والداخل"، أي أنه يتم إبرام صفقة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج ومن ثمّ يفرضونها على الفلسطينيين الضعفاء، هذا بشكل أساسي. لكن لتحقيق ذلك، نرى اصطفاف أميركا الآن بشكل أقرب إلى المملكة العربية السعودية. تجدر الإشارة الى أن جاريد كوشنير تربطه علاقات قوية مع نتانياهو، حيث اعتاد نتنياهو المكوث في شقة والده عندما يزور نيويورك، وفي الواقع، كان جاريد يعطي غرفة نومه لـنتنياهو أثناء بقائه هناك. بالتالي فإن بينهما ارتباطات وطيدة".

يضيف الدبلوماسي السابق في الاتحاد الاوروبي "نرى الآن أن الرئيس ترامب ذاهب إلى المملكة السعودية، وقد استقبل محمد بن سلمان في واشنطن، وأعتقد أن هذا سيحدد الحقبة المقبلة. لا أعتقد أن هذا يشكّل استراتيجية شرق أوسطية، استراتيجية السياسة الخارجية، لقد حدث نوعاً ما بشكل افتراضي. لكن الآن وبوضع نفسه في اصطفاف مع المملكة العربية السعودية كمصلحة رئيسية، وكذلك مع دول الخليج طبعاً، فإن تلك الدول ستستثمر ذلك التحالف لشيطنة إيران بطريقة ما، وكذلك فإن من المرجح تأجيج الوضع في العراق وسوريا بهدف إعاقة التأثير الإيراني في المنطقة. لذا أعتقد أننا سنرى كعواقب لذلك: لغة عالية اللهجة ضد إيران، لقد سبق وسمعنا ذلك من محمد بن سلمان، لغة عدائية قوية مفادها أنه من المستحيل الحوار مع إيران تحت أي ظرف، وأعتقد أن الهدف يكمن في تصعيد الكراهية في واشنطن تجاه إيران".

أما عن سبب اعتقاده أن هذا الأمر سيشكل خطراً على المنطقة، وتحديداً على العراق وسوريا، فهو لأن الجنرالات المحيطين بترامب والعديد من هؤلاء، مثل الجنرال ماتيس وفلين وماك ماستر كانوا في العراق بعد عام 2003، ولأي سبب كان، سواء اختاروا إلقاء اللوم على آخرين في فشلهم أو أيّاً يكن، لقد عمدوا لرؤية كل مشكلات العراق على أنها بسبب الميليشيات الشيعية العراقية الذين يعدونهم دمى لإيران وأن إيران تقف وراء كل شيء سيّء في المنطقة، كل شيء يُعدّ مسؤوليتها.

كروك يرى أن شيطنة إيران ستتسبب بالكثير من المشكلات "لأنه كيف لنا إيجاد حل في الموصل؟ حيث لا أحد لديه الإجابة عمّا قد يحدث في اليوم التالي لهزيمة "داعش" هناك. إذاً في حال وقعت حرب ضد إيران، لا أعني حرباً ساخنة لكنني أعني عقوبات جديدة من الكونغرس، واللغة التي سمعناها من الجنرال ماتيس عندما كان في الرياض بأن إيران تُعتبر جذور كل المشكلات والإرهاب في المنطقة، ولكن من دون لعب إيران دورها المساعد في الموصل والرقة فإنه لن يحل أي سلام في تلك المنطقة".

و عن "مناطق خفض التصعيد في مقابل المناطق الآمنة"، يقول كروك إن نيّة روسيا وإيران هي الإبقاء على سوريا سليمةً وموّحدة. لكنه ليس واثقاً من أن تلك الأفكار متبناة من قبل تركيا بالطريقة ذاتها.

و الهدف من مناطق تخفيف التصعيد الأربع تلك هو أولاً لفصل تلك المناطق، لكن أيضاً لمحاولة تخفيف مستوى العنف لتمكين مسارات الحوارات السياسية قدماً. لكن وكما أشار كروك، فإن أحد العوامل الرئيسية التي قد تشكّل هذا قريبة جداً للعلاقة ما بين المملكة العربية السعودية وواشنطن. وقد سبق ورأينا المعارضة تنسحب من  أستانة، لماذا؟ لأنها لا تريد مشاركة إيران، بحيث لا تتمكن إيران من أن تكون ضامناً في الترتيبات.

في خلال 120 ساعة، أي ما يعادل خمسة أيام، انتقل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بانعطافة مفاجئة من تصريح "يمكن للأسد أن يبقى" إلى قصف سوريا بـ 59 صاروخ توماهوك. واشنطن قالت قولـها وتحملت أميركا مسؤوليتها في التحدي وتقديم التفسيرات للواقع مجدداً بحسب المتابعين. ولكن أين اصبح شعار "أميركا أولاً"، الأمر الذي صوّتت على أساسه القاعدة الانتخابية للسيد ترامب؟

يبدو أن هناك حرباً حقيقية قائمة وفي أميركا نفسها. إنها حرب ما بين ولايات الغرب الأوسط التي يطغى عليها الطابع المحلي المتأصل، الناس الذين يعيشون في وسط أميركا وما بين نخب العولمة العالمية الذين يعيشون على طول المناطق الساحلية من أميركا، مثل كاليفورنيا ونيويورك وواشنطن. النخبة الغنية جداً الذين أصبحوا متزمّتين جداً وغير منفتحين على الانتقادات، وأصبحوا هشّين حيال التغييرات في الأحداث، لكن الآن جرى تحديهم بقوة من الداخل بحسب المراقبين. 

كروك الذي زار واشنطن منذ قرابة الثلاثة أسابيع وصف الوضع هناك بالمرير، وقال إن القتال يحدث ضمن أمريكا. والقاعدة الشعبية تتساءل تحديداً لماذا لا يلتزم ترامب بمبدأ "أميركا أولاً".

لقد وصلت المسائل إلى حائط مسدود، فاصطدم  ترامب بالحائط وارتد عنه إلى حائط آخر، ومن ثم ارتدّ في اتجاه آخر. لقد جرى سحبه بقوة كبيرة من قبل ابنته إيفانكا ومن قبل صهره جاريد كوشنير الذي يعدّ صراحةً القطب المضاد لقاعدة ترامب. وهؤلاء بشكل أساس، هم النخبة النيوليبرالية الديمقراطية. وقاعدته تكره ذلك وتريد تفكيكه وإزالته وتجفيف مستنقع الناس، وهؤلاء هم عائلته. جاريد كوشنير يجلس بالقرب منه في المكتب البيضاوي وتجلس إيفانكا في الجناح الغربي في مكتب فوق المكتب البيضاوي، تسدي له النصائح طوال الوقت. ومن ثم القاعدة كأشخاص مثل ستيف بانون وغيره، هم مهمّشون حالياً وفعليّاً، فإن هؤلاء يمثلون كل من صوّت لصالح ترامب، وهم مهتمون في ما إذا كان ترامب سيبقى ذلك الشخص الذي انتخبوه فعلياً أو ما إذا كان طبّع من قبل النظام والدولة العميقة ولم يعد مسيطراً على الأحداث.

رابط الـ"هاشتاغ" الأكثر تداولاً اليوم على "تويتر"، هو "أطرد جاريد"، هذا هو مستوى الخوف، والقاعدة الشعبية في الولايات المتحدة تتلمّس هذا من ترامب. هي الحرب. ولا يقتصر وجود الحرب في البيت الأبيض، بل هناك حرب في وكالات الاستخبارات ما بين أطراف مختلفة في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية نفسها واستخبارات الدفاع وضمن الدفاع بحسب المعلومات.

و في سياق متصل، حملة  ترامب  العسكرية على سوريا أججت الكثير من ردود الفعل، لا سيما الروسية، والتي جاءت على لسان رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف حيث أعلن عن كون العلاقات ما بين الولايات المتحدة وروسيا قد أُفسدت. تصريح يشكل سابقة بحسب خبراء في مراقبة روسيا لأربعة عقود. أي سابقة كهذه لم يذكر أن قام بها قائد سواء كان سوفيتياً أم ما بعد الاتحاد السوفياتي أبداً. وأضاف ميدفيديف أن القوّتَيْن النوويّتَيْن العظميين على شفا حرب. آخذين بعين الاعتبار أن  ميدفيديف  يعدّ الشخصية الريادية المؤيدة للغرب في ضمن دائرة بوتين الداخلية.