مشاكل الخطاب المصري المعارض

على جميع المعارضين الصادقين أن يتخلوا عن وهم "البروفة" والثورة المستمرة الذي مازال يراودهم فقد فات وقتهما وعليهم أن يكفّوا عن الاستغراب فللجماهير، وهذا بحث آخر، مواعيدها وربما قد تكون تعلّمت هي الأخرى أن الثورات بحاجة لما هو أكثر من النزول إلى الشارع.

لا وجود لخطاب معارض باستثناء قوى مدنية ووطنية محدودة
باستثناء قوى مدنية ووطنية محدودة، فإنّه لا وجود لخطاب معارض فعّال داخل مصر كما أثبته تمرير قانون الجزر في البرلمان، فيتركز جل هذا الخطاب في تورية إخوانية في الداخل أو معارضة صريحة، إخوانية أيضاً في معظمها، من الخارج وتحديداً من دول كانت لها علاقة بالمشروع ولكنّها ستتناقص مع الأيام، لتتفرّغ لأزماتها الخاصة.

 

تدرج الخطاب المعارض بُعيد استلام السيسي للسلطة من التباكي على الحق وعلى الديمقراطية المفقودة وتلك الموعودة في مرحلته الأولى، إلى التهويل بقرب انهيار الدولة واقتصادها بسبب فساد المؤسستين السياسية والعسكرية في مراحل لاحقة مع تشديد هذه الحملات عند أزمات كبيرة مثل تعويم الجنيه، فقدان بعض المواد الاستهلاكية من الأسواق، سد النهضة، وقف واردات النفط الخليجية والتنازل عن الجزر.

 

برغم أنّ تداعيات كل ما سبق من أمثلة وغيرها على الشعب المرهق كثيرة و لا تحتاج إلى التفصيل، إلّا أنّ الدولة لم تصل إلى الانهيار المبشّر به وكان يبدو، باستثناء بيع الجزر أخيراً، أنّ مصر تأخذ موقفاً وسطيّاً مكنّها من اللعب على التوازنات وتجنّب اصطفاف يحسب على أنّه خيار للّاعودة.

 

اعتقدَ أصحاب الخطاب المعارض أن مشكلة "وجودية" واحدة من كل ما سبق وعلى تنوّعها، كانت ستحرّك الجماهير وتنزلها إلى الشارع لكن أيّا من تلك الحملات لم تؤدّ أهدافها.

 

لا نزعم أن مشكلة الجماهير كانت في الخطاب أو في من يقف خلفه، إلّا أن جزءاً لا بأس به يقع في أخطاء بديهية لمن يفترض بهم احتراف العمل السياسي. أخطاء تراكمت مع كل تجاهل شعبي.

 

1) خطاب اليأس وتخطئة الجماهير. لا يقف الانتقاد عند السلطة أو الجيش بل يتعدّاهما إلى الناس كما تخبرنا وسائل التواصل الاجتماعي حيث يسود هذا الخطاب، فتجد عبارات حادة بحقهم من نوع "أغبياء، جهلة، إلخ" وصولاً إلى التخوين وهي مؤشرات النزوع نحو العدميّة التي هي أساس كل الأفكار المتطرفة إن كانت دينية أو سياسية  وجوهرها أشخاص مقتنعون جداً بمعتقدهم أو فكرتهم، لكن "الأغبياء" لا يفهمونها أو لا يتحركون لتطبيقها فحُقّ عليهم العقاب، تكفيراً أو قتلاً.

 

إنّ ألف باء ما يتعلّمه الثوريون الحقيقيون هو أن لا يخطّئوا الجماهير أبداً، وإن كان من مشكلة في العلاقة معها، فهي مشكلة النخب من مثقّفين وأحزاب.

 

2) على نفس المنوال، يتم تخوين كل المؤسسة العسكرية بجنودها وضبّاطها. إن افترضنا أنّ الجزء الأكبر منها مستفيد من المشاريع التجارية وجزء أقل بكثير مرتبط اقتصادياً وسياسياً مع أحلاف لا تسعى لمصلحة مصر فإن هذا التعميم لن يساعد على إيجاد تمايزات، حتى لو كانت فردية، قد يكون لها دور في المستقبل وقد يدفع بأقلية وطنية إلى أحضان المعسكر الآخر.

 

3) ربط الموقف من السيسي بأحقية مرسي، ديمقراطياً، والمقارنة المستمرة بين مرحلتين وهذا سائد في إعلام دول المشروع الإخواني وقنواتها كما وسائل التواصل. يبدو هذا النوع من الخطاب السياسي وكأنّه كلام حق يراد به باطل لأنّ من أولويات و بديهيات تشكيل "الجبهة الوطنية العريضة"، إن كانت صادقة، هي أن تركز على الهدف الرئيس وهو السلطة وليس البديل لتخفيف هواجس مكوناتها. هذا الربط المستمر لا يخدم الهدف الأهم.

 

وكأن الجماهير بلامبالاتها الآن تعاقب جميع نخبها: أفسدتم ثورتنا. قدّمناها لكم على طبق من ذهب فتآمرتم عليها في أسوأ الأحوال أو كنتم سذّجاً جداً في أحسنها.

 

بعد خفوت الهبّة العظيمة التي صنعتها الجماهير لغياب القيادة الحقيقية، فإنّه من الطبيعي أن تسود أشكال من الفردية والأنانية كتعبير عن اليأس ولكن ذلك لا يعني أنها حالة أبدية بل هي حالة انتظار للبديل الصاعد والمجرَّب في الساحات، وليس للبدائل التي تسقط في أول اختبار.

 

على جميع المعارضين الصادقين أن يتخلوا عن وهم "البروفة" والثورة المستمرة الذي مازال يراودهم فقد فات وقتهما وعليهم أن يكفّوا عن الاستغراب فللجماهير، وهذا بحث آخر، مواعيدها وربما قد تكون تعلّمت هي الأخرى أن الثورات بحاجة لما هو أكثر من النزول إلى الشارع.