المرحلة القادمة في سوريا.. الإصلاح أولاً

اليوم، بعد سنوات من العمل على تحليل البنية التنظيمية للجهاز الحكومي في سوريا، تم إنجاز التقرير الإداري لتقييم الحالة الراهنة لكل وزارة على حدة.

  • "المشروع الوطني للإصلاح الإداري" متَّكئ أساساً على إنجازات الجيش العربي السوري

4 سنوات مضت على إطلاق الرئيس السوري بشار الأسد مشروعَ إصلاح عميق استهدف بنية الدولة السورية في كل مكوناتها. يبدو الزمن أكثر من 4 سنوات، إذا نظرنا إلى كَمّ العمل المنجَز وحجم الجهد المبذول من جانب القائمين على تنفيذ المشروع.

المشروع المسمّى "المشروع الوطني للإصلاح الإداري"، والمتَّكئ أساساً على إنجازات الجيش العربي السوري، وانتصار إرادة السوريين على الإرهاب، بعد صمود استثنائي واجهت خلاله سوريا كلَّ أنواع الحروب، يُنعش من جديد تطلعات السوريين نحو سوريا القوية والمتجدِّدة، بما تضمَّنه من محاور وآليات عمل، شملت تطوير المؤسسات الحكومية وإعادة هيكلتها، على نحو يساهم في تحسين خدماتها وإنتاجها، وإرساء القواعد اللازمة للإصلاح الإداري في سوريا، وفق تقييم واضح ودقيق للواقع، واعتماداً على برامج عمل تنفيذية واضحة وقابلة للتطبيق. كل ذلك وفق رؤية وطنية تعزّز مرتكزات البناء المؤسساتي الشامل، ترسيخاً وتعميقاً لدور المؤسسات في خدمة المواطن وبناء الدولة...

اعتمد المشروع أيضاً على القياس والرصد وخريطة ملء الشواغر وحصر الكفاءات، وأرسى منهجية واحدة متجانسة، عبر مرصد وطني لقياس الأداء، ووفق بنية إلكترونية ومركز خدمة الكوادر البشرية. كما أنشأ موقعاً إلكترونيّاً سُمِّي "صلة وصل"، للتواصل مع المواطنين، بهدف إنهاء حالة الترهّل ومكافحة الفساد الإداري.

اليوم، بعد سنوات من العمل على تحليل البنية التنظيمية للجهاز الحكومي في سوريا، بما في ذلك تحليل القوى العاملة ومراكز العمل وتحليل العمليات التشغيلية لتنفيذ مهمات كل وزارة، تم إنجاز التقرير الإداري لتقييم الحالة الراهنة لكل وزارة على حدة، متضمناً الهيكل التنظيمي الجديد، ووضع الهيكل الإداري الراهن للجهاز الحكومي، وإصدار خريطة الموارد البشرية الكلية على مستوى الإدارات المركزية للوزارات. وتمّ أيضاً وضع خريطة الشواغر الوظيفية الكلية، وتشكيل فِرَق متمكّنة من أجل الإصلاح الإداري، تعمل بأدوات وذهنية واحدة.

الرئيس الأسد وأولوية الإصلاح

يُولي الرئيس الأسد اهتماماً كبيراً، وبأدق التفاصيل، بمراحل تنفيذ المشروع الوطني للإصلاح الإداري، إذ عبّر في أكثر من مناسبة وأكثر من لقاء عن زيادة فعالية الدولة ومكافحة الفساد، عبر إصلاح بنية المؤسسات في سوريا، ضمن مشروع وطني يكون المدخل لأي إصلاح.

وخلال لقاء جرى في أيار/مايو الماضي، جمع الرئيس الأسد وفِرَقَ الإصلاح الإداري في سوريا، أكد أن الحرب كانت كاشفة ومحفّزة لضرورات الإصلاح الإداري، وليست منشِئة له، بحيث ظهرت جوانب جلية تمّ التفكير فيها معمَّقاً خلال الحرب، وأفضت إلى إطلاق المشروع، مشيراً إلى أن المشروع بدأ على الورق، ومن خلال منهجية واضحة أولاً، ومرّ في مرحلة انتقالية. وخلال التنفيذ، ظهرت معوّقات، وكان التعامل معها أسهل بوجود المنهجية.

وشدّد الرئيس الأسد خلال اللقاء على إعطاء الإصلاح الإداري الأولوية على الإصلاح الاقتصادي، لكونه أساس بناء الدولة، مشيراً إلى أن تصحيح آليات العمل بين المؤسسات هو أساس نجاح تطبيق الهيكليات الإدارية، وأن "الأَتْمَتة" والإصلاح الإداري هما الطريق الأنسب إلى زيادة الإيرادات المالية للدولة.

وعن الممانعة ومقاومة التغيير، واللتين تواجهان عملية الإصلاح، لفت الرئيس الأسد إلى أن الممانعة التي ظهرت في حالة المشروع الوطني للإصلاح الإداري كانت متعددة الأسباب، منها الخوف على المستقبل الوظيفي، أو الخوف على المصالح الخاصة والطموحات، وليست محصورة فقط في الفساد.

وأضاف الرئيس الأسد أن فِرَق الإصلاح الإداري في الجهاز الحكومي، هي المعنيّة الأولى بالترويج لاستراتيجية المشروع ورؤيته، وأن هذه الفِرَق يجب أن تكون نخبوية، وليس بالضرورة أكاديمية، لكون المشروع يشمل كل مفاصل الدولة. ودور هذه الفِرَق هو نقل القناعات، من خلال الحوار وتقديم الأفكار المحكمة والمقنعة.

وعن دور الإعلام في المشروع، أكَّد الرئيس الأسد ضرورة أن يُوَضَّح للمواطن أنَّ المشروع طويل الأمد، ونتائجه بعيدة، وأن الموظّف يتأثر به على نحو أسرع من تأثّر المواطن غير الموظف.

إدارة فعالة.. نحو مؤسَّسات ديناميكيّة

لا تحقّق بيئة العمل الإداري في سوريا، في واقعها الراهن اليوم، الظروفَ المثلى المطلوبة للكفاءة الإدارية والإبداع والتميّز الإداريَّين. كما لم يعد خافياً على أحد ما يكتنف المؤسَّسات العامة من خلل إداري، أثّر، بصورة مباشِرة وعلى نحو غير مباشِر، في سيرورة العمل الحكومي في شقَّيه الخدمي والاقتصادي الإنتاجي؛ فالواقع يشير إلى وجود نسبة ليست ضئيلة من وقت المديرية، يخصَّص لإنجاز الأعمال الروتينية والإجرائية، ويخصَّص الباقي من الوقت لأعمال التخطيط والتطوير والتحديث، في حين أن المطلوب هو العكس.

وحيث إنَّ التأقلم مع مستجدات العصر وطبيعة المرحلة القادمة يجعل الإصلاحَ عمليةً ضرورية يتمّ من خلالها تجديدُ نُظُم العمل وتطويرها وإرساء الدعائم لإدارة حديثة قائمة على الكفاءة والثقة، تستمرّ أعمال مؤتمر الإصلاح الإداري الذي يُعقَد لأول مرة، ليجمع مختلف الوزارات تحت شعار "إدارة فعالة.. نحو مؤسَّسات ديناميكية"، بهدف عرض نتائج مشروع الإصلاح الإداري، ووضعها على طاولات عمل مختلف الوزارات، لإصدار التوصيات النهائية بشأنها.

ويعرض المؤتمر الذي تعقده وزارة التنمية الإدارية، في جدول أعماله المستمر حتى نهاية الشهر الجاري، الإشكاليات الأساسية والمشتركة بين كل الوزارات على مستوى البنية التنظيمية والموارد البشرية العاملة فيها واقتراح الحلول للمعالجة. كما يعرض نتائج الإصلاح الإداري للحوار مع الوزارات، لإصدار التوصيات النهائية، وإقرار الهياكل التنظيمية لها، واعتماد خريطة الموارد البشرية والشواغر الوظيفية.

ويتركَّز المؤتمر على المناقشة والحوار للاتفاق على رؤية جماعية بين كلّ الوزارات، لمعالجة الإشكاليات المشتركة، وعرض نماذج عن هذه الإشكاليات لتجاوز مسألة التفكير من داخل الصندوق، وبناء ثقافة مشتركة بين جميع الفرق.

كما يقدّم المؤتمر الدعم الكامل لإصدار نتائج الإصلاح الإداري المتعلّقة بتقليص البنية التنظيمية للإدارات المركزية، وعدد مراكز عمل معاوني الوزير، ووضع الهياكل التنظيمية الجديدة بناءً عليها، مرفقة بكلّ من خريطتي الموارد البشرية والشواغر الوظيفية لكل وزارة.

بكلِّ اطمئنان، يمكن القول إن عملية الإصلاح لا تتمّ بعصا سحرية، كما يأمل مؤيدوها، ولا تتوقّف بعصا سحرية، كما يريد رافضوها أيضاً، بل هي عملية لها منهجية وقواعد تجري وفقها، وتنتقل من خلالها من مرحلة إلى أخرى. 

صحيح أنه لا يوجد مشروع إصلاح في العالم إلا وتقابله ممانعة ومقاومة للتغيير، لكنَّ الصحيح أيضاً أن مسيرة الإصلاح انطلقت، ولا عودة إلى الوراء، وأن الإصلاح النابع من الداخل، وبخبرات وطنية، يبقى طويلاً وتدريجياً، لأنه نابع من الإرادة الذاتية للوطن ومكمّل للتطور الوطني.