ماذا عن استراتيجيّة الأمن القومي الأميركي خارج الشواطئ؟

الوثيقة التي نشرها البيت الأبيض أخيراً، وبعد 45 يوماً من تقلّد الرئيس جو بايدن الحكم، كشفت عن إرشادات عامة للأمن القومي والخطوط العريضة للتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة.

  • ماذا عن استراتيجيّة الأمن القومي الأميركي خارج الشواطئ؟
    ماذا عن استراتيجيّة الأمن القومي الأميركي خارج الشواطئ؟

"مصيرنا أكثر ارتباطاً بالأحداث خارج شواطئنا". هذا ما أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن، مؤكداً في "وثيقة استراتيجيّة الأمن القومي المؤقتة" أنّ "الولايات المتحدة ستكون معنيّة بأمن إسرائيل في الشرق الأوسط، وسوف تردع تهديدات إيران مع دول المنطقة". 

جاءت البدايات مع ما أكّدته إدارة بايدن بقولها إن الوجود العسكري الأقوى للولايات المتحدة "سيكون في منطقة المحيط الهادئ وأوروبا، بينما سيكون في الشرق الأوسط بما يكفي لتلبية احتياجات معيّنة".

جاء ذلك في "وثيقة استراتيجيّة الأمن القومي المؤقتة" التي نشرها بايدن، والتي قالت: "مصير أميركا اليوم أصبح أكثر ارتباطاً بالأحداث خارج شواطئنا أكثر من أيّ وقت مضى... هناك العديد من القضايا التي تشكل تهديداً للولايات المتحدة، مثل فيروس كورونا، وتغيّر المناخ العالمي، والقوميّة العالميّة، والتغيّرات التكنولوجيّة، وصعود القوى المنافسة لأميركا مثل الصين وروسيا". 

نعم، لفتت الوثيقة إلى أن العديد من المشاكل التي تواجهها الولايات "ماديّ، مثل الحدود والجدران"، مشيرةً إلى أن "النظام الديمقراطي في العالم، وخصوصاً في الولايات المتحدة، تحت الحصار". 

وشددت على أن "الولايات المتحدة يجب أن تشكل مستقبل النظام الدولي"، معتبرةً أنّ "هذه المهمة ملحة". وفي سياق آخر، أشارت إلى أن حل أزمات الشرق الأوسط لن يكون عسكرياً. وتحدثت الوثيقة عن أن "الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ستكون معنيّة بأمن إسرائيل، وسوف تردع مع دول المنطقة تهديدات إيران لسيادة أراضي الدول الأخرى وسلامتها، وستعزز جهودها لمواجهة القاعدة وداعش". 

وأضافت: "لكننا لا نعتقد أن حل مشاكل المنطقة يكون باستخدام القوة العسكريّة، ولن نعطي شيكاً على بياض لشركائنا الذين يتبعون سياسات تتعارض مع المصالح والقيم الأميركيّة في الشرق الأوسط. لهذا السبب، سحبنا دعم الولايات المتحدة للهجمات في اليمن". وقد أبرزت الوثيقة أيضاً أن الولايات المتحدة "لن تنفق بعد الآن تريليونات الدولارات على حروب بلا نهاية". واستطردت قائلة: "سننهي بشكل مسؤول أطول حرب أميركيّة في أفغانستان، مع ضمان أن الأخيرة ليست ملاذاً آمناً مرة أخرى للهجمات الإرهابيّة ضد الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى". 

وأوضحت أيضاً أنّ الوجود العسكري الأقوى للولايات المتحدة "سيكون في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا، مع ردع أعدائنا والدفاع عن مصالحنا. وفي الشرق الأوسط، سنترك القدر اللازم من القوة للقضاء على الشبكات الإرهابيّة، وردع العدوان الإيراني، وحماية المصالح الأميركيّة الرئيسيّة الأخرى". وعن أفريقيا، قالت الوثيقة: "سيتمّ التركيز على إقامة شراكات جديدة من أجل تنمية المجتمع المدني والاقتصاد والمؤسسات الصحيّة". 

الوثيقة نفسها ذكرت أن الولايات المتحدة ستولي أهمية للتعاون الدولي، وكذلك التحالفات والشراكات، مشيرةً إلى وجود "اتجاه لإعادة تأسيس قيادة واشنطن في المنظمات الدوليّة من أجل إيجاد حلول للمشاكل العالمية، وخصوصاً تغيّر المناخ". وقالت إن "الدبلوماسيّة ستكون مفضّلة على استخدام القوة العسكريّة"، مضيفةً: "بينما نحمي مصالح أميركا على الصعيد العالمي، سنتخذ خيارات حكيمة ومنضبطة في دفاعنا الوطني والاستخدام المسؤول لجيشنا". 

في الواقع، حدّدت الوثيقة جملة من القضايا الشائكة التي تواجه الولايات المتحدة، ومن بينها صعود القوى المنافسة لها، وتحديداً روسيا والصين، ونصت على أن الولايات المتحدة "يجب أن تشكل مستقبل النظام العالمي، باعتبار ذلك ضرورة ملحة الآن".

 كما ذكرت أن واشنطن "لن تتردد في استخدام القوة عند الحاجة إلى ذلك من أجل الدفاع عن مصالحها". يأتي ذلك في الوقت الذي تناولت الاستراتيجية قضايا الشرق الأوسط وأزماتها، باعتبارها من بين الملفات ذات الأولوية، وأبدت اهتماماً بالعمل على حل الأزمات بشكل سلمي.

رغم ذلك، أبدت الوثيقة مرونة في التعامل مع بكين، وجاء فيها: "نحن ندرك أيضاً أن المنافسة الاستراتيجية لا تمنع ولا ينبغي أن تمنع العمل مع الصين عندما يكون من مصلحتنا الوطنية أن نفعل ذلك.. تجديد مزايا أميركا يضمن أننا سنشارك الصين من موقع ثقة وقوة، وسنتبع دبلوماسية عملية موجهة نحو النتائج مع بكين والعمل على تقليل المخاطر.. نرحب بتعاون الحكومة الصينية في قضايا مثل تغير المناخ والأمن الصحي العالمي والحد من التسلح.. مصائرنا الوطنية متشابكة".

أما بالنسبة إلى روسيا، فإن التقرير يذهب بشكل غير مباشر إلى اعتبار أنها "غير قادرة اليوم على الدخول في مواجهة مباشرة وصريحة مع الولايات المتحدة". وقد تمت الإشارة إلى الدور الروسي ضمن الاستراتيجية بوصفه دوراً سلبياً، بما يقوض القوى الأميركية ويعمل على الحد من القدرة الأميركية على الدفاع عن نفسها ومصالحها.

لقد اعتبرت الاستراتيجية أن "الدفاع عن أميركا يعني أيضاً تحديد أولويات واضحة ضمن الميزانية الدفاعية"، قائلةً: "سوف نحافظ على الجهوزية ونضمن بقاء القوات المسلحة الأميركية في أفضل حالاتها؛ قوة مدربة ومجهزة في العالم، في مواجهة التحديات الاستراتيجية بشكل متزايد، ومنها الصين الحازمة ومحاولات روسيا لزعزعة الاستقرار".

في المرتبة التالية، جاء الملف الإيراني، إذ حددت الاستراتيجية أسلوب معالجة البرنامج النووي الإيراني وأنشطة طهران التي وصفتها بكونها "مزعزعة للاستقرار"، وذلك عبر "استخدام المبادئ الدبلوماسية"، تأكيداً على النهج الذي دأب الرئيس بايدن على تأكيده خلال الفترات الماضية إزاء التعامل مع طهران. 

ويبدو من الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأميركي أن "إيران تشكل خطراً"، وأنها "دولة مزعزعة للاستقرار، لكنها في الوقت نفسه ليست الأولوية القصوى أو الأولى في هذا التوقيت بالنسبة إلى الإدارة الأميركية". 

في الوقت نفسه، كشفت الوثيقة عن اتجاه أميركا لتحديد تواجدها العسكري في منطقة الشرق الأوسط ليكون على المستوى المطلوب، ومن بين أهدافها في هذا المجال "ردع العدوان الإيراني". 

وتتضمّن الاستراتيجية في هذا الصدد مفارقة واضحة، وهي أن واشنطن تبرر مساعيها لدعم الاستقلال السياسي والاقتصادي لدول القارة برغبتها في مواجهة النفوذ الأجنبي "غير المبرر"، وكأن ذلك النفوذ مباح لواشنطن دون الآخرين (في إشارة إلى رغبة الولايات المتحدة في الهمينة ومواجهة أطراف إقليمية ودولية مختلفة في القارة).

يبقى أن نشير إلى أن الوثيقة التي نشرها البيت الأبيض أخيراً، وبعد 45 يوماً من تقلّد الرئيس جو بايدن الحكم، كشفت عن إرشادات عامة للأمن القومي والخطوط العريضة للتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة، وأكدت أن مصير أميركا صار مرتبطاً بشكل أكبر من أي وقت مضى بالأحداث التي تقع خارجها، وركزت على مرتكزات الإدارة الأميركية الجديدة في سياستها الخارجية، بدءاً من المحور المركزي المتمثل في "الترويج للديمقراطية في جميع أنحاء العالم".. فهل تمضي استراتيجيّة الأمن القومي الأميركي خارج الشواطئ؟