أطباء الموت في المعتقلات الإسرائيليّة.. معاناة الأسرى

ما زالت المطالبات الفلسطينية المستمرّة بإرسال وفد طبي دولي للإشراف على صحة الأسرى تصطدم بجدار الرفض الإسرائيلي.

  • بات الهاجس الأكبر لدى جميع الأسرى والأسيرات داخل معتقلات الاحتلال أن يُصابوا بالمرض، أي مرض
    بات الهاجس الأكبر لدى جميع الأسرى والأسيرات داخل معتقلات الاحتلال أن يُصابوا بالمرض، أي مرض

يُفترض أن يضطلع الأطباء العاملون في المعتقلات الإسرائيلية بدور الحفاظ على صحّة الأسرى وعلاجهم، إلا أنَّ الواقع الذي تشهده المعتقلات الإسرائيلية منذ بداية تشييدها وحتى يومنا هذا، يُظهر أنَّ هؤلاء الأطباء يمثلون ركناً أساسياً وحيوياً في السياسة الإسرائيلية العامة التي تستهدف الأسرى أمنياً ونفسياً وصحياً.

بات الهاجس الأكبر لدى جميع الأسرى والأسيرات داخل معتقلات الاحتلال أن يُصابوا بالمرض، أي مرض، ومهما كان بسيطاً، لأنهم يعلمون أنَّ أطباء الموت يقفون لهم بالمرصاد لـ"يعالجوهم" بالإهمال الطبّي الممنهج، في سبيل تحقيق موت بطيء ومؤلم جداً!

 ما زالت الخدمات الطبية الّتي يوفّرها أطباء المعتقلات الإسرائيلية وممرضوها للأسرى المرضى تقتصر في أحسن الأحوال على "الأكامول" أو "الأسبرين". وقد لا نستغرب إذا سمعنا مستقبلاً أن إدارة مصلحة السجون تستثمر أسهماً في شركات الأدوية هذه! 

من جانب آخر، إنَّ هذا العلاج السحري الوحيد المتراكم في أجساد الأسرى المرضى، على اختلاف أمراضهم، هو مرض بحدّ ذاته، فقد أثبتت عشرات الدراسات الطبيّة أنَّ كثرة تناول هذه المسكنات تسبّب مرض الكلى وأمراضاً أخرى.

ومع تفشّي جائحة كورونا واستنفار الأجهزة والطواقم الطبية لمكافحة هذا الوباء في جميع أنحاء العالم، رفع أطباء الموت في المعتقلات الإسرائيلية مستوى الخدمة الطبية للأسرى، فأضافوا الليمون إلى بنود الخدمات العلاجية التي كانت تقتصر على "حبّة الأكامول" السحرية!

وقد وجد أطباء الموت ضالّتهم في جائحة كورونا، وخصوصاً أنهم خبراء في كيفية إضعاف مناعة أجسام الأسرى، ما يشكّل عنصراً أساسياً يساهم في التقاط الوباء وتفشّيه سريعاً. فضلاً عن ذلك، فإن أطباء الموت يماطلون بأخذ العيّنات من الأسرى في حال ظهور أعراض الفيروس عليهم. ويأتي كلّ ذلك ضمن سياسة الترهيب والترغيب والاستغلال البشع للحالة الصحية والمرضية للأسرى.

وبفعل الهاجس الذي يراود الأسرى، رفض جزء منهم تلقي اللقاح، بسبب تخوفهم وقلقهم، وخصوصاً مع التجربة التاريخيّة الطويلة المرتبطة بسياسات أطباء الموت بحقّهم، من إهمال وقتل طبي واستخدام أجسادهم كحقول للتجارب.

يستحقّ أطباء المعتقلات لقب "أطباء الموت" بجدارة، فالتأخير في علاج مصاب بنوبة قلبية لمدة ساعتين، أو إعطاء مسكّنات آلام كعلاج لأمراض خطيرة وسرطانات تستوجب علاجاً فورياً، أو مساومة المريض على العلاج، أو عدم اتخاذ الإجراءت اللازمة لوقاية الأسرى من فيروس كورونا، هو قتل مع سبق الإصرار والترصد.

يُذكر أنّ عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ العام 1967 ولغاية يومنا هذا، وصل إلى 226 شهيداً، بينهم 71 ارتقوا نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتبعة من قبل أطباء الموت بحقّهم، و73 ارتقوا نتيجة التعذيب الذي أشرف عليه أولئك "الأطباء" الذين يفحصون الأسير المُعذَّب ويكتبون الرأي الطبّي أو التقارير عن الحالات وأسبابها، والذي يعدون شركاء في هذه الجرائم، كما أنَّ الطاقم الطبي والتمريضيّ والقضاة الذين يعرفون ما يحدث ويفضّلون التزام الصمت، هم جميعهم شركاء متواطئون أيضاً. 

ما زالت المطالبات الفلسطينية المستمرّة بإرسال وفد طبي دولي للإشراف على صحة الأسرى تصطدم بجدار الرفض الإسرائيلي، لأن أطباء الموت يمثّلون ركناً أساسياً من المؤسسة الأمنية والاستخبارية لمديرية السجون القمعية في استهدافها الأسرى الفلسطينيين، ويشكّلون امتداداً للتعذيب المخابراتي للأسرى، وأداة قتل لهم، وجزءاً أساسياً من بنية مصلحة السجون الإسرائيلية ووظيفتها التي أنشئت من أجلها.

وفي الختام، يمكن القول إنَّ المعتقلات الإسرائيليّة باتت ساحة الموت المشترك للأسرى الفلسطينيين، ولا يمكن تغيير هذا الواقع إلا بالعمل والنضال الفلسطيني الوطني المشترك والموحّد داخل المعتقلات وخارجها، وخصوصاً في ظل المنظومة الدوليّة الحالية التي لا يوجد لحقوق الإنسان فيها أيّ مكان أو قيمة.