كيف حضر بنجامان ستورا في تقريره حول الاستعمار و"حرب الجزائر"؟

تبقى العديد من المسائل العالقة، ومن بينها الأرشيف الذي تطالب به الجزائر. وقد نصّ تقرير ستورا على نقل جزء منه إلى الجزائر وتسريع مسار رفع السرية عن الوثائق التاريخية. 

  • نبقى في انتظار رفع الستار عما تضمَّنه تقرير بنجامان ستورا
    نبقى في انتظار رفع الستار عما تضمَّنه تقرير بنجامان ستورا

البداية بعد أن سلّم المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا، تقريره حول الاستعمار وحرب الجزائر (1954-1962) للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي تضمن مقترحات ترمي إلى إخراج العلاقة بين فرنسا والجزائر من الشلل الذي تسببه قضايا الذاكرة العالقة بين البلدين. يأتي ذلك مع تجديد الرئاسة الفرنسية، نسخة ماكرون، رفضها قضية الاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا المحتلة في الجزائر، وهو القرار الذي أعقب إيداع المؤرخ بنجامان ستورا تقريره.

واقعياً، وعلى الأرض، شدّد قصر الإليزيه على أنَّ باريس لن تقدم اعتذاراً للجزائر عن جرائم الاحتلال، لكنها تعتزم القيام بـ"خطوات رمزية" لمعالجة هذا الملف الذي كثيراً ما تسبب في تسميم العلاقات الثنائية، وما يزال، متنكّراً ماكرون بذلك لوعود كان قد أطلقها خلال زيارته للجزائر في شباط/فبراير 2017، عندما كان مجرد مرشّح لسباق الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

خلال تلك الزيارة، أدلى ماكرون بتصريحات اعتبرت حينها ثورية وغير مسبوقة، ومما قاله: "من غير المقبول تمجيد الاستعمار الذي يعتبر جزءاً من التاريخ الفرنسي". وأكثر من ذلك، اعتبره "جريمة ضد الإنسانية"، وهي التصريحات التي خلفت استحساناً كبيراً لدى الجزائريين، ولكن تبين في ما بعد أن تصريح المرشح للرئاسة الفرنسية ليس كتصريح من أصبح نزيل قصر الإليزيه.

نعم، تبيّن لاحقاً أن ماكرون يومها كان يغازل العقل الانتخابي للجزائريين في فرنسا، من أجل الحصول على دعم لحملته الانتخابية. وبينما رحّب الجزائريون بتلك التصريحات، قوبل ماكرون لدى عودته إلى بلاده بانتقادات واسعة من قبل الأوساط اليمينية، وكذا من قبل الحركي والأقدام السوداء، قبل أن يتراجع محاولاً مجاراة مطالب تلك الأوساط. 

وفي الوقت الذي كان على ماكرون اتخاذ موقف تاريخي يخرجه من دائرة الرؤساء الفرنسيين الذين عجزوا عن حل هذه المعضلة، حاول اللعب على جميع الأوتار، أملاً في عدم خسارة الكل، وهو أمر غير ممكن واقعياً في ظل العداوة التاريخية المستحكمة بين البلدين، وذلك عندما قرر الجمع بين التناقضات، من خلال الاحتفال بذكرى قمع تظاهرة الجزائريين في باريس في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961، واليوم الوطني للحركي في 25 أيلول/سبتمبر، وتاريخ توقيع اتفاقيات "إيفيان" في 19 آذار/مارس 1962، كما جاء في بيان قصر الإليزيه.

هنا، نبقى في انتظار رفع الستار عما تضمَّنه تقرير بنجامان ستورا، وتبقى الأنظار متجهة إلى الطرف الجزائري، الذي يعكف بدوره على إعداد تقرير يعبر عن وجهة النظر الأخرى، وقد كلّف به، كما هو معلوم، المستشار في رئاسة الجمهورية عبد المجيد شيخي، الذي قدّم خلال تصريحاته الأخيرة بعض الخطوط العريضة عن تصوره للتقرير الذي يعده، والذي لن يكون بالضرورة كما يتمناه الفرنسيون.

من بين أبرز المقترحات التي قدّمها ستورا في تقريره بشأن حرب الجزائر، تشكيل لجنة باسم "ذاكرة وحقيقة" في فرنسا، تكلّف بطرح "مبادرات مشتركة بين فرنسا والجزائر حول قضايا الذاكرة". هذا التقرير أعدّه ستورا بتكليف من ماكرون في تموز/يوليو.

وسط كلّ ذلك، أشار قصر الإليزيه إلى أنّ ماكرون سيشارك في 3 احتفالات تذكارية في إطار الذكرى الستين لنهاية حرب الجزائر في العام 1962. ويبقى من بين مقترحات ستورا، مواصلة إحياء ذكرى مختلف التواريخ الرمزية للنزاع (اتفاقيات "إيفيان" في 19 آذار/مارس 1962، واليوم الوطني للحركيين الجزائريين الذين حاربوا إلى جانب الجيش الفرنسي في الجزائر، وذكرى قمع تظاهرات الجزائريين في فرنسا في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961)، كذلك إعادة سيف الأمير عبد القادر، قائد المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر، إلى الجزائر، مع اعتراف فرنسا باغتيال المحامي والناشط السياسي علي بومنجل، خلال معركة الجزائر في العام 1957، والتي أقر بها الضابط الفرنسي بول أوساريس، في مذكراته. 

وكذلك، نشر "دليل للمفقودين" الجزائريين والأوروبيين خلال النزاع، وإجراء أبحاث حول التجارب النووية الفرنسية في الصحراء وتداعياتها، وحول زرع الألغام المضادة للأفراد خلال الحرب، وتسهيل تنقل الحركيين وأبنائهم بين فرنسا والجزائر، وتشجيع العناية بالمقابر الأوروبية في الجزائر، ومقابر اليهود، وقبور الجنود الجزائريين المسلمين الذين قضوا أثناء القتال إلى جانب فرنسا خلال حرب الجزائر. 

يأتي في القلب إحراز تقدّم في المسائل المتعلقة بالأرشيفات، بهدف نقل بعضها من فرنسا إلى الجزائر، والسماح للباحثين من البلدين بالاطلاع على الأرشيفات الفرنسية والجزائرية، وتسريع مسار رفع السرية عن الوثائق، مع إعطاء مساحة أكبر لتاريخ فرنسا في الجزائر في البرامج التعليميّة، وتسهيل عمل الجامعيين في مواضيع الذاكرة بين البلدين (تسهيل الحصول على تأشيرات الدخول والاطلاع على الأرشيفات والمساكن وغيرها)، وإعادة تفعيل مشروع متحف تاريخ فرنسا والجزائر، الذي كان من المزمع إقامته في مونبلييه (جنوب) قبل تجميده في العام 2014، ونقل رفات المحامية جيزيل حليمي التي عارضت حرب الجزائر إلى مقبرة العظماء. 

في قلب مقترحات ستورا، إنشاء لجنة فرنسيّة جزائرية حول مصير مدفع "بابا مرزوق" الذي تم استعماله للدفاع عن ميناء الجزائر في العام 1830، وحجزته فرنسا قبل أن تنصبه في ميناء "بريست" (غرب) حيث يوجد حالياً، وإقامة "مواقع للذاكرة" في 4 مخيمات اعتقال للجزائريين في فرنسا.

هنا، يبدي ماكرون بصفته أول رئيس فرنسي ولد بعد هذه الحرب عزمه على حلحلة هذا الملف الشديد التعقيد، ومحاولة تهدئة العلاقات المتقلبة منذ عقود بين البلدين، والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ منذ غزو الجزائر واحتلالها في العام 1830 وإلى حرب الاستقلال. من جهته، كلّف تبون مدير الأرشيف الوطني ومستشاره الخاص عبد المجيد شيخي بالعمل على ملف الذاكرة، بالتنسيق مع بنجامان ستورا، في مقاربة مشتركة ومنسقة بين رئيسي الدولتين.

تبقى هنا العديد من المسائل العالقة، ومن بينها الأرشيف الذي تطالب به الجزائر. وقد نصّ تقرير ستورا على نقل جزء منه إلى الجزائر وتسريع مسار رفع السرية عن الوثائق التاريخية. 

وتنتظر الجزائر من باريس أن تقدم لها "كل" أرشيف الفترة الاستعمارية (1830-1962) المتعلق بها، والذي كانت قد أعادت لها جزءاً منه، لكنّها احتفظت بالجزء المتعلق بالتاريخ الاستعماري الذي يقع، وفقاً لها، تحت سيادة الدولة الفرنسية، فهل تنجح الخطوات السالفة أو تذهب أدراج الرياح كغيرها، وتكون خطوات عزل فرنسية مرّ عليها 6 عقود من دون جديد؟! لننتظر.