النفط يكشف لغز العلاقة بين إيران وأوروبا!
رفضت دول الاتحاد الأوروبي العديد من السياسات العقابية التي مُورست على إيران، ونجحت الأخيرة في أن تكون شريكاً باستثمارات الطاقة مع الكثير من الدول الأوروبية.
تمتلك إيران سجلاً حافلاً في استمالة شركات الطاقة الغربية عموماً، والأوروبية خصوصاً، واستخدامها أداة للضغط على الغرب، في محاولةٍ لتغيير سياساته تجاهها.
في العام 1991، عقدت طهران اتفاقاً مبدئياً مع شركة "كونوكو" الأميركية، تمنح بموجبه حقّ تطوير حقول الغاز والنفط في إيران، ثم بدأت باجتذاب الشركات الأميركية بغية الانفتاح على العالم اقتصادياً، وهي جهود عزّزها تولي محمد خاتمي الرئاسة الإيرانية، وبدأت في العام 1997، إذ قام آنذاك بتشكيل مجموعات ضغط إيرانية في الولايات المتحدة، هي عبارة عن شركات يرأسها دبلوماسيون أميركيون سابقون ومسؤولون في شركات نفط كبرى، مثل "تشفرون" و"إكزون موبل" و"هاليبرتون"، لكن ما لبثت هذه الجهود أن توقفت بعد تولي أحمدي نجاد الرئاسة، لتعود برئاسة روحاني واتفاق "جنيف" النووي.
عندما ألغى البيت الأبيض صفقة المليار دولار بين شركة "كونوكو" الأميركية وإيران في العام 1995، ركّزت الأخيرة اهتمامها على شركات النفط الأوروبية، مثل "توتال" الفرنسية و"أجيب" الإيطالية و"ربسول" الإسبانية.
وتشير بيانات المفوضيّة الأوروبية للعام 2017 إلى أنّ الاتحاد الأوروبي هو المستثمر الأجنبي الأكبر في قطاعي النفط والغاز الإيرانيين، فحجم التبادل التجاري بين إيران والاتحاد الأوروبي في العام 2016 وصل إلى 13,7 مليار يورو، تشكل 4,2 مليار يورو منها قيمة واردات النفط التي يحصل عليها الاتحاد.
وقد دفع تكرار أزمة استيراد الغاز والنفط من الاتحاد الروسي في تسعينيات القرن العشرين الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز جهوده لتنويع مصادر الطاقة من النفط والغاز الطبيعي وتأمين خطوط أنابيب نقلها إلى الدول الأوروبية.
وكان من أهم المشاريع التي سعى الاتحاد الأوروبي لتحقيقها في هذا المجال تمديد أنابيب لنقل النفط والغاز عبر الأراضي التركية من دون المرور بالأراضي الروسية، وهو ما بات يعرف بمشروع "نابوكو"، لكن هذا الهدف، بحسب الدراسات الأوروبية، لن يتحقق على النحو المطلوب أوروبياً من دون أن يشمل إيران، إذ تنطلق هذه الدراسات من أن احتياطي النفط الخام في بحر قزوين لا يمثل سوى 3% من مجموع الاحتياطي المعروف عالمياً، في حين أن حجم الاحتياطي الإيراني، علاوة على الغاز الطبيعي، يكفي لاستمرار الإنتاج بمعدله الحالي (3,6 مليون برميل يومياً من النفط، و158,5 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً) مدة 87 سنة، مقابل 67 سنة في السعودية، و12 سنة في أميركا، و22 سنة في روسيا، وهو دافع مهم لدول الاتحاد الأوروبي لتعزيز علاقاتها مع إيران في مختلف المجالات.
واستمراراً في السياسة الاقتصادية الإيرانية مع الاتحاد الأوروبي، قامت إيران بتوقيع عقد مع شركة "ألف - أكتين" الفرنسية و"أجيب" الإيطالية في العام 1999 بقيمة مليار دولار، لتنمية حقل "درود" النفطي، وهو العقد الذي انتقدته وزارة الخارجية الأميركية.
إلى ذلك، وعقب الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني محمد خاتمي، إلى فرنسا في العام 1999، وقع الطرفان على اتفاقية تقوم فرنسا بموجبها بشحن 100 قاطرة فرنسية إلى إيران، وبلغت قيمة العقد آنذاك 192 مليون دولار، إضافةً إلى طلب إيران شراء طائرات "إيرباص" الفرنسية بقيمة 200 مليون دولار، وهي الصفقة الأهم والأبرز في تاريخ العلاقة الاقتصادية بين البلدين، والتي تعرضت لضغوط أميركية لعدم إتمامها، لكن بدأ تسليم عدد من هذه الطائرات لإيران بعد توقيع الاتفاق النووي.
ونظراً إلى زيادة استهلاك النفط في الدول الأوروبية، شرع الاتحاد الأوروبي في الاستثمار في الصناعات النفطية الإيرانية من أجل ضمان حصوله على النفط على المدى البعيد. وفي هذا الإطار، نجحت إيران في عقد اتفاقيات نفطية مع الشركات الأوروبية على شكل مقايضة، منها على سبيل المثال لا الحصر، اتفاقية إنشاء حقول نفطية مع شركة "توتال" الفرنسية في العام 1995 بقيمة 610 مليارات دولار، واتفاقية إنشاء المرحلتين الثانية والثالثة من حقل غاز "بارس" الجنوبي مع اتحاد شركات مكوّن من "توتال" الفرنسية وغاز "بروم" الروسية و"بتروناس" الماليزية في العام 1997، باستثمارات بلغت نحو ملياري دولار، وأيضاً اتفاقية إنشاء الحقل النفطي "دار خوين" مع شركة "أجيب" الإيطالية في العام 2001، باستثمارات بلغت نحو 548 مليون دولار.
وكان من المقرر عقد اتفاقية إنشاء الحقل النفطي "الأهواز بنجستان" مع الشركة الإيطالية (BP) بقيمة 950 مليون دولار، إلا أن وقوع أحداث 11 أيلول/سبتمبر في العام 2001 حال دون ذلك. وبعد هذه الأحداث، لم تعقد أي اتفاقيات جديدة بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي، على الرغم من المباحثات بين الطرفين، ما يعني أنّ الضغوط الأميركية على الاتحاد الأوروبي كان لها تأثير في اتفاقيات النفط المبرمة مع إيران في هذا الشأن.
ومع إعلان المجتمع الدولي التوصّل إلى اتفاق مع إيران في العام 2015 حول برنامجها النووي، وبدء الحديث عن رفع العقوبات عن اقتصادها، بدأت مختلف شركات النفط والغاز العالمية بفتح باب التفاوض مع الحكومة الإيرانية، في إطار المنافسة الشرسة التي يتوقع أن تشتعل مع رفع العقوبات كاملة بشكل رسمي، وذلك حتى تتمكَّن الشركات الأوروبية والأميركية من الاستثمار في حقول النفط والغاز الإيرانية بشكل مفتوح.
وفي هذا الإطار، أتى إعلان شركة "شل" الهولندية البريطانية، أكبر شركات النفط في العالم، استئناف شراء النفط الخام الإيراني في العام 2016، لتصبح بذلك ثاني شركة نفط كبرى تستعيد العلاقات التجارية مع طهران إثر رفع الحظر بعد "توتال" الفرنسية.
وكانت شركة "توتال" للطاقة قد أعلنت عن إبرام صفقة مع إيران تعدّ من أضخم الصفقات بعد رفع العقوبات الغربية عنها، إذ تضمنت عقداً بقيمة 5 مليارات يورو، أي ما يعادل 4,8 مليارات دولار، وذلك لتطوير المرحلة الـ11 من حقل "بارس" الجنوبي للغاز.
وتبلغ حصة "توتال" من العقد 50,01%، مقابل 19,09% لإيران، و30% لشركة صينية، بحسب وسائل إعلام إيرانية. ووفقاً للشركة، ستصل الطاقة الإنتاجية للمشروع إلى ملياري قدم مكعب يومياً أو ما يعادل 400 ألف برميل من المكافئ النفطي يومياً، وسيضخّ الغاز المنتج في السوق المحلية الإيرانية مطلع العام 2021.
وبناءً على ما سبق، فإن تطور العلاقة الاقتصادية الإيرانية - الأوروبية سيسهم إلى حد كبير في تقليص التأييد الأوروبي لسياسة واشنطن تجاه طهران، ولا سيما بعد أن رفضت دول الاتحاد الأوروبي العديد من السياسات العقابية التي مُورست عليها، وكذلك نجاح الجمهورية الإيرانية في أن تكون شريكاً في استثمارات الطاقة مع الكثير من الدول الأوروبية (كما عكسته الاتفاقيات التجارية التي وقعت بين الجانبين).
مراجع ذات صلة:
- ولداني، أصغر، "العلاقات الإيرانية - الأوروبية بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001"، مختارات إيرانية، القاهرة، العدد 48، تموز/يوليو، 2004.
- "لعبة الطاقة بين إيران والشركات العالمية"، فريق التحرير، موقع "نون بوست" الإخباري، 7/7/2015. http://www.noonpost.org/
, P.4 " European Union, Trade in goods with Iran"- European Commission,2007.
- "لعبة الطاقة بين إيران والشركات العالمية"، فريق التحرير، موقع "نون بوست" الإخباري، 7/7/2015. http://www.noonpost.org/