الطائر الأزرق غير متاح.. ترامب يختبر العزلة
"تويتر" يتخلى عن أكثر رئيس مغرّد في تاريخه وينهي علاقة تخادم متبادلة جمعته به لسنوات، لكنّه يشرّع الأسئلة أمام إشكالية "حرية التعبير" خصوصاً في ضوء ما قاله سنودن الذي دقّ ناقوس الخطر.
نفّذ "توتير" وعيده. علق حساب دونالد ترامب بصورة نهائية. حُرم الرئيس المتمرد من منصته المفضلة وسلاحه الأمضى في توجيه الرأي العام. لم يمض الأمر من دون تداعيات. خسر موقع التواصل الاجتماعي الشهير فوراً 5 مليارات دولار من قيمته السوقية. تراجعت أسهمه بنحو 12 في المئة. بذلك يكون الطائر الأزرق قد أنهى علاقته بالرجل الذي ساهم في رفع أسهمه على مدى سنوات. علاقة تخادم متبادلة انتهت لتفتح الباب أمام سؤال حرية التعبير. حرية لطالما رُوِجت وحيكت حولها سرديات في كل مرة تعلق الأمر فيها بوسائل التواصل الاجتماعي.
سنودن يحذّر
سرعان ما علّق ترامب على قرار "تويتر" بالقول إن "حرية التعبير تتعرض لهجوم مثلما لم يحدث من قبل". وكتب عبر الحساب الرسمي الذي يخصصه "تويتر" لموقع الرئاسة الأميركي: "تويتر ذهب أبعد من ذلك في حظر حرّية التعبير. هذا المساء، قام موظّفوه بالتنسيق مع الديموقراطيّين واليسار الراديكالي بإزالة حسابي من منصّتهم لإسكاتي أنا، وأنتُم الـ75 مليونًا من الوطنيّين العظيمين الذين صوّتوا لي".
القرار أثار أيضاً انتقادات في أوساط الحزب الجمهوري، في حين قال تيري بريتون مفوض الاتحاد الأوروبي إن أحداث الأسبوع الماضي ستؤذن على الأرجح "بعصر جديد من السيطرة الرسمية الأشد وطأة".
إلا أن اللافت هو ما جاء على لسان إدوارد سنودن. مفجّر فضيحة التجسس الأميركي على شعوب العالم قال: "أعلم أن ما حصل مع ترامب سيدخِل البهجة إلى قلوب معارضيه، لكن عليكم أن تتخيّلوا عالماً بعد انتهاء أيام ترامب الأخيرة، حيث سيكون ما حصل مع الرئيس هو الهدف النهائي لعمالقة التكنولوجيا مع كل المستخدمين".
وكان موقع "تويتر" أعلن أنه علّق نهائياً أكثر من 70 ألف حساب مرتبط بالحركة اليمينية المتطرفة "كيو آنون"، مشيراً إلى أنه جمّد هذه الحسابات لمنع أصحابها من استخدام المنصة للترويج للعنف.
كل ذلك دفع ترامب إلى اتهام "تويتر" بالتآمر "لإسكاته" بعد حديثه طيلة الفترة الماضية عن "النشاط المضلل لشركات التواصل" متهماً إياها بـ"الانحياز السياسي" وأنها "تُسكت أصوات المحافظين نهائياً".
البداية كانت منذ أواخر أيار/ مايو 2020 عندما طبق الموقع الأزرق سياسته ضد الأخبار الكاذبة والمفبركة للمرة الأولى على الرئيس الأميركي. آنذاك وضع علامة زرقاء على تغريدة لترامب عن الاقتراع بالبريد وصفها بـ"المضلّلة".
ثم نشر الموقع بعد ذلك تحذيراً غير مسبوق بشأن محتوى إحدى تغريدات ترامب، والتي هدد من خلالها بـ"إطلاق النار على متظاهري ولاية مينيسوتا الذين يحتجون على مقتل مواطن أسمر البشرة على يد الشرطة".
بعد ذلك وضع موقع التواصل الاجتماعي الشهير إشارة "تمجيد للعنف" على تغريدة ترامب بشأن أحداث مدينة مينيابوليس.
لم يقتصر الأمر على تمجيد العنف، ففي منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي علّق "تويتر" الحساب الشخصي للمتحدثة باسم الأبيض بسبب نشرها تغريدة تتضمن رابطاً لمقال يزعم وجود رسائل بريد إلكتروني تشير إلى تورط هنتر نجل بايدن بأعمال فساد مع أوكرانيا عندما كان بايدن نائباً للرئيس السابق باراك أوباما، حيث اعتبر "تويتر" التغريدة مخالفة لضوابطها.
نهاية المنفعة المتبادلة
يسعى "تويتر" وراء مصالحه بالتأكيد، لكنّ خسارته المادية الناجمة عن تعليق حساب ترامب وحسابات عشرات الآلاف من مؤيديه يفتح باب السؤال حول حقيقة السياسات المتبعة من وسائل التواصل الاجتماعي وخلفياتها. في هذا الإطار يحضر كلام إدوارد سنودن وخطورته عن أن ترامب هو فاتحة سياسة جديدة لوسائل التواصل الاجتماعي.
إذا أخذنا الأمور بالمعايير الاقتصادية والمالية البحتة يتضح أن مصالح "تويتر" تضررت من وراء هذه الخطوة. لم تمض ساعات على قرار الشركة حتى خسرت نحو خمسة مليارات دولار من قيمتها السوقية وتراجع سهمها بما يصل إلى 12 في المئة. أثارت الخطوة بواعث قلق في أوساط المستثمرين، حيال تنظيم الشبكات الاجتماعية في المستقبل.
لو كان "تويتر" صادقاً في ما يدعيه عن سياسة النزاهة التي دفعته إلى حجب حساب ترامب وكانت هناك قواعد صارمة يتبعها، لكان من الأجدى أن يتم تطبيقها منذ البداية. فرغم أن ترامب خالف مراراً قواعد "تويتر" وسياسته إلا أن الأمر لم يصل إلى درجة إغلاق الحساب. كان الموقع يضع إشارات تحت تغريدات ترامب التي "تمجّد العنف" لكنّه في مرات عدة كان يرفقها بالعبارة التالية: "قرر تويتر أنه قد يكون في المصلحة العامة أن تبقى التغريدة متاحة". فما هي هذه المصلحة العامة؟
مهما كانت الاعتبارات فلقد أنهى "تويتر" علاقة تخادمية قامت على المنفعة المتبادلة بينه وبين ترامب. على مدى سنوات خدم كلاهما الآخر في مساحة تستحق أن تشكّل مادة للدراسات الإعلامية وحقل التواصل السياسي.
قال ترامب يوماً أنه كان سيلغي حسابه على "تويتر" لو كان في الولايات المتحدة وسائل إعلام عادلة. جنّبه الموقع الأثير على نفسه أسئلة الصحافيين المزعجة وفرض من خلاله أجندته الإعلامية. مع ترامب تحوّل "تويتر" إلى منصة لإعلان مواقف الرئيس الأميركي وقراراته المفاجئة وسياساته الداخلية والخارجية.
بدوره استفاد "تويتر" خلال عهد ترامب من تحوّله إلى مصدر للأخبار، معززاً علامته التجارية بشكل لا يُقارن مع أي سياسي آخر يستخدم منصته.