لماذا ينقم الأميركيون على جامعة المصطفى الأمين؟
تسعى الأجندات الخارجية إلى حجب دراسة المناهج العقلية والكلامية، لتؤسّس مجتمعاتٍ إسلامية على قاعدة (هجر المبتدع)، فتنتج عنها مدارس التكفير المختلفة.
في خطوةٍ تدلّ على مستوى الحَنَق والتّهور والافلاس السياسي، فرضت الحكومة الأميركية عقوباتٍ تتعلّق بــ"الإرهاب" على جامعة المصطفى العالمية في إيران. وبصفتي خرّيجاً مصطفويّاً، أقدّم شهادتي المجروحة من باب الوفاء، فهذه الحاضرة العلمية فخرٌ للعطاء الإنساني والعلمي، إذ تتبنى تدريس كافة المذاهب، بل الأديان الابراهيمية، والفلسفات على اختلافها شرقيةً وغربية. وتكاد تكون هذه الجامعة اليوم القلعة الوحيدة في العالم الإسلامي، التي تعتمد المنهج العقلي والفلسفي، في زمن نسخ الإسلام المتأمرك، والمعاهد الدينية البترودولارية الوهابية التي باضت وأفرخت لتشكّل امتداداً بنيويّاً للأنظمة المتأسرلة، حليفة أميركا.
وفي هذا المضمار، تسعى الأجندات الخارجية إلى حجب دراسة المناهج العقلية والكلامية، لتؤسّس مجتمعاتٍ إسلامية على قاعدة (هجر المبتدع)، فتنتج عنها مدارس التكفير المختلفة، ناهيك بشراء الإمارات لرموز المناهج الأشعرية والصوفية، والاستفادة من اعتدالها لإصدار الفتاوى، وتبرير الانفتاح والتّطبيع مع الصهاينة!
الفضاء المصطفوي المفتوح
هي جامعة المصطفى الأمين، ملتقى جميع الأديان والمذاهب، يتقاطر إليها الطلبة من القارات الست. يعرفها كلّ من انتسب إليها، بدءاً من قاعات التدريس والرّدهات حيث يتزامل الطلبة ويتباحثون، بمختلف فروعهم ومذاهبهم وانتماءاتهم (الجعفري والمعتزلي والأشعري والأباضي والزيدي والصيني الكونفشوسي والتايلاندي والبوذي) على قاعدة الأخوة الإسلامية والإنسانية التزاماً بوصية علي بن أبي طالب المُدوّنة على جدران صفوفها الجامعية: "يا مالك إن الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".
أجواء عزّ نظيرها، تمكّنك حتى لو كنتَ في عداد الباحثين، من الاطّلاع على مناهج الفلسفات المشائية والاشراقية والحكمة المتعالية، والمدارس العرفانية والصوفية. وفي محتويات مكتباتها، وفهرساتها على الانترنت، ستجد العجب العجاب من كنوز المصنّفات والمخطوطات. وأراهن أنها الأولى على مستوى العالم الإسلامي من حيث التنوّع، وتقبّل الآخر، وغزارة المصادر على صعيد الأديان والمذاهب المخطوطة بأقلام أصحابها، ما يؤكد شفافيّة المنهج والإدارة التي تميّز هذه الجامعة عن سواها، إذ لا خوف من البحث والتفكّر، خلافاً لقيود كل الجامعات الدينية (لقد شهدتُ شخصياً، ولمرّتين على التوالي، مصادرة الكتب التي كانت بحوزتي على الحدود بين الأردن وسوريا أو من الطرف السعودي على الحدود الأردنية، فضلاً عن إتلاف مكتبتي بالكامل من قِبل بعض أدعياء التديّن، لمجرد احتوائها على كتبٍ لمفكرين شيعة من أمثال الشهيدين مطهّري وباقر الصدر).
وللأمانة والتاريخ، أسجّل هنا أن جامعة المصطفى بوجهٍ خاص، والحوزة العلمية الشيعية في قمّ المقدسة هي من الصّروح الجامعيّة الأكثر مرونةً من بين الحواضر العلمية الإسلامية، يُسمح فيها التفاعل على مستوى التنوّع العرقي والأيديولوجي، وتُناقش مختلف القضايا الفكرية والدينية، في قالبٍ من الابتكار والابداع. يعود هذا التنوّع إلى روح الحوزة العلمية، القائمة على مبدأ الاجتهاد المتجدّد وحرمة تقليد الأموات.
لماذا ينقمون على المصطفى؟
من هنا، نفهم لماذا الأميركي يروّج السلفيّة ويسهّل طريقها حول العالم، ويؤسس لمجاميع الإرهاب المنبثقة عنها، ويقدّم كل التسهيلات وفق مصلحته، ويقف في وجه الإسلام الرشيد العقلاني المتمكّن فكرياً لمواجهة الغزو الثقافي، والحوار البناء. وإذا به يصبّ جام غضبه على شبكةٍ تربويةٍ أكاديمية بذريعة الإرهاب. وهنا، نتذكّر كلمات مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران الإمام الخميني: "إذا مدحتنا أميركا أو رضيت عنا، فعلينا مراجعة أنفسنا"
إنّ قرار الولايات المتحدة شهادةٌ دامغةٌ بتأثير "جامعة المصطفى" على مشاريع هيمنتها. فهي تصبو إلى بناء جيلٍ من المفكرين والعلماء القادرين على مواجهة منطق الاستكبار، فقد رأيناهم في الساحات والمؤتمرات يدافعون عن مظلومية الشعب الفلسطيني، روّاداً في الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب.
تُعقد الآمال على خرّيجيها للمساهمة في وضع الحلول الاقتصادية للعالم الاسلامي، وامكانية هزيمة النيوليبرالية الأميركية، إذ يدرس طلبَتها في الكتاب الفريد في نظرية الاقتصاد الاسلامي للشهيد باقر الصدر، فضلاً عن الرؤى في الاقتصاد المقاوم الهادف للاستغناء عن أبوية أميركا ناهبة الشعوب. ويمكن مراجعة المقالات العلمية والرسائل والأطروحات، التي تصدرها الجامعة، لنكتشف وقوفها كالسدّ في وجه الاستكبار الأميركي والقرصنة الصهيونية، والدعشنة والتطرف بأشكاله حتى في الدائرة الشيعية ذاتها.
بالله عليكم هل وقفتم على منتسبٍ لجامعة المصطفى صار تكفيرياً، أو إرهابياً، أو فجّر نفسه، أو قاد تنظيماً إرهابياً؟ بل على عكس ذلك، وجدنا العشرات من طلاّبها في مقدّمة الصفوف رداً على احتلالات "إسرائيل"، وفي ساحات الفداء ضد الدواعش وبقية الإرهابيين المُجمَع عالمياً على إرهابهم، فكيف تحكمون؟ في حين يقود حركة بوكو حرام المتوحشة خريج المدارس الاستخبارية التابعة لبندر بن خيزرانة، والعمود الفقري لحركات الذبح والسلخ هم سلفيون معروفةٌ جنسياتهم، خاصةً ممّن يحملون جواز السعودية على رؤوس الأشهاد، ولا أحد يحاسبهم! مع الاحترام لشعبنا المظلوم في الحجاز.
*خريج جامعة المصطفى في الفلسفة والمعارف الاسلامية