رمضان عبدالله شلّح.. المستحيل لم يعد يبعد أكثر من ميل
كان اختيار شلّح أميناً عاماً للجهاد الإسلامي، خلفاً للشقاقي، تأكيداً من الحركة على خيار المقاومة وحلفها الممتد من فلسطين المحتلة إلى لبنان وسوريا وإيران وكل أحرار العالم وثواره وشرفائه.
بعد انتشار خبر وفاة القائد الفلسطيني البارز الدكتور رمضان عبدالله شلح بعد صراع مع مرض عضال، عمَّت صوره مواقع التواصل الاجتماعي. ومن الطبيعي أن يكون رد الفعل الفلسطيني بهذا الشّكل، وخصوصاً أنه ردّ فعل طبيعي على رحيل إنسان قدّم حياته وسنوات عمره لأجل قضية شعبه، وآمن بالمقاومة وقادها، وعمل في سبيل تعزيز ثقافتها بعلمٍ وفهمٍ وحكمة وإيمان بالوحدة الوطنية كضرورة لنجاح المهمة، لكن ليس أي وحدة وأي كلام، إذ لا يمكن أن يلتقي الاستسلام بالكفاح أو أن تلتقي البندقية المقاتلة بالسياسة الانهزامية.
فهم رمضان عبدالله شلح معادلة الصراع فهماً جيداً وجذرياً، فجمع التجارب السابقة ودرسها واستفاد منها، وقدّم نموذجاً مقاوماً محترماً عبر حركة الجهاد الإسلامي، التي كان همّها، ولا زال، فلسطين وتحرير الأرض من الاحتلال الصهيوني.
عرف معسكر الأعداء، وعرف أيضاً معسكر الأصدقاء والحلفاء. اختار معسكره الطبيعي؛ معسكر المقاومة والإيمان بقوة الشعوب وخياراتها التحررية. لم يتنازل حتى في الكلام والتصريحات واللقاءات عن معتقداته السياسيّة المتجذّرة في فهم الصراع والواقع، فالعدو هو العدو، والصديق هو الصديق، والحليف هو الحليف الذي يقدم للفلسطينيين كل أشكال الدعم... ولا خيارات أخرى، إذ لا يمكن لعدوّ هدفه إبادتك أن يكون شريكاً إلا في سلام يكون هدفه إبادتك أيضاً، فما عجز الصهاينة عن تحقيقه في الحرب يجرّبون تحقيقه من خلال ما يُسمى عملية السلام، وبمساعدة من بعض العرب والفلسطينيين.
اختار هذا القائد الفذّ معسكر المقاومة وحلفها المبدئي، فكان جزءاً منه مع حركته التي قدّمت أمينها العام الأول الشهيد فتحي الشقاقي على درب العودة والتحرير، حيث سقط شهيداً في عملية اغتيال جبانة نفّذها الموساد الصهيوني في مالطا في العام 1995. وكان اختياره أميناً عاماً، خلفاً للشقاقي، تأكيداً من الحركة على خيار المقاومة وحلفها الممتد من فلسطين المحتلة إلى لبنان وسوريا وإيران وكل أحرار العالم وثواره وشرفائه.
ربطته علاقة صداقة وأخوة مع السيد حسن نصرالله وقادة حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان. كانت علاقته خاصة ومميزة بالشهيد القائد الفذ عماد مغنية. انظروا ماذا قال الدكتور رمضان عبدالله شلح في الذكرى الثامنة لاستشهاد مغنيّة:
"الحديث عن الشهيد القائد عماد مغنية هو حديث عن رجل استثنائي بكلّ معنى الكلمة. وعندما أتحدَّث عنه، لا أفعل ذلك كمحلّل ومراقب عن بعد، بل أتحدّث عن أخ وصديق عزيز، وعن إنسان متميّز عرفته عن قرب لسنوات طويلة من العلاقة الحميمة والوثيقة، والحافلة بالعطاء والتكاتف في ساحات النضال ضد العدو الصهيوني، سواء تعلّق الأمر بفلسطين أو بكلّ مجرى الصراع مع العدو".
رمضان عبدالله شلح، الضليع في الأدب والثقافة والشعر والعلم والخطابة، كان خطيباً مفوّهاً ولامعاً، وقريباً بصدقه وصراحته من قلوب أبناء وبنات شعبه. كان إنساناً طيباً وصلباً وواضحاً وشفافاً. عرف معنى المعاناة، وعاشها كما كل شعبه الفلسطيني في الداخل وفي الشتات... في غزة تحت الاحتلال الصهيوني على وجه الخصوص، وفي المنافي العربية، حيث يعيش الفلسطيني ظروفاً صعبة ومعقَّدة لا تقل صعوبة عن ظروفه تحت الاحتلال الصهيوني.
كان رجل سياسة ورجل مقاومة. عرف وآمن بأنه ليس الفلسطيني الأول ولا الأخير الذي لم يعرف المستحيل في موضوع تحرير فلسطين، لأنه امتداد لأجيال من القادة والمقاتلين والمقاومين الفلسطينيين الذين قاوموا وناضلوا وضحّوا بكل شيء لأجل فلسطين منذ أكثر من 100 عام من الكفاح والعطاء.
في العام 2018، وبعد أن تمكَّن المرض العضال منه، طلب إعفاءه من قيادة الحركة. تفهّم إخوته ظروفه، وقبلوا طلبه، ثم اختارت حركة الجهاد خليفته ونائبه زياد النخالة - أبو طارق - أميناً عاماً جديداً للحركة. للعلم، فإن زياد النخالة، ابن الشهيد وابن الحركة الأسيرة، لا يختلف كثيراً عن أبي عبدالله شلح. لذا، اختير قائداً للحركة، فهما من الطينة والعجينة نفسها، كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني.
لقد كان نعم الاختيار، ما أراح الدكتور رمضان وهو على فراش الموت، لأنه خيار تعزيز نهج المقاومة وثقافتها، والحفاظ على تحالفاتها وتخندقها وعلاقاتها التي نسجت بالدماء والتضحيات والعطاء والفداء والاستشهاد والالتزام.
سيتذكّر شعب فلسطين هذا البطل الفلسطينيّ الكبير، سليل قائمة طويلة من ثوار فلسطين ومقاوميها. سيحفظ الوعد، ويصون العهد، ويستمرّ في مقاومته حتى تحقيق الحلم الواقعي الفلسطيني في التحرير والعودة والاستقلال.
يا أبا عبدالله، اليوم سنقرأ لك قصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، التي أحببتها وتلوتها في جلسة خاصَّة على مسامع رفيقك القائد الشهيد القدوة والمثال عماد مغنية:
قال: إذا متُّ قبلك، أوصيكَ بالمستحيل.
هل المستحيل بعيد؟ قال: على بعد جيل.
يا أبا عبدالله!
المستحيل سيغدو حقيقة، لأنه على بعد أقل من ميل من جبل عامل إلى الجليل، ومن الشجاعية إلى كلّ فلسطين.