"إنّه من وجود المرأة، يبلغ الرجل معراجه"
تختلف نظرة الإمام الخميني ربما عن الكثيرين في شؤون المرأة، التي قد يرى البعض حرجاً أو استحياءً من أن يدعوها إلى مشاركة الرجل في الميادين كافة.
لعلّ مقولة الإمام الخميني هذه، خير ما نقتبسه من فلسفته ورؤيته لدور المرأة وأهمية التربية في المجتمع.
لقد رأينا صورةً للمرأة في الجاهلية الأولى، لم تكن سوى تجلٍّ لاحتقار هذا الإنسان – المرأة، والنظر إليه بدونيةٍ وعار، ورأينا صورةً للمرأة في العصر الحديث، في النموذج الغربي الاستعماري، ثم الليبرالي، لم تكن أقلّ من نموذج الجاهلية احتقاراً للمرأة وإهانةً لكراماتها التي منحها إياها خالقها.
هذه الثغرة التاريخية في فهم شخصية المرأة وقابلياتها ودورها في الحياة والمجتمع، لم تنفكّ تصاحب السلطات الجائرة والاستكبارية التي وجدت في المرأة المربّي والمعلّم الأكثر فاعليةً في البيت والمجتمع، فراحت تأسره تارةً بأغلال الجهل والظلم والقمع والوأد والقتل، وتارةً بأصفاد التحرّر المسموم الذي لم يحرّر من المرأة إلا جسدها، فبقي عقلها محجوباً أمام إغواء التسليع المادي والنظرة المادية إلى هذا الكائن المقدّس.
ونحن إذ شهدنا بداية النهوض والإصلاح في هذه النظرة مع علمائنا، من أمثال الشهيد مطهّري والدكتور شريعتي تحديداً في رؤيته للمرأة المسلمة الفاطمية، عدنا وشهدنا ذلك القيام العظيم ما بعد ثورة الإمام روح الله الخميني (قده).
منذ عدّة عقود والمرأة الإيرانية تثبت جدارتها في ساحات العلم والعمل والفنّ والفقه، إلى جانب دورها الأساس في التربية. تختلف نظرة الإمام ربما عن الكثيرين في شؤون المرأة، التي قد يرى البعض حرجاً أو استحياءً من أن يدعوها إلى مشاركة الرجل في الميادين كافة، إلا أن الإمام قالها وبدّد تلك الغشاوة التي أساءت فهم الإسلام: "إنه من وجود المرأة، يبلغ الرجل معراجه".
وقد حصدت الجمهورية الإسلامية ثمار تلك العبارة وتلك الفلسفة التي فيها من العدل والتسامح والإسلام ما يدعو إلى التأمل ونفض الغبار عن المعتقدات البالية؛ تلك النظرة التي أكمل مسيرتها الإمام الخامنئي (دام ظله الشريف)، الذي لطالما حثّ المرأة على تبوّؤ أهم مناصب السياسة والعسكر والعدل.
المرأة بعد انتصار الثورة نالت الكثير من حقوقها التي كانت محرومةً منها طوال عصور. وبذلك، أعيدت الصلابة لبنيان العائلة الذي يرتكز على هذا المحور؛ الأم، نصف المجتمع والمربّي الأساس فيه.
كان الإمام الخميني إماماً فقيهاً وعارفاً متبحّراً في معاني الإنسانية الأولى، فكان يرى الأطفال الصغار مظهراً من مظاهر الإنسان الأول، وصورةً عن فطرتنا الأولى الصافية، فكان يشاطرهم اللعب، ويشاركهم أحاديثهم التي كان يعتبرها مهمّة.
أسلوب الإمام مع الأطفال لم يكن محض سلوكٍ لبق. لقد كان انعكاساً لكامل فلسفته ورؤيته للتربية والتنشئة. كان سماحته يرى أن التربية تبدأ من خلال إيجاد "القدوة" في حياة الأفراد؛ القدوة الأم، القدوة الأب، القدوة الحاكم ورجل السياسة، والقدوة رجل الدين. وبالتالي، فإنّ بذرة إصلاح الأجيال والمجتمعات تبدأ من إصلاح الحاكم لنفسه، وإصلاح رجل الدين والفقيه لنفسه، فيكونان بذلك قدوةً يحذو الشعب حذوها، حيث "كما تكونون يولّى عليكم"!.
لقد كان الإمام قريباً من الطفل والمرأة، ليس لضعفهما، وإنما لإدراكه وفهمه لتلك الهوّة الهائلة في تاريخ الوعي لوضعهما في المجتمع، فلا يلتبس على المرء بأنّ الغرب منح المرأة حقّها وكرامتها، وأحسن تربية الطفل وتعليمه! إننا حين نمعن النظر في رؤية الإمام – التي تطابق رؤية الإسلام - للمرأة والطفل، ندرك أنّ شعارات التحرّر والليبرالية الحديثة لا تختلف قيد أنملةٍ عن زمن الجهالة وتاريخ الموؤودة!