عصر الإتجار بالبيانات من الصّور حتى الجينات
مع تطوّر برمجة المواقع الإلكترونية التجارية وأفكارها، تزداد شهية الجهات الأمنية للوصول إلى البيانات الخاصة بالمستخدمين، ثم بيعها بأسعار خيالية لجهاتٍ غير معروفة، فكيف بالحصول على خبايا الجينات الخاصة التي تكشف تاريخ تسلسل الأجداد وأمراض المستخدمين؟!
إنَّ مجرّد دخول المستخدمين إلى مواقع التواصل الاجتماعي يعني موافقتهم على وصول الشركات إلى بياناتهم الخاصة، من الرسائل إلى صور الحساب الرئيسية. ومع تطوّر برمجة المواقع الإلكترونية التجارية وأفكارها، تزداد شهية الجهات الأمنية للوصول إلى البيانات الخاصة بالمستخدمين، كما تزداد الأفكار التجارية للحصول على البيانات مع موافقة المستخدم، ثم بيعها بأسعار خيالية لجهاتٍ غير معروفة، فكيف بالحصول على خبايا الجينات الخاصة التي تكشف تاريخ تسلسل الأجداد وأمراض المستخدمين؟!
تسعى شركة "andme23" إلى توسيع نطاق خدمتها التي تهدف، بحسب موقعها، إلى مساعدة الناس لاكتشاف التسلسل الجيني لعائلاتهم، والمساعدة في الكشف المبكر عن سلسلة من الأمراض، مثل السرطان والألزهايمر، مقابل مبلغ 100$، في وقتٍ كان سعر فحص الوراثة يكلّف مئات الدولارات، ما لم نقل الآلاف.
تخطّط آن وجيكي، الرئيسة التنفيذية للشركة، للحصول على أكبر عددٍ من العينات الجينية حول العالم. تستقبل الشركة الأميركية عينات من مختلف الدول من خلال موقعها، وترسل أنبوب الاختبار إلى مكان سكن الزبون عن طريق البريد. وبعد إرسال عيّنةٍ من اللعاب، تحدّد الأصول العرقية التي يتحدّر منها والمنطقة الجغرافية للأجداد والأنساب.
يبدو أنَّ ارتباط وجيكي بمؤسس "غوغل" سيرجي برين في العام 2007 له تأثير في انطلاق مشروعها، فمعرفة تاريخ جينات العائلات ومواقعها الجغرافية وتاريخها الطبي وتخزينها يصبح شبيهاً بـ"غوغل" طبيّ، وبموافقة المشتركين ورضاهم، فلو أردنا معرفة تاريخ وجيكي العائلي، لاكتشفنا أن والدتها من أصل يهودي روسي.
قد يكون لذلك علاقة بإطلاق البنتاغون تحذيراً لجنوده بعدم إجراء اختبارات الحمض النووي (DNA) من خلال مواقع الاختبار الجيني، لما له من تداعيات ومخاطر أمنية. وعلى الرغم من أنّ الشركة حصلت على الموافقة من إدارة الغذاء الأميركية، فإنَّ البنتاغون يرى أن امتلاك جهاتٍ معاديةٍ للمعلومات الجينية لجنوده يعرّضهم لخطر الابتزاز والاستخدام كجواسيس، وخصوصاً أنّ الجيش الأميركي يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على التنوّع العرقي، وتشكّل العناصر الأجنبية فيه 27% من الذكور و26% من الإناث.
بعد أسابيع من إجراء الاختبار، تتيح "andme23" للمشتركين خدمة التواصل مع الأشخاص الذين توافقت جيناتهم معهم من مختلف البلدان. كذلك يشارك المختبِرون أصولهم على موقع "يوتيوب". وقد تحوَّل الاختبار إلى "تراند" يتناقله المشاهير، ليغدو بمثابة إعلان ناجح لواجيكي، بدعم من شقيقتها سوزان واجيكي، المديرة التنفيذية لـ"يوتيوب".
حاول مشاهير "يوتيوب" العرب تقليد المشاهير الغربيين في تناول الموضوع، ذلك أنَّ الشركة توفر خدماتها لبعض الدول الخليجية، كالبحرين، الكويت، سلطنة عُمان، قطر، السعودية، الإمارات، واليمن. وقد قال أحد مشاهير اليوتيوب العرب، ممن شارك في التجربة، إنَّ الاختبار أظهر وجود أصول سعودية - إسرائيلية في جيناته، لأنَّ الشركة تصنّف الكيان الإسرائيلي ضمن البلدان التي تستطيع المشاركة أيضاً.
إنّ أهداف الشركة ربحيّة، سواء من خلال استقبال أكبر عددٍ من المشتركين أو بيع البيانات لاحقاً لأيّ جهة تقدّم السعر المناسب. وتعد السوق الإسرائيلية مغرية بالنسبة إليها، على خلفية علاقة اليهود بعلم الوراثة واستقدام المستوطنين من مختلف أنحاء العالم للعمل على توطينهم في "إسرائيل".
واليوم، تشكّل أزمة الهُوية لدى المستوطنين الشباب هاجساً داخل الكيان، جراء تفشّي العنصرية بين يهود أوروبا ويهود أفريقيا، إضافةً إلى "صفقة القرن" والعمل على التقارب بين العرب والصهاينة على خلفية التقارب الخليجي - الإسرائيلي.
تدعم "andme23" نظريات تَشابه جينات اليهود. ويكشف الموقع أنَّ الشركة قادرة على معرفة ما إذا كنتَ يهودياً عادياً أم متحدراً من الأشكيناز! وبحسب المقال، إذا لم تحتوِ جيناتك أيَّ رابط، فإن ذلك لا يعني أنك لست يهودياً. ومؤخراً، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريراً يدعم تقارباً في جينات اليهود حول العالم.
في المقابل، تنفي تقارير أخرى وجود نمط يهودي واحد، بل تتحدث عن وجود أنماط يهودية مختلفة، ما ينفي نظرية توحّد جينات اليهود المتشابهة. وفيما يخصّ فرضيّة جين كوهين التي تتحدث عن تحدّر اليهود من كبار كهنة يهوذا، فقد أظهرت الدراسات وجود خلاف كبير في "كروموزوم Y" بين اليهود المقيمين في فلسطين وبقية اليهود حول العالم.
في عصر الإتجار بالبيانات، من الواضح أن مشروع آن وجيكي هو مشروع تجاريّ، ولو ذكر الموقع أنَّه لن يكشف هُوية المستخدمين، فقد ذكر "غوغل" الأمر ذاته سابقاً، ليتبيَّن أنه قام بتسليم البيانات لشركات الإعلانات. لذلك، من المتوقع أن تقوم "andme23" بتسليم البيانات لمن تشاء أو أن تتلاعب بالاختبارات بما يناسب مصالحها، وهو ما يفقدها المصداقية حتى في النتائج.
عملياً، لا يوجد في علم الوراثة ما يربط يهود العالم بفلسطين، كما لن تجد ما يربط أصول الأميركيين بالهنود الحمر.