مشروع السلطنة في سوريا.. حُلُم إبليس بالجنّة!
باتت المنطقة الآمِنة شمال سوريا كما يشتهيها إردوغان في خَبَرِ كانَ وأوهامه بأن يكون "السلطان العثماني" الجديد اندثرت. فهل يُعيد هذا الحَدَث المهمّ، الأمل لدى السوريين بعودة لواء إسكندرون السّليب إلى السيادة السورية؟
ليست أميركا مَن أوقفت العدوان التركي عبر الاتّفاق المُبرَم مع تركيا، فقد اتّضح بوقائع الميدان أنّ الاتفاق حبرٌ على ورق وهدفه أن يظهر الرئيس الأميركي قويّاً وصادقاً في وعده بـ"أميركا أوّلاً"، أيّ أنّ لأميركا فقط السّلطة كي تسمح وتمنع وقوع أيّ شيء، إلاّ أنّ ترامب الفاشِل أظهر أميركا مُجدّداً بلا "عهدٍ ولا ميثاق". فالعدوان التّركي لم يتوقّف بتاتاً رغم الإعلان عن الاتفاق على تلك الورقة البَاليةٍ.
فالأيّام بيّنت بالدّليل القاطِع أنّ القادِر على فرض قراره وسلطته هي صاحبة الأرض وهي سوريا، فجاء اتّفاق الحليف الروسي مع العدوان التّركي بعد ساعات من زيارة مُفاجئة وذات قرارات مصيريّة للرئيس السوري بشّار الأسد لبلدة الهبيط الاستراتيجية في ريف إدلب، مُتقدّماً الصفوف الأماميّة متوسّطاً جنوده، موجّهاً رسائل عدّة إلى تركيا ودول العدوان العالمي، ففي الميدان أكّد أنّ تحرير إدلب أساس، وعسكريّاً أنّ إدلب ستعود إلى الدّولة السورية مثل باقي المناطق المُحرَّرة، واصِفاً إردوغان ب "اللص والعبد للأميركان".
هذا الاتّفاق كان فَاعِلاً من جهة التّنفيذ، فالعدوان أَوْقَفَ عملياته العسكرية من جهة احتلال مزيد من المناطق واكتفى بمواصلة القصف والسرقة للمناطق المحيطة بمستوطناته، في وقتٍ أكّدت فيه الدفاع الروسية "لا يوجد الآن قتال حقيقي في سوريا وأنّ كل شيء مُتوقِّف"، تلاه دخول الشرطة الروسية إلى عين العرب الحدودية للمُراقبة، ومواصلة الجيش العربي السوري تثبيت نقاطه في الرّقة وغيرها من المناطق. تلا كلّ ذلك تواصل انسحاب ميليشا "قسد" التي فشل رهانها على استجلاب حماية الأميركي الذي تخلّى عنهم بأسرع ممّا هو مُتوقّع. وبهذا الاتفاق، أعاد الحليف الروسي القويّ ترتيب الأوراق وإرغام إردوغان على العودة وتفعيل ورقة "اتفاق أضنة" التي تضبط الحال الأمنية بين سوريا وتركيا.
انتهى حُلم السلطان العثماني الجديد بإعلان قبرص جديدة شمال سوريا تحت مُسمّى "منطقة آمِنة" بذريعة "حفظ الأمن القومي التركي". إنهاء السيطرة الكردية شمال سوريا ليس عَين مُراد النّظام التّركي، الأهمّ لدى تركيا هو المستوى العسكري وحجم هيمنتها، فنتائج العدوان تُظهِرُ "الفشل الذّريع". فأهمّ النقاط من الهجمة الإرهابية على سوريا كانت لإعلان المنطقة الآمِنة تحت "الهيمنة التركية" ليكون إردوغان "السّلطان القوي"، فبحسب ما قاله المسؤولون الأتراك بتاريخ 09-10-2019 إن العملية تهدف إلى "إنشاء منطقة آمِنة تمتد من نهر الفرات غرباً -حيث مدينة جرابلس- حتى المالكية في أقصى شمال شرقي سوريا عند مثلّث الحدود التركية العراقية، بعُمقٍ يتراوح بين 30 و40 كيلومتراً، وعلى امتداد يُقدَّر بنحو 460 كيلومترا".
خَسِرَ إردوغان رهاناته في سوريا التي أعلنها منذ 2011، فلم يعد بإمكانه الذّهاب وأعضاء حزبه إلى دمشق للّقاء بـ"إخوتهم السوريين" و تلاوة "سورة الفاتحة فوق قبر صلاح الدين الأيوبي"، وأداء الصّلاة في باحات جامع بني أميّة الكبير، وزيارة تربة الصحابي بلال الحبشي والإمام إبن عربي، وزيارة الكلية السليمانية ومحطة الحجاز، أمّا سلطنته القبرصية شمال سوريا فلن تقوم وحلفاؤه في حلف الناتو تركوه وحليفه الأميركي لم يبق مُحتلّاً لجزءٍ كبيرٍ من الأراضي شمال سوريا. فحتّى صبيحة يوم اتفاقه مع الروس، تلقّى رسالة دمشقيّة نسفت أحلامه المُتبقيّة بـ"سلطنة إدلبيّة" على أقلّ تحت سيطرة الإرهابيين المدعومين منه.
بعد فشل العدوان التركي وعودة عدّة مناطق شمالاُ إلى السيادة السورية، لم يتوقّف الحديث عن عودة الأمل للشعب السوري بعودة لواء إسكندرون السّليب الّذي تحتلّه تركيا منذ عشرات السّنين. ليس هذا أمل المواطنين السوريين فقط، بل حتّى قيادتهم، ففي نشرة المسائية عبر الميادين بتاريخ 17-10-2019 أطلّت مُستشارة الرّئيس الأسد الدكتورة بثينة شعبان وقد ظهرت على يسارها خريطة سوريا تضمّ لواء إسكندرون، ما اعتبره الإعلام التركي المؤيِّد والمعارِض تصعيداً ضدّ نظام إردوغان ورسالة بأن دمشق مُتمسّكة ليس فقط بطرد القوات التركية الغازية حالياً لشمال سوريا، وإنّما باستعادة لواء إسكندرون السليب منذ عام 1939.
المُنْتَصِرُ من كلّ ما حصل، هو سوريا مع حلفائها، أقصد محور المقاومة مع الحليف الروسي، فميدانياً دخل الجيش العربي السوري وثبَّت نقاطه في عدد من المناطق شمالاً من دون قيامه بعمليّةٍ عسكريةٍ، والشرطة الروسية دخلت لتفرض الحماية الأمنية في عين العرب الحدودية وتكون صمّام الأمان تطمئنّ دمشق أنّ المحتلّ العثماني أردوغان لن يحتلّها ويضمّها إلى مستوطناته التي ستتحرَّر قريباً. سياسياً، سوريا مع حلفائها باتوا الأقدر الآن على فرض معادلاتهم أمام مختلف المعارضات وعلى تركيا نفسها، لأنّ ورقة الكرد لم تعُد موجودة على طاولة الحوار ومناطق سيطرة الإرهابيين تقلّصت أكثر، والاحتلال الأميركي غادر معظم المناطق التي احتلّها والمعادلات الميدانية تغيَّرت لصالح دمشق وكفّة الميزان رجحت إليها.