العدوان التركي على سوريا.. ربّ ضارّة نافِعة

ما كان ينتظره رجب طيب إردوغان من عدوانه على الشمال السوري ليس هو ما ناله، حسابات الرئيس التركي هذه المرة كانت خاطئة إلى أبعد الحدود، فكيف ستكون نهاية العدوان هذه المرّة يا تُرى؟

صحيح أنّ العدوان التركي الغاشِم على الأراضي العربية السورية تسبَّب بدمارٍ وخرابٍ وأدَّى إلى ارتقاء عشرات الشهداء وإصابة عدد كبير من المدنيين ونزوح آلاف آخرين. لكن على صعيد آخر يمكننا الحديث أنّ هذا العدوان فاشِل جدّاً ونتائجه كانت لتكون أقلّ ضَرَرا لو أنّ الجيش العربي السوري انتشر على الحدود واستعاد منطقة شرقي الفرات.
المُتابِع للعمليات العسكرية يُدرِك جيّداً أنّ كامل مناطق الشمال السوري من إدلب إلى غيرها من المناطق كانت ستُحرَّر على يد الجيش العربي السوري وحلفائه إمّا عن طريق التسويات وهو الأمر الأصعب بسبب وجود احتلال تركي وأميركي وميليشيات "قسد" الانفصالية والجماعات الإرهابية المُسلّحة، أو عن طريق العمليات العسكرية وهو حلّ في جانبٍ كبيرٍ سيّىء جدّاً لكن لم يكن منه مفرّ بتاتاً.
لكن ما حصل حقيقة هو واقع ميدانيّ مُفاجئ قَلَبَ الطاولة على الجميع، فحتّى دمشق لم تكن تتصوَّر هذا. المُستشارة السياسية والإعلامية للرئاسة السورية الدكتورة بثينة شعبان نفت الخميس الماضي ضمن نشرة المسائية عبر قناة الميادين عِلم دمشق بالعملية، وقالت إن التصريحات التركية بعيدة عن الحقائق حول إبلاغ دمشق عن طريق الحليف الروسي.
من هنا نستنتج أنّ العدوان التركي صبَّ في مصلحة الدولة السورية وحلفائها بصفةٍ كبيرةٍ ومُفاجِئة، فمَن كان ليتصوَّر أن يخرج عشرات الجنود والآليات العسكرية للاحتلال الأميركي الذي احتلّ مناطق كثيرة شمال سوريا منذ سنوات بتواطؤٍ دوليّ وعَمَالة من ميليشيا "قسد" من دون أن يحصل أيّ اشتباك مع الدولة السورية، أو مناوشة ولو بسيطة بينهما.
ومَن كان ليضع حتّى فرضيّة صغيرة أنّ الجيش العربي السوري سيُنجِز اتفاقاً مع ميليشيات "قسد" الإنفصالية ويدخل عديد المناطق الهامة جدّاً في الشمال السوري، أبرزها القرى والبلدات في ريف الحسكة ومدينتيّ منبج وعين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي وبلدة عين عيسى ومدينة الطبقة ومطارها العسكري الإستراتيجي في ريف الرقة بتلك السهولة من دون أن يفتح النار أو يُرسِل تعزيزات عسكرية للدخول في حربٍ كُبرى تؤدّي إلى أعدادٍ غير معروفة من الشهداء والجرحى من الجيش والحلفاء.
ناهيك أيضاً، أنّه وبعد أكثر من 8 سنوات، كان لدخول الجيش العربي السوري وسيطرته على تلك المناطق في الشمال السوري تغطية إعلامية شبه مؤيّدة في الإعلام العربي عموماً والغربي خصوصاً، ولكم أن تتابعوا تقريراً بتاريخ 16-10-2019 حول التغيّر الواضح في لغة وسائل الإعلام الفرنسية والغربية تجاه سوريا، والتي وصلت حدّ قول "تي أف 1" الفرنسية أنّه يمكن أن يكون الرئيس السوري بشّار الأسد مُنقِذاً للكرد. لو عدنا قليلاً إلى الوراء فقد كانت كافة الوسائل الإعلامية العربية والعالمية تصف كلّ عملية عسكرية يقوم بها الجيش العربي السوري وحلفاؤه ضدّ الجماعات الإرهابية المُسلَّحة بـ"الإرهاب" وتقيم الدنيا ولا تقعدها من التضخيم الإعلامي وتسعى حدود تلفيق التِهَم الكاذِبة باستعمال الكيميائي في عديد المرات، كما حصل في تمثيلية خان شيخون بتاريخ 04-04-2017.
أمّا سياسياً، فأمر قَطْعيّ أنّ ما جرى ويجري حتّى اللحظة من سيطرة الجيش العربي السوري على مناطق في الشمال السوري، سيصبّ في مصلحة دمشق وحلفائها إن كان في نقاشات أستانة مع قوى المعارضات المختلفة، وأيضاً سيكون له التأثير الكبير والواضح على عمل اللجنة الدستورية التي أُقرّت منذ فترة. فكلّما رجحت الكفَّة للدولة السورية كانت أقوى في فرض مُعادلاتها وقراراتها على هذا الصعيد وحتى على الصعيد الإقليمي والدولي.
فهذه المرة رأينا العكس في كلّ شيء، لا إردوغان جنى من عدوانه ما أراد وما كان يحلم وينتظر، ولا الاحتلال الأميركي بقيَ في الشمال السوري ودام مقامه كما كان يتصوَّر أيّ شخص، ولا وسائل الإعلام العربية والدولية بقيت على موقفها من شرعية الدولة السورية وحقّها المشروع في تحرير أراضيها، حتّى الجامعة العربية نفسها وبعد نوم وسبات كبيرين خرجت في اجتماعٍ عاجلٍ بعد أكثر من 8 سنوات لتؤكِّد "حقّ سوريا في الدفاع عن نفسها" والمقصود في بيانها صراحة "قيادة الرئيس السوري بشّار الأسد".
هنا يمكن أن نجزم بشيء من الصراحة، لم يكذب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في رسالته إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حين قال له "لا تكن مُتصلّباً، لا تكن أحمقاً"، إلاّ أنّ أردوغان رمى بالرسالة في سلَّة المُهملات كما تمّ الإعلان عنه لكنّه سمع نصيحة صديقه ترامب، فرمى الرسالة ظاهر الحال، إلاّ أنّه حَذَفَ لامَ النّهي وحَرْف التّاء وقرأ الرسالة هكذا "كن مُتصلّباً، كن أحمقاً". فكانت الحال أنّ إردوغان تشدَّد وتصلَّب في قراره وفعل فعلته بالعدوان على سوريا، إلاّ أنّه كان أحمقاً لوضعه تصوّراً أنّ الموقف الإقليمي والدولي سيكون معه كما كانت الحال في جانبٍ كبيرٍ في عدوانه بعمليتيّ "درع الفرات" و"غصن الزيتون".
وخير مثل عربيّ يُمكن أن تتَّصف به القيادة في تركيا بعد هذا العدوان الفاشل في التحضير، والفاشل في تحقيق نتائجه، والفاشِل أيضاً في التّخيّلات الإردوغانية هو "جنت على نفسها براقِش".