"إسرائيل" وفرص إقامة قاعدة عسكرية في أرض الصومال؟

وجود قاعدة عسكرية إسرائيلية في أرض الصومال يعني أن "إسرائيل" ستكون قريبة من اليمن ومن الدول العربية والأفريقية كافة التي ستصبح في مرمى ودائرة الاستهداف الإسرائيلي. 

  •  فرص إقامة
    فرص إقامة "إسرائيل" لقاعدة عسكرية في أرض الصومال لا تبدو مستحيلة أو مستبعدة.

أفضى الاتفاق الذي وقّعته أرض الصومال مع إثيوبيا في الأول من كانون الثاني/يناير 2024، والذي بموجبه تمنح أرض الصومال إثيوبيا مرفأ على البحر الأحمر يُطلّ على خليج عدن؛ إلى جملة تطوّرات ومتغيّرات ومطامع، وكان واحد من أهم المتغيّرات فتح شهية "إسرائيل" من أجل التغلغل في القارة الأفريقية عبر بوابة أرض الصومال. ومن خلال إقامة قاعدة عسكرية إسرائيلية هناك مع كلّ ما يترتّب على ذلك من تبعات وتداعيات.

بدأ كتسريب أكثر منه كخبر، كشف موقع "ميدل إيست مونيتور" في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2024؛ أن "إسرائيل" مهتمة بإنشاء قاعدة عسكرية في أرض الصومال، بوساطة الإمارات العربية المتحدة. وكانت بوابة "إمارات ليكس" قد أفادت بأن الإمارات تتفاوض مع سلطات أرض الصومال حول السماح للإسرائيليين بدخول القواعد العسكرية، وبحسب مصادر البوابة فقد أكدت الإمارات لقيادة أرض الصومال أن حكومة "بنيامين نتنياهو" مستعدّة للاعتراف بوضعها الرسمي، ما سيفتح الطريق أمام إقامة علاقات ثنائية. 

لسنا أمام مجرد بالون اختبار؛ والأمر يحتمل ثلاث قراءات، الأولى: أن تمرير "إسرائيل" لأفريقيا هذه المرة يمرّ من خلال ذراع الإمارات ومن خلال إقامة قاعدة عسكرية إسرائيلية وليس مجرد تطبيع أو علاقات سياسية؛ وهو ما لم تنفه الإمارات أو حتى أرض الصومال، الثانية: أننا أمام عملية ابتزاز وأداتها استراتيجية قديمة اعتمدتها "إسرائيل" تجاه أفريقيا والدول العربية وهي "شدّ الأطراف"، وتستهدف هنا تعزيز انفصال أرض الصومال على غرار الدور الإسرائيلي في تقسيم السودان، هذا من جهة ومن جهة أخرى ابتزاز الصومال للذهاب لإقامة علاقات طبيعة تطبيعيه كاملة مقابل وقف اعتراف "إسرائيل" بأرض الصومال. 

أما القراءة الثالثة: فتتعلّق بتوقيت الحديث عن إقامة قاعدة عسكرية في أرض الصومال بالتزامن مع استمرار الحرب على غزة ولبنان ومساندة أنصار الله في اليمن للحرب. وما ترتّب على ذلك من تبعات وتداعيات أفضت لتأكّل الردع الإسرائيلي من جهة، وضمور التطبيع والتمدّد الإسرائيلي عربياً وأفريقياً من جهة أخرى. وبالتالي وصول "إسرائيل" إلى أرض الصومال يعدّ رافعة للتراجع ولا سيما في هذا الوقت.

التلويح الإسرائيلي بإقامة قاعدة عسكرية في أرض الصومال كان يمكن استبعاد تحقّقه، لو لم يأتِ على ذكر الإمارات ومساندتها لـ "إسرائيل" في ذلك، لأنّ هناك أرضية للإمارات في أرض الصومال وتحديداً في ميناء بربرة في خليج عدن؛ وقد بدأت الإمارات بالعمل هناك منذ عام 2017، وتحديداً في 13 شباط/فبراير 2017، وافق برلمان جمهورية أرض الصومال على إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بربرة. لاحقاً وبعد عامين جمّدت أرض الصومال عقد الاتفاق مع الإمارات؛ ولكن يبدو أن الإمارات هذه المرة تودّ العودة وإعادة "إسرائيل" أيضاً.

تطرح احتمالية إقامة قاعدة عسكرية إسرائيلية في أرض الصومال عدة تساؤلات، أهمها لماذا تسعى "إسرائيل" لذلك؟، وما التبعات والتداعيات المترتّبة على ذلك؟، ولماذا أرض الصومال مع العلم بأن هناك قواعد عسكرية واستخباراتية إسرائيلية في بعض الدول الأفريقية؟

أرض الصومال ليست مجرد بقعة جغرافية شاردة أو شاذة، وفي عُرف الجغرافيا السياسية فإن موقعها يُعدّ كنزاً استراتيجياً؛ وتقع أرض الصومال في موقع استراتيجي على الشاطئ الجنوبي لخليج عدن، وعلى أحد أكثر طرق التجارة ازدحاماً في العالم، عند مدخل مضيق باب المندب المؤدي إلى البحر الأحمر وقناة السويس. ولها ساحل طويل على خليج عدن يمتد بطول 740 كيلومتراً. ويسمح تموقعها شمال خط الاستواء بمرور الشمس بها عمودياً مرتين في السنة، وتشتهر بسلاسلها الجبلية التي يصل ارتفاع بعضها إلى 7 آلاف قدم. ويقع إقليم أرض الصومال شمال غرب دولة الصومال، وتبلغ مساحته 176 ألفاً و119 كيلومتراً مربّعاً، تحدّه من الجنوب والغرب إثيوبيا، ومن الشمال الغربي دولة جيبوتي، ومن الشمال خليج عدن، ومن الشرق إقليم بونتلاند. 

وبالتالي أيّ وجود أو تموضع إسرائيلي في أرض الصومال يعني التغلغل في كل منطقة القرن الأفريقي أولاً؛ ووضع اليمن في عين العاصفة ثانياً، بل إنه في هذا التوقيت فإن اليمن هو الهدف الأهم والأول ولا سيما بعد معركة طوفان الأقصى. بالإضافة إلى ذلك فإن موقع أرض الصومال يوفّر ما يمكن وصفه ببرج مراقبة للملاحة في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.

وتقع أرض الصومال على بعد أقلّ من 400 ميل من ميناء الحديدة في اليمن، ومن شأن إقامة قاعدة عسكرية إسرائيلية هناك أن تقصّر المسافة التي تحتاجها "إسرائيل" لمهاجمة اليمن. يُذكر أنه في 29 أيلول/ سبتمبر 2024، عندما شنت الطائرات الإسرائيلية عدواناً على اليمن وتحديداً على ميناء الحديدة كان عليها أن تقطع مسافة 1800 كيلومتر للوصول إلى اليمن.

ووجود قاعدة عسكرية إسرائيلية في أرض الصومال يعني أن "إسرائيل" ستكون قريبة من اليمن ومن الدول العربية والأفريقية كافة التي ستصبح في مرمى ودائرة الاستهداف الإسرائيلي. 

تخطيط "إسرائيل" لإقامة قاعة عسكرية في أرض الصومال، سيؤدي إلى عملية تغلغل إسرائيلية في منطقة القرن الأفريقي من شأنها زيادة التوترات في منطقة متوترة بالأساس. وإن حدث ومرّت "إسرائيل" إلى أرض الصومال مقابل الاعتراف بسيادة الإقليم واستقلاليته، فإن ذلك يُعدّ رافعة جديدة لـ "نتنياهو" وإحياء لقطار التطبيع الذي توقّف منذ معركة طوفان الأقصى؛ ويعني إعادة "إسرائيل" إنتاج سياسة شدّ الأطراف في القارة الأفريقية، الأمر الذي قد يُفضي لظهور قطع دومينو جديدة؛ وبالتالي أي أقلية تريد الانفصال تُطبّع مع "إسرائيل" مقابل الاعتراف بها، الأمر الذي يُهدّد الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي ويخلّ التوازن فيها.

 ويتوقّع أن تذهب "إسرائيل" إلى ابتزاز جمهورية الصومال للتطبيع رسمياً معها مقابل وقف الاعتراف بإقليم أرض الصومال. وفي النهاية ستحصل على ما تريده من توغّل وتغلغل. وهذا مخطط تتقاطع فيه "إسرائيل" مع إثيوبيا، ما يعني أن توافقاً ما قد يحدث بينهما لابتزاز مصر والسودان وبقية الدول التي لا تدور في فلك محدداتهما، وبالتالي ستشهد منطقة القرن الأفريقي حالة من التجاذبات السياسية معامل التأثير فيها ستكون "إسرائيل". من دون إغفال التجاذبات الدولية الحاصلة في تلك المنطقة بين الصين وروسيا والولايات المتحدة.

تطلّع "إسرائيل" للتغلغل في أرض الصومال ليس وليد اللحظة، ففي عام 2010 صرّح إيغال بالمور، وكان يشغل منصب المتحدّث الرسمي للخارجية الإسرائيلية، بأن "إسرائيل" مهتمة بإعادة العلاقات مع أرض الصومال. وذكّر بالمور في حديث مع صحيفة "هآرتس" بأن "إسرائيل" كانت أول "دولة" تعترف بأرض الصومال. في المقابل، كانت أرض الصومال غير المعترف بها ترسل إشارات إيجابية أيضاً، وكانت من أولى الدول التي اعترفت باتفاقيات أبراهام.

كذلك من النتائج المتوقّع أن يُفضي إليها تموضع "إسرائيل" في أرض الصومال من خلال إقامة قاعدة عسكرية، إعادة إنتاج السيناريو ذاته الذي حدث مع السودان وأفضى الدور الإسرائيلي هناك إلى تقسيم أكبر بلد عربي من حيث المساحة، وهو أمر معلن بالمناسبة وموثّق، وتتبجّح به "إسرائيل"؛ وقد أعلنت في تشرين الأول/أكتوبر 2025، بأن "الموساد" كان له دور كبير في تقسيم السودان، وجاء ذلك في كتاب تحت عنوان "مهمة الموساد في جنوب السودان"، وفي الكتاب توثيق لكلام سفير جنوب السودان لدى "إسرائيل"، عند تقديم أوراق اعتماده للرئيس الإسرائيلي "رؤفن رفلين"، في كانون الأول/ديسمبر 2014، يؤكد فيه أن "جنوب السودان أقيم بفضلكم، ولقد ولد الجنوب بفضل دولة إسرائيل والجنرال جون". 

وبالتالي ليس من المستبعد تكرار السيناريو ذاته مع أرض الصومال، التي تستعدّ لإجراء انتخابات رئاسية وحزبية هي السابعة في تاريخ الإقليم؛ في 13 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وبالتالي قد تستغلّ "إسرائيل" تغيّر الانتخابات هذا لتثبيت الاختراق مقابل الاعتراف.  

إن فرص إقامة "إسرائيل" لقاعدة عسكرية في أرض الصومال لا تبدو مستحيلة أو مستبعدة، مع ما يترتّب على ذلك من تبعات وتداعيات استراتيجية تتجاوز الجغرافيا التقليدية للصومال، وتضع كلّ منطقة القرن الأفريقي والدول المطلة على البحر الأحمر في دائرة الاستهداف، وإن مخاطر ذلك تقتضي أن تتداعى الدول المعنية كافة لمواجهة هذا التغلغل الإسرائيلي وإيقافه حتى لا يتمدّد ويتوغّل.