يسألونك عن الانتخابات الإيفوارية!

لم يكن التوتر والمخاوف التى أحاطت بانتخابات الكوت ديفوار استثناء… فلا تخلو المشاهد الراهنة للانتخابات الأفريقية من استدعاء الذاكرة لعنف انتخابي سابق.

0:00
  • يسألونك عن الانتخابات الإيفوارية!
    يسألونك عن الانتخابات الإيفوارية!

هشاشة الأوضاع السياسية في العديد من دول القارة الأفريقية وضعف البنيات التمثيلية والقوام الديموقراطي فيها جعلا المواسم الانتخابية في هذه الدول سانحة لاستثارة النعرات والخلافات والعنف، وظل المراقبون يضعون أيديهم على قلوبهم مع كل إعلان عن انتخابات أو عن نتائجها على شاكلة التوتر والتخوف الذي أحاط بانتخابات كوت ديفوار في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي والتى يتوقع إعلان نتائجها في غضون أيام قليلة.

وإذا كانت القارة الأفريقية تأمل أن تحقق مبادرة إسكات أصوات البنادق أهدافها بحلول عام2020 قبل تمديدها إلى عام 2030 فإنه من الواضح أن أفريقيا سوف تنتظر طويلاً إسكات أصوات بنادقها، ما دام هاجس عنف مواسم الانتخابات قائماً ووارداً… ولا بد لأفريقيا إزاء ذلك أن تحصّن تجربتها بإغلاق نوافذ التهرب من تحديد فترات الرئاسة، وتجنب إضعاف المحاكم الدستورية وإضعاف استقلال اللجان والهيئات المعنية بإدارة الانتخابات.

نالت انتخابات كوت ديفوار اهتماماً محلياً وإقليمياً ودولياً، فالبلاد من أقطار القارة الأفريقية المهمة، وهي كذلك في محيطها الإقليمي، وهي من بين أسرع الاقتصادات نمواً في المنطقة وأكبر منتج للكاكاو عالمياً وللبن وزيت النخيل، وتسجل تعافياً اقتصادياً ملحوظاً ونجاحاً في جذب الاستثمارات، وهي بذلك قوة اقتصادية لدفع عجلة التنمية، ومحرك للتكامل الإقليمي ولاعب كذلك في جهود مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية.

وعلاوة على ذلك فإن مبعث الاهتمام بتطوراتها تأتى على خلفية ما شهدته البلاد من أحداث جسام وحروب أهلية في الانتخابات السابقة، وقد نشرت الحكومة 44 ألفاً من عناصر قوات الأمن، كما افتتحت أكثر من 25 ألف مكتب تصويت، بينما تشارك في مراقبة الانتخابات 64 منظمة وهيئة، وفي مقدمتها الاتحاد الأفريقي وإيكواس عبر بعثة قوامها 200 مراقب يرأسها الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان...

وشارك في الانتخابات التى جرت وسط إجراءات أمنية مشددة واحتجاجات متفرقة بيامسكرو ومدن أخرى، رغم الحظر المفروض على التظاهرات، أكثر من 8 ملايين ناخب مسجل، ومن بين 60 طلباً للترشح تمت إجازة واعتماد خمسة مرشحين، فقط حيث تصدّر السباق الرئاسي الرئيس الحالي الحسن واتارا مرشح "تجمع الهوفويتيين من أجل الديمقراطية والسلام " مستنداً إلى ما يقرب من 15 عاماً من الاستقرار والنمو الاقتصادي، وقال إنه يلبّي في فترته الرابعة والأخيرة نداء العديد من الإيفواريين لمواصلة ذلك المسار.

وتقول حملة أوتارا إن الولاية الرابعة سوف تركز على جذب الاستثمارات الخارجية لتوفير فرص عمل لنحو 400 ألف متخرج سنوياً، بينما ترى المعارضة في ترشيحه خرقاً للدستور رغم قرار المجلس الدستوري عام 2020 الذي اعتبر أن دستور عام 2016 أعاد احتساب عدد الولايات الرئاسية من جديد، وتنافس واتارا السيدة الأولى السابقة سيمون غباغبو مرشحة "حركة الأجيال القادرة" رافعة شعار المصالحة الوطنية وإعادة دمج المنفيين والاستقلال النقدي عبر الاستعاضة عن الفرنك الأفريقي بعملة إقليمية، وتدعم المرشحة دول تحالف الساحل وتتبنى خطاباً اجتماعياً وديمقراطياً.

كما ترشح المرشح المستقل والقيادي السابق في حزب الشعوب الأفريقية اهوا دون ميلو، منادياً بإصلاحات دستورية وبتوسيع المشاركة السياسية، أما أصغر المرشحين فهو جان لويس بيلون وزير التجارة السابق عن حزب المؤتمر الديمقراطي، والذي يُنظر إلى ترشيحه كرغبة وتطلع لتجديد النخبة السياسية وضخ دماء جديدة فيها، ويقف المرشح داعماً للقطاع الخاص وتحفيز الاستثمار، وهناك أيضاً المرشحة السابقة لرئاسية 2015 هنريت لاغو التي تخاطب شرائح النساء و الشباب، وتربط ذلك التفاعل بقضايا معيشية وبضرورات توسيع شبكات الأمان الاجتماعي.

ولئن كان هؤلاء أقل شهرة من الرئيس الحالي، فقد رُفضت ترشيحات من العيار الثقيل كطلب الرئيس السابق لوران غباغبو زعيم حزب الشعوب الأفريقية، والذي تقدم بشكوى للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، طاعناً في ما تعرض له من إقصاء، إلا أن اللجنة لم تسنده وتدعم طلبه لأسباب متعلقة بأحكام وإدانة قضائية سابقة، وحُرِم كذلك القيادي تيجان تيام رئيس حزب الديمقراطيون لجنسيته الفرنسية.

وسوف تُجرى جولة إعادة للمتصدرين في حال عدم الحصول على أكثر من 50 في المئة، وفي الوقت الذي يتحدث فيه إعلام الرئيس واتارا عن استقرار وتنمية وإعادة تموضع إيجابى لمركز البلاد في إقليم ينوء بالصراعات والتغيرات غير الدستورية وصراعات القوى الكبرى والإقليمية، وملامسة البلاد لأخطار التنظيمات المتطرفة في منطقة الساحل، فإن دوائر وإعلام المعارضة يرى أن التنمية غير حقيقية، إذ لا تصل إلى الجماهير وأن البلاد قد أُرهقت وناء كاهلها بقروض المؤسسات الدولية.

وقد بدأت لجنة الانتخابات في إعلان النتائج الأولية التى وصلتها من المراكز الخارجية، ولوحظ فيها كما هو متوقع تقدم الرئيس الحسن واتارا في خمس محطات هي جمهورية الكونغو والغابون وأنغولا وإسبانيا وجنوب أفريقيا وبنسب عالية.

من جهة أخرى، أقر المرشح الرئاسي جان لويس وزير التجارة السابق بهزيمته أمام واتارا… أما الأخير فإنه ومع ضمان اكتساحه للسباق يقرأ جيداً أرقام وإحصاءات النتائج ومغزاها ليتبيّن الرسالة التي أراد الشعب إيصالها له، وهو يحصل على الفترة الرابعة التى سعى إليها بين شد وجذب.

وكما هي حال ردود الفعل إزاء نتائج الانتخابات في العديد من دول القارة الأفريقية، فإن الأطراف الفائزين سوف يتحدثون عن نسب المشاركة الواسعة، بينما يسعى الخاسرون إلى تقزيم ذلك.

لم يكن التوتر والمخاوف التى أحاطت بانتخابات الكوت ديفوار استثناء؛ فلا تخلو المشاهد الراهنة للانتخابات الأفريقية من استدعاء الذاكرة لعنف انتخابي سابق لا مكان فيه لتصالح، مع بواعث ومحفزات الأمن والاستقرار... وبدلاً من أن تكون الانتخابات مناسبة سارة للتبادل السلمي للسلطة في ظل استخدام صناديق الذخيرة بدلاً من صناديق الاقتراع أمراً شائعاً بما في ذلك في كوت ديفوار ذاتها.

ولئن كان من المأمول أن تعكس نتائج الانتخابات الإيفوارية قدرة نظامها الحاكم والمعارضة على إدارة التوازنات بين شرعية المكتسبات والاستمرارية وإنهاء الإقصاء، أو المعادلة بين الاستحقاقين القانوني والسياسي وجعل الاقتراع ترتيباً لإعادة بناء الثقة الوطنية، فإن النخب السياسية الإيفوارية أحوج ما تكون لابتدار حوار وطني في بلد لم يعرف عنه أي تداول سلمي للسلطة منذ عام 1995 خاصة مع سطوة وهيمنة الرئاسة التي يمنحها الدستور صلاحيات كبيرة، ويبدو الحوار مهماً وضرورياً، لا فقط للاتفاق على قواعد اللعبة السياسية والتداول السلمي للسلطة، بل أيضاً لتحقيق التعافي الوطني ومعالجة الشروخ التي أحدثها صراع النخب السياسية على علاقات شمال وجنوب القطر وتأثر علاقاته ببوركينا فاسو وتبعات ذلك على مجمل علاقات كوت ديفوار بدول الساحل، وتعود جذور واتارا إلى الشمال، وكان الرئيس البوركيني السابق بليز كومباوري قد قام بمبادرة تعافٍ وطني في كوت ديفوار عام 2007.

أبدى تقرير لمجلس الأمن مؤخراً الانزعاج إزاء انزلاق ما يقارب 70 في المئة من النزاعات التي جرى حلها إلى دائرة العنف مرة أخرى وعودتها بصورة أعنف، وجاءت الحوادث التى تلازم الانتخابات في المقدمة، ولعل ذلك ما يستوجب التنسيق الدولي والإقليمي وتبادل التجارب وتحصين عمليات إجراء الانتخابات، حتى تكون عنصراً مهماً لتحقيق السلام والاستقرار ورافعة إيجابية لذلك.