"إسرائيل" تُريد وقفاً لإطلاق النار مع إيران؛ هذا لافت..!!

تدرك إيران أنّ لدى نتنياهو حاجة ملحّة لإبقاء "بريق" ورقة تدمير البرنامج النووي الإيراني بين يديه، وبالتأكيد فإنّ مدى فاعليتها مرتبطٌ بمدى مقدرة نتنياهو على وقف الحرب "الآن".

  • "المخرج" الذي يسعى إليه نتنياهو الآن لا يعتمد على الإسرائيليين أو الأميركيين.

كان لافتاً ومتوقّعاً الحديث الإسرائيلي عن الاستعداد لوقف إطلاق النار مع إيران "إذا أوقف خامنئي إطلاق الصواريخ". فالضربة الأميركية للبرنامج النووي الإيراني، على الأرجح، رافقها إيصال رسائل دبلوماسية إلى إيران مفادها من جهة، الاستعداد للردّ بقوّة على أيّ ردّ إيراني ضدّ الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى، مُطالبة إيران بقبول شروط الاتفاق فوراً كما حدّدتها إدارة ترامب.

ولذلك ينسجم الإعلان الإسرائيلي هذا، في تقديرنا، مع سياق الموقف الأميركي ويتقاطع معه. كما أنه يقف في خلفيّة المسارعة إلى هذا الإعلان اعتبارات لا تخطئها العين، أوّلها أنّ الضربة الأميركية للبرنامج النووي الإيراني شكّلت ذروة الاستعراض الأميركي الإسرائيلي لفلسفة "القوة التي تؤدّي إلى السلام" التي يتبنّاها الرئيس ترامب ومن خلفه نتنياهو، وهو ما عبّرت عنه التصريحات المنتشية لكليهما. 

لكنّ نتنياهو تحديداً، وبدرجة أقلّ ترامب، يعلمان أنّ عامل الوقت في هذه الحرب هو ألد أعداء "نشوة الانتصار" وقد يفسدها ويفقدهما أكثر أوراقهما قوةً وسحراً، خاصة إذا ما خالفت إيران توقّعات وأوهام "إسرائيل" والولايات المتحدة بإمكان القبول "برفع الراية" والعودة إلى طاولة المفاوضات نتيجة للضربة الأميركية، واستمرت في استنزاف "إسرائيل" عبر الضربات الصاروخية المؤلمة التي توجّهها للداخل الفلسطيني المحتل. 

تدرك إيران أنّ المعادلة التي يراد تكريسها أميركياً وإسرائيلياً، أن تكون هذه الضربة الأميركية للبرنامج النووي الإيراني هي خاتمة مشهد التصعيد بما يمنح نتتياهو وترامب إمكانية أن يُترجما الضربة العسكرية إلى إنجاز سياسي استراتيجي يستثمرانه كلٌ في محيطه.

وبالتأكيد فإنّ نتنياهو يتوق إلى أن يُقدّم للجمهور الإسرائيلي ما انتهت إليه الأمور حتى اللحظة، كتحقيق لوعدٍ شخصي قطعه على نفسه بالقضاء على التهديد النووي الإيراني، وقد قال بعد الضربة الأميركية: "وعدتكم وأوفيت".  

أما ترامب الأكثر نرجسيّة وزهواً بنفسه فإنه بحاجة، أمام المجتمع الأميركي، إلى إنجازٍ لافت في سياسته الخارجية المتعثّرة، خاصة إذا ما قبلت إيران العودة إلى طاولة المفاوضات الآن وفق ما يطمح، فمجرّد قبولها بوقف إطلاق النار أو التعاطي إيجاباً مع الدعوات الإسرائيلية الأميركية سيشكّل انتصاراً لنتنياهو وترامب وسيمنح "نشوة النصر" التي يسوّقان لها مزيداً من القوة ويؤجّجها. 

تُدرك إيران أنه يراد لها أن تستسلم لهذه الخاتمة، التي ينسجها الطرفان لها، ولذلك رأينا كيف ردّت صباح الأمس، قبل حتى أن تسمع "إشارات الجنوح الإسرائيلي إلى السلم"، بصليات صاروخية فتّاكة طالت مراكز إسرائيلية حيوية في رسالة واضحة بأنّ مسار استنزاف "إسرائيل" مستمر ومتصاعد ولن توقفه، لا الضربة الأميركية ولا إغراءات القبول الإسرائيلي بوقف العدوان، وإن كانت إيران طالبت به واشترطته للعودة إلى المسار الدبلوماسي قبل أن تحدث الضربة الأميركية وتُغيّر حسابات البيدر الإيراني. 

المرجّح أنّ هذا الاستنزاف سيُفقِدُ ادّعاء الانتصار الإسرائيلي بريقه ومعناه، خاصة وأنّ الضربة الأميركية أتت في محاولة لطمأنة "إسرائيل" بأنها من الآن في مأمن من التهديد النووي، وربما الصاروخي الإيراني طالما أنها تستظلّ بظلّ الولايات المتحدة وتحتمي بها، وفي حال استمرت إيران الآن في منحى التصعيد في إطار ردّها على العدوان الإسرائيلي وعلى الضربة الأميركية، والأهمّ إن تمكنت من بناء ردٍّ مدروس على الضربة الأميركية، وهو ما نتوقّعه، فسيكون من الصعوبة على الولايات المتحدة أن تجد ذريعة للتدخّل لحماية "إسرائيل" خاصة بعد أن كانت ضَرَبت إيران بحجّة تدمير البرنامج النووي، وقد "فَعَلت" وفق ما ادّعت، ما يترك "إسرائيل" وحيدة ومكشوفة الظهر في مواجهة إيران من دون أن يتمكّن ترامب من تبرير تدخّل عسكري آخر لمصلحة "إسرائيل". 

يعلم نتنياهو أنّ هذا السناريو المُرجّح، سيفقده، إن طال، أوارقه الرابحة تباعاً في الداخل الإسرائيلي، وربما ينقلب السحر على الساحر، ولذلك سارعت "إسرائيل" للإعلان بأنها على استعداد "لوقف التصعيد ووضع نهاية لهذه الحرب". بالنسبة لنتنياهو، تقول تقديراته إن الضربة الأميركية التي وُجّهت للبرنامج النووي الإيراني، والتي أتت بعد أكثر من أسبوعين من الضربات الإسرائيلية على أهداف مختلفة في الجمهورية الإسلامية، "دمّرت" هذا البرنامج وحقّقت الهدف الإسرائيلي الذي خرجت "إسرائيل" لهذه الحرب من أجله، وعلى الأرجح سيثير استمرار الحرب تساؤلات داخلية إسرائيلية مُلحة مرتبطة بالجدوى والأثمان وباستراتيجية الخروج! 

لكنّ "المخرج" الذي يسعى إليه نتنياهو الآن لا يعتمد على الإسرائيليين أو الأميركيين، بل على الإيرانيين أنفسهم، الذين ترى "إسرائيل" بأنهم يُخطّطون لحرب استنزاف طويلة وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة و"إسرائيل" ولا يريده نتنياهو الذي يسعى الآن إلى إنهاء المواجهة سريعاً، فمصلحته ليست في إطالة أمد هذه المواجهة.

تأمل النخب السياسية الحاكمة في "إسرائيل"، وكذلك في واشنطن، أن تتسامح إيران مع الضربة التي وجّهتها لها الولايات المتحدة، وأن تعود إلى طاولة المفاوضات للتوصّل إلى وقف إطلاق نار وتفاهمات بشأن البرنامج النووي، لأنه باختصار "لم يعد هناك ما يمكن تحقيقه بالوسائل العسكرية" والحرب الآن تدخل حالة "المراوحة" فيما يتعلّق بالأهداف الإسرائيلية العسكرية بعد أن "دُمِّر" البرنامج النووي الإيراني والبنية التحتية المرتبطة به، فما الحاجة إلى استمرار الحرب! 

على المقلب الآخر من هذه المواجهة، تدرك إيران أنّ لدى نتنياهو حاجة ملحّة لإبقاء "بريق" ورقة تدمير البرنامج النووي الإيراني بين يديه، وبالتأكيد فإنّ مدى فاعليتها مرتبطٌ بمدى مقدرة نتنياهو على وقف الحرب "الآن"، لذلك ستسعى إيران لإبطال مفعول هذه الورقة، عبر التصعيد، الذي سيستنزف "إسرائيل" مادياً، والأهمّ أنه سيستنزف نتنياهو سياسياً، فكلّ يوم يمرّ من عمر هذا المواجهة، خاصة بعد الضربة الأميركية، سيكلّفه تأكّل "الإنجازات" وتأكّل شرعيّة هذه الحرب لدى الجمهور الإسرائيلي.

ولعله من اللافت أنّ الحديث الإسرائيلي الأميركي "أنه لا يزال هناك عدم يقين بشأن نتائج الهجوم الأميركي، وأنّ الصورة ستتضح أكثر في الأيام المقبلة" قد يُفهم منه، في حال رفضت إيران وقف المواجهة الآن، ترك الباب مفتوحاً للعودة إلى استخدام هذه الورقة لخلق الذرائع لتدخّل أميركي عسكري أوسع وربما، إتاحة الفرصة لنتنياهو لإعادة إنتاج هذه السردية بما يخدم استمرار تأجيج نار الحرب مع إيران.

وفيما يؤكد الطرفان ترقّبهما لما "سيفعله خامنئي" يبدو بأنّ ترامب اختار القفز إلى الأمام عبر التلميح إلى إمكان أن تتحوّل أهداف الولايات المتحدة للإطاحة بالنظام الإيراني، حيث نُقل عنه قوله "إذا عجر النظام الحالي عن جعل إيران عظيمة، لنجعل إيران عظيمة"، وهو ما فُسّر باعتباره تهديداً صريحاً لإيران بضرورة الامتناع عن الردّ والعودة إلى طاولة المفاوضات، وإلّا فإنّ ترامب ذاهب إلى تبنّي الأهداف التي أفصحت عنها "إسرائيل" منذ الأسبوع الأول لهذه المواجهة من حيث سعيها لزعزعة النظام والدعوة الصريحة إلى إسقاطه. 

من المنطقي الاعتقاد أنّ الولايات المتحدة تسعى بعد الضربة إلى اتفاق دبلوماسي سريع وتأمل في تجنّب حرب طويلة الأمد جدليّة ومُكلفة، لكنها في الوقت نفسه، تستعدّ أيضاً للتصعيد إذا ردّت إيران على أهداف أميركية.

وربما تضع الوقائع العسكرية وتفاعلاتها السياسية، هذه المواجهة في سياق احتمالات أوسع من مجرّد إنهاء البرنامج النووي الإيراني، وقد تجعلها مفتوحة على أهداف تتجاوز هذا الهدف وتتصل بأجندات إقليمية تسعى لإعادة تشكيل المنطقة ورسم مستقبلها وفق معادلات جديدة.

باتت إيران تنظر إلى الاستهداف الإسرائيلي والمشاركة الأميركية على أنهما تهديد وجودي، فالمسألة تتجاوز نزع حقّ إيران في تخصيب اليورانيوم، أو حتى برنامجها النووي؛ إذ أصبح المطلوب اليوم إسقاط النظام، أو تجريد إيران من مقدّرات قوتها وفي مقدّمة ذلك برنامجها الصاروخي وجرّها إلى طاولة المفاوضات "مُقلّمة الأظافر"؛ وهو ما نظنّ بأنّ إيران لن تقبل به، فمن دون أوراق قوة لن تعود إلى طاولة المفاوضات، ولديها خياراتٌ عديدة، بدءاً من التحرّك ضدّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كطرد المفتشين وربما الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، ناهيك عن إمكانية إغلاق مضيق هرمز الذي ينتظر الإقرار الرسمي. أما ضدّ "إسرائيل"، فمن المرجّح أن تستمر الهجمات الإيرانية حتى يتمّ التوصّل إلى قرارٍ مدروسٍ أو قسريٍ بوقف إطلاق النار.

 

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.