هل يحسم مجلس الأمن الصراع في الصحراء الغربية؟
ترك مجلس الأمن القضايا الساخنة والمُلحّة والدماء المُراقة في غزة والسودان وغضّ الطرف عنها؛ وقفز مباشرة ومن دون سابق إنذار إلى الصحراء الغربية!
-
قرار مجلس الأمن بخصوص الصحراء الغربية قد يكون علامة على بداية نهاية الصراع.
اعتمد مجلس الأمن الدولي، في بيئة دولية وإقليمية ملتبسة يوم الـ 31 من تشرين الأول/أكتوبر 2025، قراراً يدعم مبادرة الحكم الذاتي التي تقدّم بها المغرب عام 2007 لتسوية قضية الصحراء الغربية، في خطوة وُصفت بأنها تحوّل لافت في الموقف الدولي تجاه النزاع الممتد منذ نصف قرن.
والملاحظ أنّ القرار المغربي الأصل وأميركي الفرض أيّده ووافق عليه 11 عضواً من أعضاء المجلس، بينما امتنعت روسيا والصين وباكستان عن التصويت، بينما لم تشارك الجزائر في التصويت. وبرّرت الجزائر عدم مشاركتها في التصويت بأنّ "مشروع القرار لا يرقى لمستوى تطلّعاتها".
قبل الذهاب لقرار مجلس الأمن بخصوص الصحراء الغربية وتوافق أعضائه على القرار، فإنه لا بدّ من تسجيل جملة ملاحظات تتعلّق بمجلس الأمن ودوره في حفظ السلم والأمن الدوليين وتسوية الصراعات الدولية، ذلك أنّ مجلس الأمن سكت على مدار عامين عن جرائم الحرب والإبادة الحاصلة في قطاع غزة، بل وفشل أربع مرات متتالية في إصدار قرار وقف النار وإنهاء الحرب والإبادة في غزة بفضل الفيتو الأميركي في كلّ مرة، ومنذ أكثر من عامين يغضّ الطرف عن الجرائم المُرتكبة في السودان والتي بلغت خلال الأيام الماضية حداً لا يُطاق ولا يقبله عقل ولا منطق إنساني يؤمن بأنّ حفظ السلم والأمن الدوليين يُفترض أن يكون أولية في اعتبارات وقرارات مجلس الأمن.
لقد ترك مجلس الأمن القضايا الساخنة والمُلحّة والدماء المُراقة في غزة والسودان وغضّ الطرف عنها على أهميتها؛ وقفز مباشرة ومن دون سابق إنذار إلى الصحراء الغربية على الطريقة الترامبية في التعاطي مع الصراعات الدولية، وفي غياب للأطراف المعنية وبطريقة فوقيّة أصدر قراراً يختصر قضية الصحراء الغربية الممتدة منذ 50 عاماً في حكم ذاتي.
والسؤال هل يُنهي قرار مجلس الأمن بخصوص الصحراء الغربية الصراع الممتد منذ نصف قرن تقريباً؟ وهل يشكّل هذا التحوّل في الموقف الدولي من الصحراء الغربية مدخلاً فعلياً نحو التسوية النهائية؟ أم أنه مجرّد إعادة إنتاج لأدوات إدارة الصراع بدلاً من حله؟.
حول حيثيات القرار وتبعاته ودلالاته وهل يُنهي أزمة الصحراء الغربية أم يعيد إنتاج الصراع بأشكال مختلفة؟، يمكن الإجابة في الآتي:
مخرجات قرار مجلس الأمن تجاه الصحراء الغربية يتجلّى كأحد أدوات السياسة الخارجية الأميركية تُديرها واشنطن وتُوظّفها كيفما شاءت، وهذا يؤسّس لمبدأ خطير في العلاقات الدولية ويُحوّل وظيفة مجلس الأمن الدولي من حفظ السلم والأمن الدوليين إلى أداة أميركية انتقائية في التعاطي مع الصراعات الدولية.
على الرغم من أهمية قرار مجلس الأمن؛ إلا أنّ تبنّيه لا يعني بالضرورة نهاية الصراع. فالحلّ الحقيقي يتطلّب قبول الأطراف المعنية، ولا سيما جبهة البوليساريو، وهو أمر غير حاصل حتى الآن.
ذلك أنّ جبهة البوليساريو تعتبر الحكم الذاتي تفريطاً في "حقّ تقرير المصير"، وترى فيه استسلاماً غير مقبول. وقد أكد زعيم حركة البوليساريو، إبراهيم غالي، في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، قائلاً: "أنّ جبهة البوليساريو لن تكون طرفاً في أية مفاوضات لا تحترم حقّ الشعب الصحراوي في تقرير المصير".
موضحاً أنّ "العنصر الحاسم في معادلة حلّ النزاع في الصحراء الغربية هما الشعب الصحراوي وجيش التحرير، واللذان عليهما مواجهة مؤامرات العدو المغربي الذي أقدم على هذه الخطوة بمساعدة أطراف نافذة بمجلس الأمن".
بينما قال ممثّل البوليساريو في الأمم المتحدة، سيدي محمد عمار، عقب قرار مجلس الأمن، إنّ "جبهة البوليساريو هي الممثّل الشرعي والوحيد وصوت الشعب الصحراوي..." مُعبّراً عن عزم الشعب الصحراوي على "مواصلة كفاحه ومقاومته التحريرية بكلّ الوسائل المشروعة لتحقيق الحرية والاستقلال واستعادة سيادته على الجمهورية الصحراوية الديمقراطية كافة". يُذكر أنّ جبهة البوليساريو كانت قد أعلنت عام 1976 تأسيس دولة تحت اسم "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، إلا أنّ هذا الإعلان لا يحظى باعتراف دولي واسع.
وترى جبهة البوليساريو أنّ "هذه المقاربة تشكّل خرقاً واضحاً، ليس فقط بما يتعلّق بمسار تسوية الأمم المتحدة في الصحراء الغربية ولحقّ الشعب الصحراوي وللمسار التاريخي للنزاع منذ بدايته إلى الآن، ولكنها تشكّل انقلاباً جوهرياً على القانون الدولي وعلى الشرعية الدولية". وأنّ الولايات المتحدة الأميركية تهدف إلى فرض أن يعترف مجلس الأمن الدولي بشيء غير موجود، وهو الاعتراف للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية.
إضافة إلى مواقف جبهة البوليساريو الرافضة لقرار مجلس الأمن والكافية لإجهاضه، فإنّ قرار مجلس الأمن يعكس تحوّلاً تدريجياً في منهج التعاطي مع ملف الصحراء الغربية. فبينما ظلّ خيار الاستفتاء لتقرير المصير حاضراً لسنوات، بات واضحاً أنّ المجتمع الدولي يميل اليوم إلى خيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحلّ واقعي في ظلّ تعقيدات ميدانية وسياسية تمنع إجراء استفتاء حرّ وشفّاف.
هذا التحوّل لا يمكن قراءته بعيداً عن الاعترافات المتزايدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، سواء من دول غربية كأميركا وإسبانيا، أو من خلال فتح قنصليات في مدن الصحراء. وهو ما يُضعف موقع جبهة البوليساريو سياسياًَ، حتى وإن استمرت في المطالبة بالاستفتاء والدعم الجزائري. وبالتالي، ما لم يترافق القرار الدولي مع آلية سياسية شاملة وواقعية تجمع الأطراف وتضمن تسوية عادلة تأخذ بعين الاعتبار تطلّعات سكان الإقليم، سيظلّ خطر العودة إلى المواجهات قائماً، كما شهدنا في السنوات الأخيرة بعد انهيار وقف إطلاق النار عام 2020.
إنّ قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء يعكس توجّهاً أميركياً واضحاً نحو حسم النزاع المزمن في المنطقة بما يخدم الاستقرار المغاربي ومصالح واشنطن في شمال أفريقيا. من دون مراعاة أيّ اعتبارات إنسانية وسياسية أخرى، ذلك أنّ الصراع في الصحراء الغربية لم يعد محصوراً بين المغرب والبوليساريو، بل تحوّل إلى ملف إقليمي بامتياز، ترتبط به العلاقات المغربية -الجزائرية، والوضع الأمني في الساحل، وحتى موازين القوى الأفريقية.
في أيّ قراءة استشرافية حول مستقبل قرار مجلس الأمن بخصوص الصحراء الغربية فإنه لا يمكن استبعاد الموقف الروسي والصيني والباكستاني الرافض للتصويت على القرار إضافة إلى الجزائر، وقد امتنعت روسيا عن التصويت على مشروع القرار، معتبرة أنّ النصّ المعروض "غير متوازن" ولا يعكس مقاربة توافقية تراعي مواقف جميع أعضاء المجلس.
ويتضح في عملية التصويت على القرار أنّ الدول الغربية التي تدور في الفلك الأميركي صوّتت لصالح القرار، بينما محور روسيا الصين باكستان امتنع عن التصويت على القرار، ودلالة هذا التصويت الغربي يُنهي الصراع في الصحراء الغربية من دون أن تكون هناك أيّ فرصة لإقامة أو ظهور دولة جديدة جنوب المغرب يمكن أن يمتد إليها النفوذ الروسي أو الصيني. وتلك دلالة لا يُمكن إسقاطها من أيّ قراءة في سياق مقاربات القرارات الأممية.
هناك عوار سياسي وقانوني في القرار فالتعديلات والحرص على التوازنات للوصول إلى توافق دولي أفضى لنصّ ملتبس يعاني من تناقضات تجعل تنفيذه صعباً للغاية. إذ من غير الممكن أن تتحدّث الفقرة عن الحكم الذاتي كخيار مطروح، ثم تؤكّد في الوقت نفسه ضرورة الأخذ برأي جميع الأطراف، لأنّ الحكم الذاتي هو طرح مغربي ولا يمثّل موقف البوليساريو كطرف آخر.
هناك عوار متناقض أيضاً في القرار في مسألة تجديد ولاية بعثة المينورسو لمدة سنة كاملة، إذ يجمع بين الإشارة إلى مبادرة الحكم الذاتي وبين التمسّك بالمهمة الأساسية للبعثة الأممية. فكيف يكون حكم ذاتي وتنظيم الاستفتاء لتكريس مبدأ تقرير المصير؟. كذلك فإنّ القرار يمنح صلاحيات واسعة لمبعوث الأمين العامّ للأمم المتحدة، تتيح له التشاور مع مختلف الأطراف والبحث عن حلول جديدة، وهو ما يعني أنّ الحكم الذاتي ليس الإطار الوحيد للتسوية، بل واحد من بين خيارات أخرى يمكن النظر فيها.
ختاماً إنّ قرار مجلس الأمن بخصوص الصحراء الغربية قد يكون علامة على بداية نهاية الصراع، لكنه ليس النهاية بحدّ ذاته. فالحلول لا تُفرض بقرارات أممية فقط، بل تُبنى على التوافق وضمان مصالح جميع الأطراف. وما لم يُترجم هذا القرار إلى مسار تفاوضي شامل وفعّال، ستبقى الصحراء الغربية رهينة التوتر، في انتظار تسوية مؤجّلة.