هل لعبت العوامل الخارجية دوراً في الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية؟
استقالة الرئيس يون باتت حتمية، خصوصاً في ظل عدم رضى الشعب عنه، والخلافات المستمرة مع قوى المعارضة ما يعيق ويشل عمل الدولة.
شهدت كوريا الجنوبية، خلال الأيام الماضية، أزمة سياسية بعد إعلان الرئيس يون سوك يول فرض الأحكام العرفية، في خطاب تلفزيوني غير معلن، متهماً حزب المعارضة الرئيسي في البلاد بالتعاطف مع كوريا الشمالية، وممارسة أنشطة مناهضة للدولة.
فقد قال الرئيس يون في خطابه: "لحماية كوريا الجنوبية الليبرالية من التهديدات التي تشكلها القوات الشيوعية في كوريا الشمالية، والقضاء على العناصر المناهضة للدولة، أعلن بموجبه حالة الطوارئ والأحكام العرفية".
يمنح دستور كوريا الجنوبية رئيس البلاد سلطة استخدام الجيش لحفظ النظام في أوقات الحرب، أو المواقف التي تشبه الحرب، أو حالات الطوارئ. ويشمل فرض الأحكام العرفية أموراً عديدة منها تعليق الحقوق المدنية، مثل حرية الصحافة والتجمع.
كما يعطي الدستور الجمعية الوطنية ( البرلمان) سلطة رفع الإعلان عن الأحكام العرفية بأغلبية الأصوات.
وبناءً على ذلك، سارع المشرّعون المعارضون في التوجه إلى مبنى البرلمان، وصوّتوا على رفع الأحكام العرفية بأغلبية 190 صوتاً من النواب الحاضرين من أصل 300، ومن بينهم أعضاء من الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه رئيس كوريا الجنوبية.
وبموازاة ذلك، عمّت الاحتجاجات الشعبية العاصمة سيؤول، ودعا المتظاهرون الرئيس يون سوك يول إلى الاستقالة.
ونتيجة للأزمة التي سببها إعلان الأحكام العرفية، استقال وزيرا الدفاع كيم يونغ هيون الذي اقترح إعلان الأحكام العرفية في البلاد، والداخلية لي سانغ مين. وفتحت النيابة العامة تحقيقاً مع الرئيس يون ووزيري الداخلية والدفاع المستقيلين بتهمة الخيانة العظمى.
وجاء الإعلان عن الأحكام العرفية بعد نحو 44 عاماً من آخر مرة أعلن فيها رئيس كوريا الجنوبية الأحكام العرفية عام 1980، وذلك أثناء الانتفاضة التي قادها الطلاب والنقابات العمالية.
كانت كوريا الجنوبية تعيش حالة من الجمود السياسي خلال الأشهر الماضية، بعد أن خسر الحزب الحاكم الأغلبية البرلمانية لصالح قوى المعارضة في انتخابات إبريل/ نيسان الماضي. وبدأت لعبة القط والفأر بين الرئيس يون والمعارضة، وازداد الخلاف بينهما وتمحور حول عدد من الأمور منها ما يتعلق بميزانية 2025، والاتهامات التي وجّهت إلى زوجة الرئيس يون حول التلاعب بالبورصة، وقبول هدايا من شركة "ديور" بقيمة أعلى من المسموح بها قانوناً. كما حاولت المعارضة تعيين مستشار خاص للتحقيق مع زوجة الرئيس، وقدمت 3 مشاريع قوانين لذلك، إلا إن الرئيس يون استخدم حق النقض ضدها، وبلغ عدد المرات التي استخدم فيها الرئيس حق النقض ضد مشاريع القوانين التي كانت تقدمها المعارضة نحو 25 مرة.
كما حاولت المعارضة عزل شخصيات حكومية، بمن فيهم رئيس هيئة مراقبة البث، ورئيس مراقب الدولة، وعدد من كبار المدعين العامين الذين هم نقطة حساسة بالنسبة إلى الرئيس يون؛ نظراً لفضائح زوجته.
بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن الرئيس يون من مكافحة ارتفاع الأسعار والتضخم والبطالة وغلاء أسعار السكن ومعالجة إضراب الأطباء وغيرها من المشكلات الداخلية التي كانت تعاني منها كوريا الجنوبية. إضافة إلى أن البلاد كانت تشهد خلال الأشهر الأخيرة احتجاجات ضد سياسة الرئيس يون وتحضير المعارضة لعزله.
فضلاً عن تراجع شعبية الرئيس يون، إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" في كوريا الجنوبية أن نسبة تأييده انخفضت إلى 19%.
وجاء إعلان فرض الأحكام العرفية ليكون بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير لزيادة المطالبة بعزل الرئيس ومحاكمته بتهمة التمرد وإنهاء حياته السياسية.
فبعد رفع الأحكام العرفية، تقدمت المعارضة بمشروع قانون يدعو إلى عزل الرئيس يون، كما استمرت الاحتجاجات المنادية بتنحي الرئيس، وأظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه وكالة " ريل ميتر" أن 73.6% من الكوريين الجنوبيين يؤيدون مذكرة العزل.
وأثناء التصويت على مشروع قانون لعزل الرئيس يون، غادر نواب الحزب الحاكم قاعة البرلمان للحؤول دون حصول عملية التصويت على عزل الرئيس يون عبر منع اكتمال النصاب.
ويلزم لتمرير المشروع الحصول على غالبية 200 نائب من أصل 300، لكن لم يشارك سوى 195 نائباً في التصويت، لذلك أعلن أن التصويت على المشروع باطل.
وعلى الرغم من فشل البرلمان في تمرير مشروع عزل الرئيس، فإن رئيس الحزب الحاكم هان دونغ هون أعلن التخطيط لاستقالة منظمة للرئيس، وقال إن يون سوك يول لن يشارك في شؤون الدولة حتى قبل استقالته.
وعليه، فإن استقالة الرئيس يون باتت حتمية، خصوصاً في ظل عدم رضى الشعب عنه، والخلافات المستمرة مع قوى المعارضة ما يعيق ويشل عمل الدولة.
لقد كانت العوامل الداخلية هي الأساس في تفاقم الأزمة السياسية التي عصفت بكوريا الجنوبية. ومن المحتمل أن تكون واشنطن قد سعت إلى التهدئة كي لا تتأثر مصالحها في البلاد التي ينتشر فيها نحو 30 ألف جندي أميركي، كما تعتمد واشنطن على سيؤول في مواجهة بكين، فضلاً عن اعتمادها على الرقائق الإلكترونية من كوريا الجنوبية.
أما كوريا الشمالية، وإن كانت مستفيدة من الأزمة التي حصلت في كوريا الجنوبية، واحتمال تنحي أو عزل الرئيس يون، وتفضيلها انتخاب رئيس من المعارضة، لأن الأخيرة ليس لديها علاقات متوترة مع بيونغ يانغ إلا أنه من المستبعد أن تكون كوريا الشمالية قد لعبت دوراً في تأزم الأوضاع السياسية في كوريا الجنوبية.
بشكل عام، كانت العوامل الداخلية والتوترات بين الرئيس يون والمعارضة، التي كانت تكبّله، وتراجع شعبية الرئيس بسبب قضايا الفساد واستغلال النفوذ التي طالته وزوجته، وقيامه بزيادة الميزانية العسكرية، وتوتيره العلاقات بين كوريا الجنوبية وجارتها الشمالية، وتوطيده العلاقات مع اليابان، متجاهلاً الجرائم التي ارتكبها الجيش الياباني في كوريا الجنوبية خلال الحرب العالمية الثانية، وغيرها من الأمور التي قام بها الرئيس يون ولم يرض عنها الشعب هي التي أوصلت البلاد إلى الدخول في أزمة سياسية خطيرة تحاول مختلف الأطراف في كوريا الجنوبية تلافيها.