هل ستنسحب "إسرائيل" من سوريا؟
لا يمكن التعويل على انسحاب "إسرائيل" من أي أرض تمكنت من بسط سيطرتها عليها إلا بشرط واحد وهو المقاومة، والتي من الواضح أنها كفكرة غير واردة حتى الساعة لدى جماعات الحكم الجديد.
أوعز رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى "الجيش" بالاستعداد للبقاء في منطقة جبل الشيخ السورية والمنطقة العازلة حتى نهاية عام 2025 على الأقل. وأعلن نتنياهو، خلال زيارة أجراها يوم الثلاثاء إلى قمة جبل الشيخ في الجولان السوري المحتل، أنّ "إسرائيل ستواصل وجودها في هذه المنطقة الاستراتيجية إلى حين إيجاد ترتيب بديل يضمن أمن إسرائيل"، وذلك في إشارة إلى المنطقة العازلة في الأراضي السورية المحددة بموجب اتفاقية فض الاشتباك العام 1974.
أما وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، فقال إن قمة جبل الشيخ "هي عيون إسرائيل لكشف التهديدات القريبة والبعيدة". وأضاف ما هو أهم "من هنا نشاهد حزب الله في لبنان يميناً، ومن الشمال نشاهد دمشق وإسرائيل أمامنا". ما يعني السيطرة المطلقة والمحكمة على ما يحيط بـ"إسرائيل".
سياسياً، قال وزير خارجية كيان الاحتلال جدعون ساعر إن "الاعتقاد بأن سوريا ستبقى دولة واحدة ذات سيطرة وسيادة فعالة على كامل أراضيها هو أمر غير واقعي"، وفي هذا الكلام سيناريوهات تتجاوز الكلمات المنطوقة.
هذه التصريحات ليست سوى غيض من فيض المواقف التي لا تترك مجالاً للشك في نوايا "إسرائيل" في توسيع حدودها عبر القضم المتواصل لأراضي الغير واحتلالها بخلاف القانون الدولي.
ولكن، هل من الممكن لـ"إسرائيل" أن تنسحب من الأراضي السورية التي استولت عليها مؤخراً؟
بداية، من المهم الإشارة الى أن التمركز على جبل الشيخ ومواصلة التوغل في عمق الأراضي السورية لا علاقة له بالوضع المستجد في سوريا. فمسؤولو الحكم الجديد قالوها صراحة بأنهم ليسوا في وارد أي صراع، في إشارة واضحة إلى أن العين ليست على "إسرائيل"، وبالتالي فإن الأخيرة تحاول الاستفادة قدر المستطاع من الوضع القائم، وتحركها لا علاقة له بمن يحكم سوريا اليوم.
الأمر الآخر، لا بد من تثبيت حقيقة مفادها أننا أمام "إسرائيل" مختلفة بشكل كامل عن السابق. فـ"إسرائيل" اليوم هي تلك الواقعة تحت وطأة حكم الصهيونية الدينية التي وضع أولى ركائزها الحاخام إسحاق يعقوب راينس.
ولكن، ماذا عن "أرض إسرائيل" بالنسبة إلى هؤلاء؟
يقول الدكتور مهند مصطفى في دراسة له بعنوان "الصهيونية الدينية من الحالة الإقطاعية إلى التشظي والتعددية" ضمن كتاب "اليمين الجديد في إسرائيل" الصادر عن دار الأهلية، إن آراء الصهيونية الدينية تباينت من مسألة مكانة "أرض إسرائيل" وذلك من خلال توجهين:
التوجه الأول ينطلق من أن الأرض هي شرط ضروري لتحقيق الشريعة بشكل كامل، وهي التي تؤدي إلى رفاهية شعب "إسرائيل" وتطوره الديني والثقافي. بالنسبة إلى منظري هذا التوجه، فإن الأرض هي خادمة للقومية الدينية. بمعنى آخر، يتم التعامل مع الأرض من منطلقات أداتية هدفها تطور الشعب.
أما أصحاب التوجه الثاني فيعتقدون أن للأرض مميزات روحانية مستقلة. وعليه، فإن استيطان الأرض وتوسيع حدودها هو من تدخل الرب لتصحيح الوضع القائم. وبحسب هذا التوجه، فإن الأرض هي كيان مستقل بذاته وله إرادة وقدسية لذاتها، وليست مجرد أداة.
ومن خلال التصور الثاني، نذهب إلى الحاخام كوك الابن الذي عدّ القومية اليهودية أداة مقدسة لتحقيق العودة إلى "أرض إسرائيل"، وهو "الخلاص"؛ بكلمات أخرى، احتلال المزيد من الأرض وإقامة المستوطنات كفعل خلاصيّ يقرّب مجيء المسيح. مع الأسف، هذا لا يتوقف على منظري الصهيونية الدينية إنما أيضاً تتبناه تيّارات مسيحيّة-صهيونيّة، إذ ترى في "إسرائيل" تحقيقاً لنبوءات الكتاب المقدّس، وهي ذات تأثير، وبالتالي لها دور لتقوم به.
ومن هنا، نعود إلى ما كتبه الأستاذ مهند مصطفى وما أورده على لسان الحاخام كوك الابن (1891-1982) الذي بلور أيديولوجيا الصهيونية الدينية وبنى حركة "غوش إيمونيم" الاستيطانيّة، إذ يقول لتلاميذه: "هذه الأرض لنا، لا يوجد فيها مناطق عربية وأراض عربية، بل أرض إسرائيل، أرض آبائنا الخالدة، وهي في كل حدودها التوراتية تابعة لحكم إسرائيل".
وفي تصريح آخر يقول "أقول لكم بوضوح أن هناك تحريماً في التوراة ضد التنازل عن بوصة واحدة من الأرض المحررة، لا توجد غزوات هنا، ونحن لا نحتل أرضاً أجنبية، إننا نعود إلى وطننا، أرض أجدادنا. لا توجد أرض عربية هنا بل ميراث ربنا، وكلما اعتاد العالم على هذا الكر يكون أفضل لنا جميعاً".
كخلاصة، لا يمكن التعويل على انسحاب "إسرائيل" من أي أرض تمكنت من بسط سيطرتها عليها إلا بشرط واحد وهو المقاومة، والتي من الواضح أنها كفكرة غير واردة حتى الساعة لدى جماعات الحكم الجديد، مع بقاء الرهان دائماً على ولادة المقاومة بشكل طبيعي وتلقائي لدى الشعوب التي يتم احتلال أراضيها.
وإذا كان العام 1967 نقطة تحوّل في مسار التيار الديني في "إسرائيل" من خلال السيطرة على كل من القدس ونابلس والخليل وغيرها، فإن العام 2024 هو حلم "إسرائيل" الذي يتحقق، إلا في حال...