المقاتلون الأجانب في سوريا.. ورقة مساومة رابحة

ماذا ستفعل بكين وموسكو وعواصم أخرى في حال تعيين البعض من المقاتلين الأجانب أو مستقبلاً أولادهم كملحقين عسكريين في السفارات السورية في هذه العواصم.

0:00
  •  سوريا ستكون حقلاً لتجارب الدول والقوى الإمبريالية والصهيونية وأجهزتها السرية.
    سوريا ستكون حقلاً لتجارب الدول والقوى الإمبريالية والصهيونية وأجهزتها السرية.

باعتراف مبعوث الرئيس الأميركي إلى سوريا توماس باراك فقد "وافقت على اقتراح الرئيس الانتقالي أحمد الشرع لضمّ الآلاف من المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا معه ضدّ نظام الأسد إلى الجيش وقوات الأمن السورية شريطة أن يحدث ذلك بشفافية".

واشنطن وعلى لسان الرئيس ترامب خلال لقائه مع الشرع في الرياض كانت قد طلبت من دمشق التخلّص من المقاتلين الاجانب كأحد الشروط الرئيسية لإلغاء العقوبات الأميركية،يبدو أنها دخلت في مسار جديد مع الإدارة السورية الجديدة مع المعلومات التي تتوقّع التوقيع على اتفاقيات عديدة للتحالف العسكري بين الطرفين خلال زيارة وزير الدفاع  الأميركي هيغثيت إلى دمشق.

التغيير في الموقف الأميركي هذا أثار العديد من التساؤلات فيما يتعلّق بخلفيّات وأسباب ونتائج هذا التغيير الذي قيل إنه جاء في إطار التنسيق والتعاون التركي-الأميركي المشترك، ليس فقط حيال قضايا المنطقة بل فيما يخصّ السياسات الدولية التي يبدو أنّ الرئيس ترامب سيعتمد خلالها على الرئيس إردوغان أكثر من أيّ دولة أخرى في المنطقة خاصة بعد أن حصل على ما أراده من أنظمة الخليج.

مع غياب  الدور المصري الذي يبدو أنّ ترامب سيتجاهله خلال المرحلة المقبلة بعد أن رفض الرئيس السيسي خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة. 

وعودة لضمّ المقاتلين الأجانب إلى الجيش وقوات الأمن السورية وهو ما تحقّق أساساً منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد حيث منح الرئيس الشرع  العشرات منهم رتباً عسكرية عليا وكلّفهم بمهام حسّاسة داخل وزارة الدفاع ورئاسة الأركان وأجهزة الأمن والمخابرات الجديدة، فلم يتردّد الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات جديدة على ثلاث مجموعات إرهابية محسوبة على تركيا بعد أن حمّلها مسؤولية المجازر ضدّ العلويين بعد 5 آذار/مارس الماضي.

وعلى الرغم من تناقض المعلومات عن العدد الدقيق للمقاتلين الأجانب فالحدّ الأدنى لهذا العدد هو قرابة عشرة آلاف ومعظمهم من مواطني الصين (الإيغور ذي الأصل التركي) وروسيا (الشيشان ذي الأصل التركي) وأوزبكستان والسعودية وتونس ومصر والأردن وتركيا وألبانيا، فقد وضعت العديد من مخابرات الدول المختلفة سيناريوهات مثيرة عن احتمالات الاستفادة من هؤلاء المقاتلين في مهمات سرية أو علنية تخدم أجنداتها، ليس فقط في المنطقة بل في مختلف أنحاء العالم خاصة بعد التجربة الناجحة لنقل البعض من هؤلاء كمرتزقة للقتال في ليبيا وكاراباخ والقليل منهم في أوكرانيا ضد روسيا.

في الوقت الذي لا يستبعد فيه المراقبون لأنقرة أن تكون الرابح الأكبر في عملية الدمج هذه طالما أنها كانت على تواصل دائم مع هؤلاء المقاتلين الأجانب الذين جاءوا تركيا من بلدانهم، ودخلوا عبر حدودها المشتركة إلى سوريا وانضموا إلى "داعش" أو النصرة ولاحقاً هيئة تحرير الشام منذ ما يسمّى بـ "الربيع العربي" عام 2011.

وتضع  هذه السيناريوهات العديد من الدول أمام احتمالات مثيرة وأحياناً خطيرة إذا لم يتخلَ هؤلاء المقاتلون الأجانب عن نهجهم وأسلوبهم العقائدي، وهو ما لن يفعلوه خاصة بعد أن يستلموا العديد من المناصب الحسّاسة بعد منحهم ومنح أولادهم الجنسية السورية التي قد يستغلّونها في "نضالهم الجهادي المستقبلي".

فعلى سبيل المثال قد يتبوّأ البعض منهم مناصب حسّاسة في السلك العسكري والاستخباراتي بل وحتى الدبلوماسي الذي سيضع العديد من الدول ومنها الصين وروسيا أمام تحدّيات خطيرة مع مساعي واشنطن وحليفاتها في أوروبا والمنطقة للسيطرة على القرار السوري، ويبدو واضحاً أنه لن يكون بعد الآن مستقلاً بأي شكل كان مع استمرار المنافسة الإقليمية والدولية في سوريا .

فماذا ستفعل بكين وموسكو وعواصم أخرى في حال تعيين البعض من المقاتلين الأجانب أو مستقبلاً أولادهم كملحقين عسكريين في السفارات السورية في هذه العواصم،وقد يكون أحد المسؤولين عن علاقة دمشق معها من المقاتلين الشيشان أو الأيغور أو الأوزبك أو من المصريين أو السعوديين أو التونسيين الأشداء في الأداء العقائدي الداعشي الذي سيبقى مؤثّراً فيهم جميعاً طالما هم تربّوا عليها بإرادتهم أو بتحريض من العديد من أجهزة المخابرات التي قامت بتدريبهم وتأهيلهم والاستفادة منهم، كما هو الحال في علاقة زعيم هؤلاء المقاتلين أبي محمد الجولاني، وكل ذلك وفق اعترافات السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد والآخرين من هؤلاء المقاتلين أو زعمائهم.

وكان هؤلاء المقاتلون جميعاً على علاقة مباشرة مع مختلف الأجهزة التركية منذ دخولهم إلى سوريا والقتال هناك، ولا سيما عندما كانوا في إدلب التي كانت تركيا تغطي جميع احتياجاتهم واحتياجات مقاتليها السوريين منهم والأجانب خاصة بعد مقتل زعيم "داعش" البغدادي في الـ 27 من تشرين الأول/أكتوبر وكان على بعد عشرة كم من مقر الجولاني.

مع التذكير أنّ ما يسمّى بالجيش السوري الحرّ قد تأسس في تركيا صيف 2011 كما تأسّس ما يسمّى بالجيش الوطني السوري في تركيا صيف 2019 وتحت إشراف ضباط الأركان والمخابرات التركية، ويبدو أنها الأكثر حظاً في الاستفادة من قرار الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في توظيف الأجانب ومن بينهم الأتراك في الجيش وقوات الأمن السورية، وستبقى من دون أدنى شكّ تحت تأثير واشنطن والبعض من العواصم الأوروبية والإقليمية وأهمها الرياض والدوحة وأبو ظبي.

وكانت منذ بداية الأزمة على تنسيق وتعاون مباشر وشامل فيما يتعلّق بتفاصيل التدخّل المشترك في سوريا وهو ما اعترف به رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم في الـ 27 من تشرين الأول/أكتوبر 2017 عندما قال آنذاك إنهم "كانوا جميعاً يتهافتون خلف الصيدة أي الرئيس الأسد وفلتت منهم" ولكن انقضّ عليها الجولاني في الـ 8 من كانون الأول/ ديسمبر  2024 وبدعم من تحدّث عنهم حمد بن جاسم.

ويضيئون الآن معاً الضوء الأخضر للمقاتلين الأجانب فأصبح الشرع رئيساً "مؤقتاً" لسوريا بأصوات هؤلاء المقاتلين الذين سيكونون بعد الآن في خدمة من جعل من زعيمهم رئيساً لسوريا.

فلماذا لا يكونون هم أيضاً "شيئاً  ما" في مكان ما من هذه الجغرافيا وخارجها وكان فيها ما يكفيها من حكايات التآمر التي ستكتسب بعد الآن عمقاً خطيراً في سوريا التي نقلت المروحيات الصهيونية الكثير من هؤلاء المقاتلين إلى المستشفيات الإسرائيلية وعالجتهم بعد أن أصيبوا خلال اشتباكاتهم مع الجيش السوري،كما هي نقلت المئات من عناصر الخوذ البيضاء إلى "إسرائيل" ومنها إلى الأردن ثم بريطانيا التي تبنّت مخابراتها تشكيل وتمويل  هذ المجموعة، ومديرها رائد الصالح وزير في حكومة الشرع.

وأثبتت كلّ هذه المعطيات أنّ سوريا ستكون حقلاً لتجارب الدول والقوى الإمبريالية والصهيونية وأجهزتها السرية منها والعلنية التي ستستفيد من المقاتلين الأجانب بشكل أو بآخر كما هي استفادت من أمثالهم منذ ما يسمّى بـ "الربيع العربي"، وقبل ذلك من القاعدة وطالبان وأمثالها ليس فقط في أفغانستان بل في العديد من دول المنطقة التي عاشت ما عاشته من سنوات النار والدم منذ أن التقى الرئيس روزفلت مع الملك عبّد العزيز آل سعود في الـ 14 من شباط/فبراير 1945.

وأصبحت السعودية ومعها دول الخليج بعد ذلك في خدمة كلّ المشاريع الاستعمارية وسلاحها الوحيد في ذلك هو الإسلام السياسي منه والمسلّح، كما هو الحال في المقاتلين الأجانب وهم امتداد للقاعدة وطالبان وبوكو حرام والشباب و"داعش" والنصرة وغيرها من الحركات "الجهادية" القابلة للاستخدام في كلّ مكان وزمان وضد كلّ من يعادي أسيادها!