لماذا يسعى العدو لتجنب الحرب في الجبهة الشمالية؟
المخاطر والتداعيات، التي يقدّرها العدو في حال اندلاع حرب في الجبهة الشمالية فقط، كفيلة بفهم مساعي العدو لتجنب سيناريو الحرب، واللجوء إلى سياسة نزع فتيل الأزمات.
تشير تقديرات العدو الإسرائيلي إلى أن فرص اندلاع حرب في الجبهة الشمالية ما زالت قائمة، على الرغم من تراجع التوتر عند الحدود اللبنانية الفلسطينية بين "جيش" العدو وعناصر لبنانية، يُعتقد أنها تابعة للمقاومة اللبنانية.
كما يقدّر العدو أن اندلاع مواجهة واسعة في إحدى الجبهات، سرعان ما ستتحول إلى مواجهة متعددة الجبهات، في ضوء معادلة وحدة الساحات والربط بين الجبهات، والتي أفرزتها معركة سيف القدس، في أيار/مايو 2021، وما زال العدو يسعى لإجهاض المعادلة، والعمل على تبني سياسة الفصل بين الساحات والجبهات.
خشية العدو من الحرب الواسعة في الجبهة الشمالية، تعود إلى القدرات العسكرية الهائلة، التي بنتها المقاومة منذ حرب تموز/يوليو 2006، والأضرار والخسائر البشرية والمادية المتوقعة، والتي سيتكبّدها العدو، ومدى قدرة جبهته الداخلية على استيعاب وتحمل الخسائر التي ستكون غير مسبوقة منذ حرب أكتوبر 1973.
يقدّر العدو أن آلاف القتلى من الجنود والمستوطنين سيسقطون في الحرب المقبلة، كما أن البنية التحتية للكيان ستتعطل، ولن تتمكن حكومة العدو من المحافظة على وظيفتها المدنية تجاه المستوطنين، بسبب تعطل نظام الكهرباء والاتصالات والطاقة والدعم، لوجستياً وغذائياً، وعدم قدرة الموظفين على الحضور إلى أعمالهم، الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع حادّ في الخدمات المدنية.
تشير مصادر العدو إلى أن معدل إطلاق الصواريخ سيصل إلى نحو 6000 آلاف صاروخ يومياً، في الأيام الأولى من الحرب، وقد ينخفض خلالها إلى 2000 صاروخ. ويعتقد العدو أن منظومة القبة الحديدية ستسجل نسبة اعتراض محدودة، مقارنةً بالمعارك السابقة، بسبب الفارق الكبير في كثافة النيران ومعدلات الإطلاق اليومية.
ففي معركة سيف القدس عام 2021، أطلقت المقاومة في قطاع غزة نحو 4500 صاروخ خلال عشرة أيام من المعركة، بينما أطلقت خلال معركة العصف المأكول، عام 2014، نحو 3850 صاروخاً خلال 50 يوماً من المعركة، في حين أطلقت المقاومة اللبنانية نحو 4000 صاروخ في حرب تموز/يوليو 2006، خلال 33 يوماً، الأمر الذي يعني أن معدل الإطلاق اليومي في الحرب المقبلة سيتخطى مجموع الإطلاق في معركة واحدة خاضتها المقاومة في الأعوام الأخيرة.
تقدّر أوساط العدو أن القتلى من المستوطنين والجنود سيكونون بالمئات، والجرحى بالآلاف، كما ستكون المقاومة قادرة على تعطيل منشآت استراتيجية عسكرية ومدنية، منها شبكة الكهرباء، ومحطات الطاقة والاتصالات، والبنية التحتية الخَلَوية، كما ستتأثر القدرة على إطلاق صفّارات الإنذار، التي تحذّر من إطلاق الصواريخ.
يخشى العدو حالةَ الفوضى في جبهته الداخلية خلال الحرب، ويخشى اندلاع اشتباكات داخلية بين فلسطينيي الداخل المحتل، من جهة، والمستوطنين وشرطة العدو وما يسمى "حرس بن غفير الوطني"، من جهة أخرى، وذلك على نطاق أوسع من المظاهرات التي تفجّرت خلال معركة سيف القدس، وكان لها الأثر في تعطيل قوات العدو المحمولة، والتي انعكست على الأداء العسكري لقوات العدو وأفشلت عدداً من مخططاته، الأمر الذي دفع "جيش" العدو إلى إنشاء 16 كتيبة احتياطية، مهمتها إخلاء الطرق من أجل تنقّل قوات العدو ومواجهة الاحتجاجات، التي ستندلع خلال الحرب. ومع ذلك، فإن ما يُقلق العدو هو تكرار سيناريو توقف سائقي الشاحنات عن العمل بسبب الحرب، كما حدث في معركة سيف القدس.
يعتقد العدو أنه، في الحرب المقبلة، ستتوقف الموانئ والرحلات الجوية عن العمل، وستتقطع سلاسل التوريد، وسيتغيب نحو نصف الموظفين عن وظائفهم، وأكثر من ثلثيهم من العاملين في القطاعات الحيوية.وسيواجه العدو تحدي عدم توافر الملاجئ لعشرات الآلاف من المستوطنين، وهروب المستوطنين بعد تمكن المقاومة من تحرير منطقة الجليل المحتلة، وأسر آخرين.
المخاطر والتداعيات، التي يقدّرها العدو في حال اندلاع حرب في الجبهة الشمالية فقط، كفيلة بفهم مساعي العدو لتجنب سيناريو الحرب، واللجوء إلى سياسة نزع فتيل الأزمات، على غرار الاستجابة للمطالب اللبنانية المائية بعد أزمة حقل كاريش، وسلوك العدو تجاه "أزمة الخيام"، وقبلها في أعقاب عملية مجدو، والسيطرة على كاميرات حديثة في منطقة المطلة، وإقامة عشرات المواقع، التي يعتقد العدو أنها تتبع المقاومة، بالقرب من الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وإطلاق الصواريخ في شهر رمضان الماضي، وغيرها من المواقف غير المعتادة من العدو تجاه الأزمات، والتي ليس لها إلا تفسيرٌ وحيدٌ، هو الخشبة الكبيرة من اندلاع حرب واسعة في الجبهة الشمالية، والخشية الأكبر من اندلاع حرب متعددة الجبهات.