لماذا تدعم غوغل "إسرائيل"؟ وهل يمكن منع انحيازها؟
تعرف غوغل أنها تخرق نظامها الداخلي المتعلّق بحقوق الإنسان وآليات استخدام الأنظمة التي تطوّرها، وكذلك تخرق المواثيق ذات الصلة في الأمم المتحدة، ولكنها ماضية في انحيازها لـ "إسرائيل".
أثار تقرير لـ "واشنطن بوست" مؤخّراً جدلاً حول انحياز شركة غوغل لـ "إسرائيل"، وتزويدها لقوات الاحتلال ببرمجيّات الذكاء الاصطناعي التي استخدمتها خلال الحرب على غزة.
يقول التقرير إنّ أحد موظفي غوغل، في قسم الحوسبة السحابية (cloud computing)، وبعد السابع من أكتوبر، أرسل مستوضحاً بخصوص الطلب المتزايد لوزارة "الأمن الإسرائيلية" في استخدام خدمات الذكاء الاصطناعي التي تطوّرها الشركة.
بحسب تقرير الواشنطن بوست؛ "إسرائيل" طلبت توسيع استخدام نظامVertex للذكاء الاصطناعي، وأنّ "جيش" الاحتلال قد يذهب إلى خيارات أخرى (شركة أمازون) في حال لم تتمّ تلبية طلب التوسعة بالسرعة المطلوبة.
يضيء التقرير على فصل غوغل 50 موظفاً من غوغل، العام الماضي، بعد احتجاجهم على عقد Nimbus الذي أبرمته الشركة مع "إسرائيل"؛ مع الإشارة إلى أنّ هذه القضية تفاعلت قبل أكثر من عام، وتحديداً في العام 2022، عندما واجهت غوغل احتجاجات واستقالات متتالية، ومنها مديرة المبيعات آرييل كوين، التي كانت ضيفة حلقة من برنامج "في المعادلة"، في أيلول/سبتمبر 2022.
ولكن ما هي طبيعة الأنظمة والمشاريع التي تيسّرها شركة غوغل لـ "إسرائيل"؟
1. في العام 2021، بحسب صحيفة هآرتز، أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية عن التعاقد مع شركة غوغل، وكذلك أمازون، لبناء نظام نيمبوس Nimbus، بقيمة 1.2 مليار دولار. يؤمّن النظام إمكانيات تمييز الوجوه (Face Recognition)، وتصنيف الصور بدقّة (تحديد طبيعة الجسم الموجود في الصورة)، وتتبّع الأجسام، وتحليل العواطف والدلالات في نصّ أو تسجيل صوتي أو صورة.
من الملفت للانتباه أنّ "إسرائيل"، طلبت أن تكون الحوسبة السحابية محلية، بمعنى أن تكون الأجهزة التي تستخدم لتلبية هذه الأنظمة داخل أراضي فلسطين المحتلة، وفي هذا دلالة على الاهتمام الإسرائيلي بأقصى درجات السرية، حيث إنها تتجنّب النمط السائد في استخدام الحوسبة السحابية وترك البيانات تخزّن بناء على خيارات الشركة المشغّلة، وبنيتها التحتية من الخوادم التي تمتدّ إلى مساحة واسعة من دول العالم.
2. نظام خدمات Vertex الذي جاء تقرير الواشنطن بوست على ذكره، هو نظام يساعد مستخدمه على بناء مروحة واسعة من نماذج تعليم الآلة، بمعنى آخر هو البنية التحتية التي تساعد على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي، يحسب احتياجات المستخدم، عسكريّة كانت أو مدنيّة. وفي هذه الحالة يصبح Vertex هو الخوارزميّة الأكثر أهمية في البناء الكلي لنظام الذكاء الاصطناعي، المكوّن من مجموعة طبقات.
ادّعاءان زائفان تستمرّ "إسرائيل" في ترويجهما بخصوص استخدامها للذكاء الاصطناعي في الحرب:
الأول أنّها تحاول إضفاء سمة "التعاطف" على استخدامها لأنظمة الذكاء الاصطناعي، وأنها تحتاج هذه الأنظمة لتكون حربها "ذكية"، أقلّ ضرراً على المدنيين والبنية التحتية؛ ولكنّ المشهد المأخوذ من الجوّ، لحجم الدمار في غزة يثبت حقيقة أخرى؛ وهي أنّ "إسرائيل" تريد للتدمير أن يكون أكثر فعّالية في تحقيق الأهداف، ولكنّ الدمار الكلي آتٍ في كلّ الأحوال!
أما الادّعاء الثاني، أنّ "إسرائيل" تنسب إنجازات أنظمة الذكاء الاصطناعي لنفسها؛ ومهما كان اسم النظام الذي تعلن عنه؛ "أين أبي" الذي يتخصّص في مطاردة المقاومين في بيوتهم، أو لافندر أو هابسورا، فجميعها تصبح عارية لولا عمليات التكامل مع الخوارزميات التحتية مثل Vertex ولولا الدعم بصور الأقمار الصناعية، وتقنيات الاتصالات التي تعترض المكالمات والرسائل النصية.
تعرف غوغل كلّ هذه المعطيات، وتعرف أكثر أنها تخرق نظامها الداخلي المتعلّق بحقوق الإنسان وآليات استخدام الأنظمة التي تطوّرها، وكذلك تخرق المواثيق ذات الصلة في الأمم المتحدة، ولكنها ماضية في انحيازها لـ "إسرائيل":
1. في الصورة العامّة؛ داخل مقرّ شركة غوغل تجد أشجار البرتقال الصناعية، غوغل ترى في الاحتلال مشروعاً تحوّل من تصدير البرتقال إلى تصدير التكنولوجيا، وهي بذلك تضرب بالحقيقة التاريخية عرض الحائط، وتتجاهل أنّ البرتقال هو أيقونة الفلاح الفلسطيني التاريخية، ومرتبطة به، ولذلك ليس غريباً أن يقول نتنياهو: "هنا إسرائيل، العلم والشمس وغوغل"، وليس غريباً أن تستقبل "إسرائيل" المدير التنفيذي السابق، الأكثر شهرة في غوغل، إريك شميت، عام 2016، وعلى أرضيّة القاعدة الجوية ترتسم حروف كلمة غوغل في انتظار هبوط طائرته!
2. غوغل استحوذت على عدد من الشركات الناشئة في "إسرائيل"، ودعمتها ودرّبتها ووسّعتها. (ومن تلك الشركات، WAZE، Slicklogin، Elastifile، Alooma)، واستثمرت غوغل في الشركات الإسرائيلية الناشئة في الأمن السيبراني عن الوحدة 8200.
3. عُقدت اتفاقية شراكة بين Google pay مع بنك لومي الذي يموّل بناء المستوطنات، وفي هذا تناقض مع التحفّظات، التي يلتزم بها جزء من الغرب بالمناسبة، في اعتبار أنّ النشاط الاقتصادي في المستوطنات هو خرق للقوانين الدولية.
4. مشروع E-nnovate، الذي تعهّدت فيه غوغل برفع الناتج الإجمالي الإسرائيلي.
5. فلسطين على خرائط غوغل غير حاضرة، حتى إنّ خرائط غوغل شطبت مسمّى الضفة الغربية سابقاً، وبرّرت ذلك بخطأ فنّي تمّ علاجه. في النقب، لا تجد الأسماء الفلسطينية، وتجد أسماء إسرائيلية.
6. لا يختصر الانحياز بما نراه، ولكنْ ثمّة انحياز يغيب في أحشاء الخوارزميّات العميقة، فغوغل لا تحدّد خصائص التكملة التلقائية للبحث (Auto Completion) بناء فقط على ما تراكمه من معلومات عن المستخدمين وبيئتهم، وإنما أيضاً بما يتوافق مع "سياساتها"!
إذا كانت غوغل تطمع بـ 525 مليون دولار من وزارة "الأمن الإسرائيلية"، في الفترة الممتدة بين 2021 و2028، فهذا لا يقارن بحجم الطموحات الاقتصادية في السوق السعودي، ومن ذلك العمل على إنشاء مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي، من المتوقّع أن يساهم بـ 71 مليار دولار في الاقتصاد السعودي.
لذلك، فإنّ العامل الربحيّ ليس هو الذي يحرّك انحياز غوغل لـ "إسرائيل"، وإنما ينطق من عاملين أساسيّين؛ الأوّل، ارتكانها لفكرة أنّ الدول العربية لن تمارس ضغوطاً اقتصادية كافية لتخلّيها عن العلاقة بـ "إسرائيل"، والثاني؛ أنّ هذا الدعم له سمة أيديولوجيّة متفرّعة عن الدعم السياسي الذي تمارسه الولايات المتحدة نفسها.
في منصة ترتبط شريحة ضخمة من المستخدمين بخوارزميّاتها، من الاستخدام الشخصي في البحث والتواصل إلى خدمات تشغيل الأنظمة المدنيّة الكثيرة إلى الموجة المقبلة من الذكاء الاصطناعي، ليس من السهل الافتكاك من خيوطها المعقّدة والمتشابكة مع مصالح الدول والأفراد، ولكنّ الاستمرار في شروط اللعبة نفسها سيكون كارثيّاً في المستقبل؛ وإذا كانت خطورة الشركات التقنيّة الكبرى على بلدانها يتمثّل في تهديد الديمقراطية (كما يقول فوكويوما)، فإنّ تهديدها في بلداننا يرتبط بالسيادة والأمن القومي مباشرة، الأمر الذي يفرض العمل الجدّي على خطة خروج، قد تتكرّس ملامحها الأولى في الاتجاه شرقاً..