كيف حارب بوتين الأوليغارشية الروسية وطوعها؟

ظهور مجموعة "فاغنر" وانتصارها في باخموت يطرح موضوع علاقة الأوليغارشيا الروسية بالدولة الروسية وبالسياسات التي ترسمها بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين.

  • كيف حارب بوتين الأوليغارشية الروسية وطوعها؟
    كيف حارب بوتين الأوليغارشية الروسية وطوعها؟

في 20 أيار/مايو 2023، حقّق الروس انتصاراً كبيراً في أوكرانيا من خلال الاستيلاء على مدينة باخموت أو أرتيوموفسك، لكن ما كان فريداً في هذا الانتصار أن قيادة الجيش الروسي لم تعلنه، بل مجموعة فاغنر، وهي منظمة شبه عسكرية روسية تعمل كشركة عسكرية خاصة ويملكها يفغيني بريغوجين، ما يطرح موضوع علاقة الأوليغارشيا الروسية بالدولة الروسية وبالسياسات التي ترسمها بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين.

مجموعة فاغنر

يُعتقد أنَّ الجماعة نفذت عمليات عسكرية في عدة دول، بما في ذلك سوريا وليبيا وأوكرانيا. وفي الغالب، فإن أعضاءها هم من العسكريين الروس السابقين. وقد تم الكشف عن مجموعة فاغنر للمرة الأولى عام 2014، عندما ظهرت تقارير تفيد بأنَّ مقاتليها كانوا يقاتلون إلى جانب مقاتلي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا. منذ ذلك الحين، ارتبطت المجموعة بعدة نزاعات، بما في ذلك الحرب في سوريا وليبيا. وتفيد تقارير بأنَّ المجموعة هي في الواقع إحدى أدوات الدولة الروسية في لتحقيق أهداف سياستها الخارجية.

وانتقلت أنشطة المجموعة بعد ذلك إلى عدة دول خاصة في أفريقيا، مثل السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وغينيا. وفي ليبيا، قامت المجموعة بدعم قوات خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني. 

وفي السودان، ساعدت المجموعة الرئيس المخلوع عمر البشير ضد المتمردين في دارفور، وعقدت علاقات وثيقة مع قوات الدعم السريع السودانية بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو. وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، أدت مجموعة فاغنر دوراً رئيسياً في توفير الأمن للرئيس فوستين أرشانج تواديرا.

 

في واقع الأمر، فإن مجموعة فاغنر تعمل في مناطق وساحات من ضمن اهتمامات الدولة الروسية، وبالتالي فإن هذه المجموعة تشكل أداة للكرملين لتحقيق الأهداف الجيوسياسية لروسيا في ساحات صراع مثل أوكرانيا وروسيا وليبيا والسودان وأفريقيا جنوب الصحراء.

ويطرح واقع أنَّ مجموعة شبه عسكرية خاصة، مثل مجموعة فاغنر، يملكها واحد من الروس الأثرياء، تشكل امتداداً للجيش والسياسة الخارجية الروسية تساؤلات عن الدور الذي أدته الأوليغارشيا الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. والأوليغارشيون الروس هم رجال أعمال حصلوا على ثرواتهم عبر علاقاتهم مع الحكومة الروسية والنخبة السياسية في عهد الرئيس بوريس يلتسين (1991 - 2000).

وفي عهد الرئيس فلاديمير بوتين، كان لهؤلاء الأوليغارشيين علاقات متذبذبة مع مؤسسات الدولة الروسية؛ فبينما دعموا صعود بوتين لمنع عودة الشيوعيين إلى السلطة، كان الرئيس الروسي يفكر في إعادة أولوية الدولة على حساب المصالح الخاصة للأوليغارشيا.

الأوليغارشيا الروسية تحت حكم بوتين

عندما وصل بوتين إلى السلطة عام 2000، كان هناك أوليغارشيا قوية في روسيا تسيطر على جزء كبير من اقتصاد البلاد. ومع ذلك، أوضح بوتين أن هدفه ليس القضاء على هذه الأوليغارشيا، بل جعلها تحترم قوانين الدولة الروسية ومصالحها. وقد حاول بعض الأوليغارشيين مواجهته من أجل الحفاظ على نفوذهم وتجنب دفع الضرائب للدولة، ما دفع الرئيس الروسي إلى الضرب بيد من حديد.

نتيجة ذلك، فرَّ بعض الأوليغارشيين الروس من البلاد، فيما رضخ الآخرون لمطالب بوتين بالالتزام بالمصالح العليا للدولة. لذلك، اتخذ بوتين إجراءات صارمة ضد أوليغارشيين، مثل ميخائيل خودوركوفسكي، وبوريس بيريزوفسكي، وسيرجي بولونسكي.

وقد قبض على ميخائيل خودوركوفسكي، الذي كان في يوم من الأيام أحد أغنى الرجال في روسيا، عام 2003، وسجن بتهمة الاحتيال والتهرب الضريبي، وأمضى 10 سنوات في السجن، ثم فرّ من البلاد.

أما بوريس بيريزوفسكي، فكان أحد النافذين في الكرملين في عهد بوريس يلتسين، لكنه نُفي من روسيا عام 2000، وانتحر عام 2013 في المملكة المتحدة. كذلك، فإن سيرجي بولونسكي، المطور العقاري ورجل الأعمال، تعرض لتحقيق جنائي من السلطات الروسية في أعقاب الأزمة المالية التي اندلعت عام 2008. وقد فرَّ إلى كمبوديا، لكن تم القبض عليه عام 2013، وأُعيد إلى روسيا للخضوع للمحاكمة.

من ناحية أخرى، اختار بعض الأوليغارشيين الخضوع لإرادة الدولة الروسية، وكان من بينهم أليشر عثمانوف ورومان أبراموفيتش ويوري ميلنر. وأليشر عثمانوف هو أحد أغنى الرجال في روسيا، وله صلات وثيقة ببوتين والكرملين. أما رومان أبراموفيتش، فهو مالك نادي تشيلسي الإنكليزي لكرة القدم، وله صلات وثيقة ببوتين. كذلك، فإن يوري ميلنر هو مستثمر تقني، وقد وُصف بأنه أحد مستشاري بوتين الموثوق بهم.

نخبة الكرملين

مع مرور الوقت، أصبح بوتين يعتمد بشكل متزايد على دائرة أصغر من الأوليغارشيين المعروفين بـ"نخبة الكرملين"، وهم يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بالحكومة، وقادرون على ممارسة تأثير كبير في الأعمال والسياسة في روسيا. وقد عمل بوتين على تنمية العلاقات مع هؤلاء الأوليغارشيين واستخدام خبراتهم ومواردهم لدفع الأجندة السياسية للدولة الروسية في العالم، وخصوصاً في أوروبا. 

وإضافةً إلى الأوليغارشيين المذكورين أعلاه القريبين من بوتين، يجب أيضاً ذكر أندريه ميلينشينكو، مؤسس شركة الأسمدة والفحم "يوروكيم"، الذي يستثمر في شراء اليخوت الفاخرة والعقارات في أوروبا، بما في ذلك يخت بقيمة 200 مليون جنيه إسترليني وممتلكات بقيمة 25 مليون جنيه إسترليني في لندن.

كذلك، يجب إيراد اسم ديمتري ريبولوفلي، وهو الملياردير الذي اشترى عدداً كبيراً من العقارات في أوروبا، بما في ذلك شقة بنتهاوس، بقيمة 220 مليون جنيه إسترليني في موناكو، إضافة إلى جزيرة يونانية.

كذلك، فإن ميخائيل فريدمان هو أيضاً عضو في نخبة الكرملين، وهو المؤسس لمجموعة "ألفا" الروسية التي استثمرت في قطاع الاتصالات في أوروبا، بما في ذلك شراء مشغل اتصالات "أو2" في المملكة المتحدة. أخيراً، يجب ذكر فيكتور فيكسيلبيرج، وهو رجل الأعمال الذي استثمر في شركات التكنولوجيا والتعدين في أوروبا، بما في ذلك شراء حصة في شركة "سولزر" الهندسية السويسرية وإقامة شراكة مع شركة "أندريتز" الهندسية النمساوية.

وقد استثمر هؤلاء الأوليغارشيون في أوروبا كجزء من إستراتيجية الدولة الروسية لبناء شراكات مع الدول الأوروبية في المجالات التي تهم الدولة الروسية. لذلك، استثمر الأوليغارشيون الروس بشراء العقارات الفاخرة في أوروبا، لا سيما لندن وإسبانيا وإيطاليا، وسيطروا على وسائل الإعلام في أوروبا، بما في ذلك العديد من الصحف والقنوات التلفزيونية ومنصات التواصل الاجتماعي. 

إضافة إلى ذلك، شاركت الأوليغارشيا الروسية في استخراج الموارد الطبيعية في أوروبا، ولا سيما في قطاع الطاقة. على سبيل المثال، تم تمويل مشروع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" من قبل مجموعة من الشركات، بما في ذلك عملاق الغاز الروسي "غازبروم".

يُشار إلى أنَّ غالبية هؤلاء الأوليغارشيين هم من اليهود، مثل رومان أبراموفيتش وديمتري ريبولوفليف وميخائيل فريدمان وفيكتور فيكسيلبرغ، فيما أليشر عثمانوف مسلم وأندريه ميلينشينكو مسيحي أرثوذكسي.

 قد يثير ذلك تساؤلات، وخصوصاً أن عدد اليهود في روسيا يتراوح بين 400 – 500 ألف، وهم يمثلون أقل من 1% من السكان في روسيا. ومع ذلك، يؤكد المحلّلون أنَّ انتماءهم الديني لا يؤثر في ولائهم للكرملين ولا في سياسات الدولة.

في الوقت نفسه، فإنَّ انتماءهم الديني يحميهم في الغرب ويساعدهم على توسيع أعمالهم هناك من دون عوائق من قبل الحكومات الغربية نتيجة حساسية أوروبا والولايات المتحدة تجاه قضية معاداة السامية بعد الحرب العالمية الثانية.

وحتى الآن، أثبت هؤلاء الأوليغارشيون أنهم مفيدون للغاية للدولة الروسية الساعية لتحقيق أهدافها وحماية مصالحها في عالم يسيطر عليه الغرب حتى الآن.