قرارات القمة العربية..قراءة في التوقيت والمسارات
انعقدت القمة العربية الطارئة في القاهرة في لحظة فارقة من عمر القضية الفلسطينية وأمام اختبار حقيقي لبحث التطوّرات المتسارعة والخطيرة التي تواجه الشعب الفلسطيني وسط مخاوف من تنفيذ مخططات لتهجير الفلسطينيين.
-
القمة العربية الطارئة فشلت في اتخاذ خطوات عملية بحجم التحدّيات.
انعقدت القمة العربية الطارئة في القاهرة في لحظة فارقة من عمر القضية الفلسطينية وأمام اختبار حقيقي لبحث التطوّرات المتسارعة والخطيرة التي تواجه الشعب الفلسطيني، وسط مخاوف كبيرة من تنفيذ مخططات إسرائيلية أميركية لتهجير الفلسطينيين تحت وطأة الحرب الإسرائيلية، وأمام صمت دولي كبير على الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
التوقيت الذي انعقدت فيه القمة العربية ليس بالتوقيت العربي المثالي، إذ جاءت في وقت تعاني منه المنطقة العربية حال العجز والانقسام، وفي ظل واقع مأزوم للأمّة العربية والإسلامية، تقابلها على الزاوية الأخرى من الصورة بلطجة أميركية وعنهجية وعربدة إسرائيلية غير مسبوقة يقف خلفها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومجرم الحرب بنيامين نتنياهو، وسط غياب صريح للمواقف الدولية المندّدة بالقتل والتهجير، وهذا وضع الموقف العربي أمام اختبار مصيري في وقت تمرّ به القضية الفلسطينية بمنعطف خطير.
هناك قاعدة مشهورة تقول إنّ العاجز لا يرفع سيفاً، فالقمة العربية الطارئة شهدت غياباً واضحاً لعدد من الزعماء العرب، كالسعودية والإمارات والجزائر وتونس وآخرين، وهذا يعكس انقساماً حقيقياً واضحاً في الموقف العربي الرسمي تجاه ما يحدث في قطاع غزة وما تمرّ به القضية الفلسطينية على وجه التحديد، ولا أبالغ إن وصفت أنّ ما جرى في القاهرة هي قمة على الطريقة والرغبة الإماراتية إلى حدّ كبير في طرحها، قمة قائمة على إقصاء المقاومة من المشهد السياسي الفلسطيني ونزع سلاحها الذي قاوم وانتصر بعد أن فرضت نفسها كمؤثّر فاعل في المعادلة السياسية والعسكرية خلال الحرب على غزة.
جاء التحدّي الأكبر أمام الدول العربية في هذه القمة وهي تمرّ في أضعف مراحلها، ولعلّ البيان الختامي الذي صدر في ظاهره عدّه البعض خطوة نحو حماية القضية الفلسطينية لكنه لا يعكس موقفاً عربياً موحّداً في جوهره، ولعلّ أبرز ما صدر في بيان القمة العربية أنه عدّ السلام خيار العرب الاستراتيجي، بينما الموقف الإسرائيلي يقول إن الحرب هي خيار "إسرائيل" الاستراتيجي في وقت تنصّلت فيه من اتفاق وقف إطلاق النار وتلوّح بالعودة للحرب في كلّ لحظة، وعلى الزاوية الأخرى من المشهد تتغوّل على كلّ المنطقة وتزداد أطماعها في فلسطين ولبنان وسوريا وتبقي على حال خيار الحرب والمواجهة خياراً قائماً.
البيان ذاته أكد إمكانية إيجاد بديل واقعي لتهجير الفلسطينيين من دون التطرّق إلى خطة عملية تعزّز صمود الفلسطيني، أو الردّ على خريطة الطريق التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمتعلّقة بتهجير سكان قطاع غزة، وما تبعها من مواقف أميركية رافضة لمخرجات القمة وتحديداً هذا البند المتعلّق بأن لا مفر ولا خيار عن خطة ترامب للتهجير، ويعني ذلك غياباً صريحاً للموقف العربي كقوة عربية قادرة على فرض موقف عملي يواجه تحدّيات المرحلة ويضع حداً للغطرسة الأميركية الإسرائيلية على وجه الخصوص، ويوقف التهجير ويحمي ما تبقّى من الحقوق الفلسطينية باتخاذ القرارات اللازمة قانونياً ودولياً لوقف مخطط التهجير.
فشلت القمة العربية الطارئة في اتخاذ خطوات عملية بحجم التحدّيات، خاصة أن الخطر بات يتهدّد دولاً عربية بعينها كمصر والأردن، وأهمها موقف عربي قوي يلجم "إسرائيل" في رغبتها استمرار الحرب على الشعب الفلسطيني، ويوقف مسلسل الإبادة، ويرفع الحصار عن قطاع غزة، بل وأقلّ من ذلك في فشل الدول في اتخاذ قرار عربي مستقل بفتح معبر رفح على مصراعيه برغبة سياسية عربية من دون الارتهان للرغبة الأميركية والتحكّم الإسرائيلي القائم.
لم تمضِ ساعات على صدور بيان القمة العربية ورغم أن جزءاً من قراراته تدور في الفلك الأميركي إلا أنّ إصدار البيت الأبيض بياناً يعبّر فيه عن رفضه للخطة العربية المصرية، وإعلانه تمسّك ترامب بخطته للتهجير شكّل صفعة للمجتمعين في القاهرة، وهذا بحدّ ذاته يعكس حال العجز العربي في استخدام وممارسة أوراق القوة وأدوات الضغط العربية في اتخاذ قرارات أكثر شجاعة تواجه البلطجة الأميركية والغطرسة الإسرائيلية، رغم امتلاك عدد من الدول لهذه الأوراق.
ثمّة سؤال يطرح نفسه في هذا المقام، هل فعلاً تأخذ "إسرائيل" قرارات القمة العربية على محمل الجدّ؟ بالطبع لا، ولو كان العكس لما تجرّأت على إعلان تمسّكها بالحرب كخيار استراتيجي، في مقابل إصرار الموقف العربي على خيار السلام الذي لم تُبقِ "إسرائيل" مكاناً له على الأرض ببطشها وجرائمها ومخططاتها الرامية لتوسيع نطاق أطماعها في المنطقة.
أكبر مؤشّر على استخفاف "إسرائيل" في أيّ قرارات عربية تصدر، هو إدراكها أنّ دولاً بعينها تريد الاستمرار والسير في الفلك الأميركي الإسرائيلي ولا تريد الخروج منه مهما جرى لفلسطين وقضيتها، ولو أنّ العرب في قمتهم تطرّقوا إلى قرارات استراتيجية شجاعة مثل وقف التطبيع وقطع العلاقات مع "إسرائيل" وسحب السفراء لكان الوضع مختلفاً تماماً، إذ إن السقف العربي لا يزال يتمسّك بما يسمّى حلّ الدولتين الذي قضت "إسرائيل" على كلّ معالمه وأعدّت خطة لحسم الصراع مع الفلسطينيين منذ الأسبوع الأول لهذه الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتطرّفة.
فشلت القمّة في إثبات قدرتها على توحيد الفلسطينيين أو تشكيل قيادة فلسطينية موحّدة تضمّ كلّ الفصائل الفلسطينية وترتقي لمستوى الأحداث ولجأت لخيار تشكيل هيئات تتبع دولاً عربية إقليمية، واقتصرت قراراتها على رفض استقبال المهجّرين، والمشاركة في إعادة الإعمار وفق الرؤية التي تنسجم مع رغبة "إسرائيل" وأميركا بما يضمن إخراج المقاومة من المشهد.
افتقرت القمة العربية إلى موقف عربي صلب رغم حجم الرفض والإدانات التي نسمعها، إذ إنّ القضية باتت لا تحتمل التردّد أو بيع المواقف السياسية الإعلامية، وباتت بحاجة ماسة إلى تحرّك فعلي على كلّ الصعد باعتبار قضية تهجير الفلسطينيين جريمة وفق القانون الدولي، بل ومن الضروري التحرّك العربي تجاه إثارة القضية في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية وكلّ المحافل الدولية المختصة، ومعها قرارات عربية استراتيجية تلجم "إسرائيل" وتضعها عند حدّها وترفض الابتزاز الأميركي في هذه القضية باتخاذ قرارات أكثر جرأة في تعزيز التحالفات مع الصين وروسيا وإعادة النظر في كثير من الاتفاقيات الدولية الموقّعة مع الولايات المتحدة الأميركية التي تؤثّر في المعادلة السياسية في المنطقة.
أيّ قرارات تفتقر إلى الجرأة ستبقى بالطبع بعيدة عن دائرة التنفيذ وتبقى في دائرة المواقف التقليدية التي نسمعها تتردّد إزاء كلّ قمة عربية تعقد، وهنا يجب ألا نغفل ضرورة وأهمية اتخاذ القرارات مع توفّر الإرادة السياسية التي تتجاوز حدود المصالح أو الارتهان لأجندات خارجية تجعلها مقيّدة إلى حدّ كبير.
ثمّة نتيجة يدركها الفلسطيني الحرّ في قطاع غزة الذي عاش الحرب والإبادة بل والفلسطيني الحرّ في كلّ مكان، أنّ من صمت وطبّع مع "إسرائيل" وتآمر على المقاومة لا يمكن أن يكون جزءاً من الحلّ أو يساهم فيه، والأهم من ذلك أنّ ما عجز عنه نتنياهو طيلة خمسة عشر شهراً لن يأتي عبر خطة إقصاء المقاومة لتحقيق أهداف نتنياهو المعلنة وهو ما عجز عنه طيلة حرب الإبادة على قطاع غزة.