عرائض وقف الحرب على غزة في "تل أبيب" هل ثمة جدوى؟
إدانة نتنياهو للعريضة التي أصدرها عناصر من سلاح الجو جاء تعبيراً عن طبيعة المأزق، وهو يتهم من أصدرها بأنهم "مجموعة متطرفة تحاول تقويض المجتمع الإسرائيلي من الداخل وبأن هدفهم إسقاط الحكومة".
-
ما زالت الحركة الاحتجاجية ضد الحرب في الكيان الإسرائيلي تحت السيطرة حتى هذه اللحظة.
"نحن عناصر سلاح الجو في الاحتياط والمتقاعدين، نطالب بالعودة الفورية للرهائن حتى وإن كلّف ذلك الوقف الفوري للأعمال القتالية، إن الحرب تخدم بالدرجة الأولى مصالح سياسية وشخصية لا مصالح أمنية، وهي ستسفر عن وفاة الرهائن والجنود والمدنيين الأبرياء، وإنهاك خدمة الاحتياط".
صدرت هذه العريضة عن 1000 طيار في سلاح الجو من الاحتياط والمتقاعدين، ليتصاعد عقب صدورها المزيد من العرائض في الكيان الإسرائيلي، تؤيد وتدافع عن الطيارين الموقعين، وقد شمل ذلك مختلف قطاعات الجيش الإسرائيلي خاصة في قوات الاحتياط، بما فيها البحرية والمدرعات والقوات الخاصة وألوية المشاة، والعديد من شرائح المجتمع الإسرائيلي ولا سيما الأكاديميين والمعلمين والفنانين، وتُلحظ من خلال ذلك زيادة عدد الموقعين.
وتأتي إدانة نتنياهو لهذه العرائض تعبيراً عن طبيعة المأزق، وهو يتهم من أصدرها أنهم "مجموعة متطرفة تحاول تقويض المجتمع الإسرائيلي من الداخل وأن هدفهم إسقاط الحكومة"، لذا أمر بقمع الناشطين الفاعلين في الموقعين وفصلهم من الخدمة بشكل نهائي، لأن هذه البيانات تضعف الجيش وتقوّي أعداءنا خلال فترة الحرب فهي لا تُغتفر.
لم يتأخر رئيس هيئة الأركان إيال زامير بإعلان التعبئة العامة ضد هذه العريضة، لتُتَرجَم عبر أوامر رسمية أصدرها قائد سلاح الجو تومر بار تنفذ تعليمات نتنياهو حرفياً، وهو ما أثار المزيد من قوى الجيش وفئات المجتمع، حتى قدّرت صحيفة هآرتس أن عدد الإسرائيليين الموقّعين على عرائض وقف الحرب تجاوز 100 ألف في 5 أيام، وقد برز منها ما يلي:
- 150 جندياً إسرائيلياً خدموا في لواء "غولاني".
- 1500 من جنود سلاح المدرعات.
- 170 من المتخرجين في برنامج "تلبيوت" العسكري النخبوي، في الاحتياط والمتقاعدين.
- 200 مقاتل من وحدة "شايطيت13" التابعة لسلاح البحرية بعضهم في الخدمة الفعلية.
- 500 من المتخرجين في دورة الضباط البحريين في الاحتياط بسلاح البحرية، بينهم 4 من القادة السابقين لسلاح البحرية.
- 472 من جنود الاحتياط وأفراد الوحدات الخاصة السابقين.
- 135 جندي من ألوية المشاة الذين يخدمون حالياً.
- 150 طبيباً في قوات احتياط الجيش الإسرائيليّ.
- 250 من متقاعدي جهاز الموساد، من بينهم ثلاثة رؤساء سابقين للجهاز هم: داني يوتام، وإفرايم هليفي، وتامير باردو، ونائب رئيس الموساد السابق، والعشرات من رؤساء الأقسام ونواب رؤساء الأقسام في الجهاز، ومما جاء في رسالتهم ""قدسيّة الحياة، يا سيادة رئيس الحكومة، تسبق إله الانتقام'".
- مئات من وحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية.
- 3500 أكاديمي.
- 3000 من العاملين في مجال التعليم.
- 1000 من أولياء أمور الطلبة.
- 1700 فنان ومثقف إسرائيلي.
ويعكس موقف دان حلوتس رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال السابق، ضد أوامر الفصل التي صدرت بحق الطيارين، حالة الاحتقان التي يمر بها جيش الاحتلال وليس فقط الكيان، وهو يدين فصل هؤلاء الطيارين بذريعة عدم التدخل العسكري في السياسة، وهو أحد الموقعين على عريضة الطيارين، قائلاً "هذا يعني أن 400 ألف من رجال الاحتياط سيتعين عليهم أن ينتظروا حتى نهاية الحرب كي يعربوا عن آرائهم. هم مواطنون من حقهم أن يحاولوا التأثير".
هي إذاً محاولات للتأثير على توجهات الحكومة في تسعير الحرب على غزة، لماذا هذا التأثير؟ لأن الأولوية هي إنقاذ الأسرى، وتجنب المزيد من الخسائر البشرية في "جيش" الاحتلال، والمشكلة المستعصية في الشرخ الإسرائيلي المتصاعد، أن نتنياهو وعبر ما يملكه من أغلبية في الكنيست، نجح في تحويل قضية الأسرى من مبدأ وقيمة في التكوين الإسرائيلي الأساسي، إلى مجرد قضية خلافية داخلية، وهنا تأتي هذه العرائض التي تجتاح الكيان، لتسدد البوصلة الداخلية التائهة في الفكر الإسرائيلي، وهذه المرة عبر القوى المؤثرة في جيش الاحتلال، فهل يمكنها النجاح؟
قد تنجح هذه العرائض إذاً ضمن عشرات الآلاف من الموقعين، وقد تبعتها حالة عصيان في تنفيذ الأوامر داخل الجيش، ما يؤدي إلى خلافات داخل الثكنات العسكرية، هنا ستضطر هيئة أركان الجيش للضغط بشكل واضح على المستوى السياسي، لا بشكل نسبي كما يحدث حالياً وكما بدأ يصدر عن إيال زامير عقب تصاعد هذه العرائض، وهو يحذر القيادة السياسية من خطورة النقص في القوى القتالية في الجيش، وأنه لا يمكن تحقيق كل طموحات السياسيين في الحرب، ذلك لأنه خلال العملية الحالية، يعتمد الكابنيت السياسي على قوات "الجيش" الإسرائيلي لا على خطوة سياسية مكملة، وبهذا، تآكلت "إنجازات" الجنود بحسب وصف زامير، لماذا؟ لأن الحكومة رفضت التقدّم بخطة سياسية حول استبدال حكم حماس، رغم مرور عام ونصف على اندلاع الحرب.
ما زالت الحركة الاحتجاجية ضد الحرب في الكيان الإسرائيلي، تحت السيطرة حتى هذه اللحظة، سواء ما يصدر عن أهالي الأسرى الإسرائيليين في غزة، أم ما بدأ يطفو على السطح من حراك داخل "الجيش"، ولا يقلل من أهميته كونه في غالبه داخل قوات الاحتياط، فهذا الجيش 75% منه قوات احتياط، وقد حذر الجيولوجي في معهد الأمن الوطني أريئيل هايمن أنه قد تقع حادثة واحدة تخرج عن سيطرة المنظومة العسكرية، ما يؤدي إلى اندلاع موجة هائلة من العصيان ضد عمليات الفصل التي تضرّ بصورة بليغة بالنسيج الحساس للغاية الذي يربط منظومة الاحتياط بالقيادة العليا في الجيش، ولا سيما الضباط الدائمون، وإن ضرراً كهذا سيكون كارثياً لأجيال عديدة، فالأمر لا يتعلق فقط بهذه الحرب بحسب وصف هذا الجيولوجي، بل أيضاً ستكون له تبعات لأعوام طويلة مقبلة، ولا يمكن للجيش أن يعمل من دون منظومة احتياط ملتزمة، ومن الجدير بقادة الجيش أخذ ذلك بعين الاعتبار عند اتخاذ قرارات كهذه بالفصل ضد من يحتج في قوات الاحتياط.