دور العوامل الخارجية في إطاحة رئيسة وزراء بنغلادش الشيخة حسينة

ضغطت الولايات المتحدة الأميركية على بنغلاديش لتكون جزءاً من استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ لتطويق الصين، وهو ما كانت دائماً ترفضه داكا، نظراً للاستثمارات الصينية الكبيرة في البلاد.

0:00
  • ربما ما حدث في بنغلاديش هو نتيجة التنافس بين الدول الكبرى.
    ربما ما حدث في بنغلاديش هو نتيجة التنافس بين الدول الكبرى.

شهدت بنغلاديش، خلال الأسابيع الأخيرة، احتجاجات طالبية بسبب نظام الحصص في الوظائف الحكومية والمحسوبية السياسية. وما لبثت الاحتجاجات أن تحولت إلى مواجهات دامية بين الشرطة والمحتجين، الذين طالبوا باستقالة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، التي تولت رئاسة الوزراء مدة 20 عاماً، بينها 15 عاماً على التوالي.

إزاء هذه الأوضاع الملتهبة، التي أدت إلى موت 300 شخص، وجرح الآلاف، وحملات اعتقال واسعة، وتحرك حشد كبير من المحتجين نحو مكان إقامة الشيخة حسينة في العاصمة داكا، اضطرت حسينة إلى الاستقالة والفرار نحو الهند إلى حين حصولها على اللجوء في بريطانيا بعد موافقة لندن، تاركة البلاد في أيدي الجيش والحكومة الموقتة، التي يَرئِسها الاقتصادي محمد يونس، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، والمقرب إلى الحزب الديمقراطي الأميركي.

شهدت البلاد مع ولاية الشيخة حسينة نوعاً من الاستقرار السياسي، ونمواً اقتصادياً، إذ يُعَدّ الاقتصاد البنغلاديشي أحد أسرع اقتصادات المنطقة نمواً، لكنها اتخذت إجراءات صارمة ضد المعارضة والإعلام والمجتمع المدني. وهو ما كان سبباً في ازدياد النقمة عليها، وعزوف قوى المعارضة عن المشاركة في الانتخابات، التي جرت بداية العام الحالي.

من ناحية أخرى، حاولت الشيخة حسينة، خلال فترة حكمها، أن تنمّي العلاقات بالهند، بحيث قرّبت البلدين إلى التعاون في مجالي الطاقة والدفاع، وباتت بنغلاديش أكبر شريك تجاري للهند في جنوبي آسيا، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما، خلال العام الماضي، 13 مليار دولار. كما تمكنت الشيخة حسينة من إنهاء النزاع الحدودي بين البلدين، وضمان حماية الحدود بينهما، وشنّت حملات صارمة ضد الجماعات المسلّحة المناهضة للهند. وباتت نيودلهي حليفاً استراتيجياً لحكومة الشيخة حسينة.

وعلى رغم أن الشيخة حسينة عززت علاقاتها بالهند، فإنها حافظت على علاقات قوية بالصين، بحيث اتفق الطرفان مؤخراً على رفع العلاقة بينهما إلى شراكة استراتيجية شاملة. ويبلغ حجم التجارة الثنائية السنوي بينهما 23 مليار دولار أميركي. واستثمرت بكين في بنغلاديش بقيمة 26 مليار دولار أميركي بين عامي 2016 و2022. ويبلغ عدد الشركات الصينية المستثمرة في البلاد نحو 670 شركة.

التقارب البنغلاديشي الصيني كان دائماً مصدر قلق للهند، التي حاولت مراراً الضغط على داكا للابتعاد عن بكين، ونجحت أحياناً في ذلك. فمثلاً، رفضت بنغلاديش بناء ميناء بحري عميق في جزيرة سوناديا، كان من المقرر أن تبنيه شركة صينية. وتشكل مشاريع الموانئ الصينية في المحيط الهندي مصدر قلق دائماً لنيودلهي، التي ترى أنه يمكن استخدام هذه المرافق لمراقبة الهند وتطويقها.

كما أعلنت الصين سابقاً تخصيص مليار دولار لتنفيذ مشروع نهر Teesta، إلا أن الهند دخلت على الخط، وأعلنت اهتمامها بالمشروع، الأمر الذي دفع رئيسة الوزراء المخلوعة الشيخة حسينة إلى قبول الهند عوضاً من الصين، الأمر الذي أثار غضب الأخيرة التي قررت تقديم مساعدات اقتصادية إلى بنغلاديش، قيمتها 137 مليون دولار، بدلاً من 5 مليارات دولار كانت تنتظرها الشيخة حسينة عندما زارت بكين، الشهر الماضي.

وقامت الشيخة حسينة بقطع زيارتها الصين، وعادت إلى بلادها، الأمر الذي عدّته وسائل الإعلام علامة على عدم رضاها عن الاجتماعات مع المسؤولين الصينيين. لكن، على ما يبدو، فإن الأمر لم يكن يتعلق بالمساعدة الصينية بقدر ما كان يتعلق بالمؤامرة التي كانت تدبَّر للشيخة حسينة.

لا شكّ في أن الأحداث الأخيرة في بنغلاديش شكلت مصدر قلق لبكين، التي قالت إنها تتابع الأوضاع في بنغلاديش من كثب، وأعربت عن أملها استعادة داكا للاستقرار الاجتماعي.

اتهمت وسائل إعلام هندية وكالة الاستخبارات الخارجية الباكستانية والصين بالوقوف وراء تصعيد الاحتجاجات في بنغلاديش، بهدف إطاحة الشيخة حسينة وتولي المعارضة الحكم ، وتوسيع نفوذ الصين في بنغلاديش وتراجع الدور الهندي فيها.

ليس من مصلحة الصين إطاحة حكومة الشيخة حسينة. فالحزب القومي البنغلاديشي، أكبر أحزاب المعارضة، له علاقة جيدة بواشنطن وبالتالي قد يختار الولايات المتحدة على حساب الصين. كما أن بكين ترى أن عملية تشكيل حكومة جديدة قد لا تتم بطريقة سلسة نظراً إلى الأوضاع السياسية المتشابكة داخل البلاد، والتدخلات الخارجية المحتملة نظراً إلى أهمية بنغلاديش جيوسياسياً وجيواقتصادياً، وبالتالي قيام أعمال عنف وهجمات إرهابية قد تتحول إلى صراع طويل الأمد، الأمر الذي يهدد مصالحها واستثماراتها. 

وعلى الرغم من الضغوط الهندية، فإن علاقة الشيخة حسينة بالصين كانت جيدة. ودعت قبل أشهر الصين إلى الاستثمار في جنوبي بنغلاديش. وبالتالي، فإن بقاء الشيخة حسينة في الحكم أفضل لبكين من العمل على إطاحتها، الأمر الذي قد يؤدي إلى الإضرار بمصالحها فيما لو لم تسر الأمور كما يخطَّط بشأنها. 

كما أن الصين لم تتبع سابقاً سياسة تغيير أنظمة الحكم وإطاحة الحكومات، عبر إثارة الاضطرابات داخل البلاد، كما حدث في بنغلاديش.

ماذا عن الولايات المتحدة الأميركية؟

لم تكن الولايات المتحدة الأميركية راضية عن الشيخة حسينة وحزبها رابطة عوامي، إذ كانت العلاقات متوترة بين الطرفين. فواشنطن دعت مراراً بنغلاديش إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وفرضت قيوداً على تأشيرات دخول لأعضاء رابطة عوامي بسبب تقويض عملية الانتخابات الديمقراطية. كما فرضت عقوبات على "وحدة التدخل السريع" وضباط حاليين وسابقين في الوحدة، بتهمة انتهاك حقوق الإنسان في بنغلاديش.

وضغطت الولايات المتحدة الأميركية على بنغلاديش لتكون جزءاً من استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ لتطويق الصين، وهو ما كانت دائماً ترفضه داكا، نظراً للاستثمارات الصينية الكبيرة في البلاد.

كما أن واشنطن سعت لبناء قاعدة جوية في بنغلاديش، إلا أن الأخيرة رفضت ذلك. وادّعت الشيخة حسينة، بعد عدة أشهر من إجراء الانتخابات، أن هناك مؤامرات يجري تدبيرها من أجل إطاحة حكومتها، وأنها قد تتعرض للاغتيال مثل والدها الشيخ مجيب الرحمن، مؤسس دولة بنغلاديش. وقالت إن "رجلاً أبيضَ" عرض عليها إعادة انتخابها بطريقة سهلة ومن دون متاعب في الانتخابات التي جرت أوائل العام الحالي في مقابل إقامة دولة مسيحية "في أراضٍ" من بنغلاديش وميانمار، مع بناء قاعدة جوية أجنبية في بنغلاديش. إلا أن الشيخة حسينة رفضت العرض.

وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن السفير الأميركي في بنغلاديش، بيتر هاس، وممثلاً رفيع المستوى للمعارضة البنغالية، ناقشا خطط تنظيم احتجاجات حاشدة مناهضة للحكومة في البلاد.

المستفيد الأكبر من عملية إطاحة الشيخة حسينة في بنغلاديش هو الولايات المتحدة الأميركية، نظراً إلى موقف الشيخة حسينة الرافض للانصياع للمطالب الأميركية. وربما إطاحتها هي أيضاً انتقام من رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، بسبب زيارته روسيا الشهر الماضي، وبسبب رفض الهند أن تصبح جزءاً من أي عمل عدائي تقوده الولايات المتحدة ضد الصين. وبدلاً من توتير الأوضاع على الحدود بينها وبين الصين، تعمل الهند على عقد اللقاءات مع المسؤولين الصينيين لمعالجة أزمة الحدود بينهما.

صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل على أن تنافس الهندُ الصينَ في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتكون هي القوة الإقليمية الكبرى بدلاً من الصين، إلا أنها، في المقابل، تريد أن تبقى نيودلهي تحت جناحها وتنصاع لأوامرها. لكن يبدو أن ناريندرا مودي لا يرغب في ذلك، بل يريد أن تكون الهند دولة مستقلة في آرائها.

ربما ما حدث في بنغلاديش هو نتيجة التنافس بين الدول الكبرى. ومن المحتمل أن تنتقل عدوى بنغلاديش إلى دول أخرى، نتيجة هذا التنافس.