حقيقة وأهداف الحملة السياسية والإعلامية على المقاومة

تكمن خطورة الحملة على المقاومة في أنها تستهدف إنهاء حزب الله ودفعه إلى تسليم سلاحه، وقد يؤدي افتراض تحقيق هذا الهدف، إلى العمل على محاكمة قادة حزب الله ومقاوميه.

0:00
  • ما الأسباب الخفية وراء الحملة على المقاومة؟
    ما الأسباب الخفية وراء الحملة على المقاومة؟

لم يعد من الممكن مقاربة الحملة التي تستهدف المقاومة وسلاحها وبيئتها على أنها مجرد توجه يستهدف تحقيق أهداف سياسية تتعلق بتوازنات القوى الداخلية في مرحلة ما بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، حيث إن محاولة النيل من مشروع مجتمعي وطني مقاوم وتكريس نتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان على أنها تندرج ضمن سياق مخطط لبناني سياسي، تؤكد عمق أزمة النظام اللبناني وإمكانية حصول تفلت أمني قد يؤدي في أي لحظة إلى صدام داخلي يمهّد حكماً لانهيار الدولة. 

فإذا كان عنوان الحملة الحالية يتمحور حول بناء الدولة القوية القادرة صاحبة القرار، فإن ذلك يستوجب الإشارة إلى عدة ملاحظات، أهمها، أن المشروع المستهدف تحقيقه يتماهى من حيث الشكل والمضمون والتوقيت مع الضغوط الإسرائيلية والأميركية على المقاومة وبيئتها. فمن خلال العمل على إظهار بيئة المقاومة على أنها غير منسجمة مع النسيج اللبناني المفترض من قبل أصحاب الحملة، يمكن استنتاج محاولة نزع صفة اللبنانية عن هذه البيئة وإظهارها على أنها خارجة عن القانون والشرعية، بما قد يشرّع نظرياً نزع صفة المواطنة عن كل المتمسكين بخيار المقاومة، ويمهّد بالتالي لممارسة حرب إبادة جماعية ضدهم، على غرار ما يحصل في غزة، لإجبارهم على الهجرة أو التخلّي عن مبادئهم. وعليه، قد تجد هذه البيئة نفسها أمام حرب وجودية، ستكون المواجهة القاسية فيها هي الأقل ثمناً بالنسبة إليها، مع الإشارة إلى ما قد يترتب على هذه المواجهة من نتائج لا يريدها أي لبناني.

هذا من حيث الشكل. أما في المضمون، فتكمن خطورة هذه الحملة في أنها تستهدف في المقام الأول إنهاء حزب الله ودفعه إلى تسليم سلاحه، وقد يؤدي افتراض تحقيق هذا الهدف، إلى العمل على محاكمة قادة حزب الله ومقاوميه، أو تسليمهم لمحاكم دولية ذات هوى إسرائيلي وأميركي.

هنا، يمكن إدراج عدة ملاحظات على هذه الحملة، حيث إنها تتعاطى مع الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية على أنه مقبول وطبيعي، وتبتز بيئة المقاومة بإعلانها أن إعادة الإعمار وعودة السكان إلى الجنوب مرهونة بتسليم السلاح. وعليه، لا تتوانى هذه الحملة عن تحويل مشروعها السياسي إلى مشروع شعبوي، يجعل من اللبنانيين منقسمين بشكل عمودي حول خيارات لا يمكن العمل على بدائل لها، تكون أكثر واقعية وموضوعية، وتكون قادرة على تحييد لبنان عن مخاطر حرب أهلية لا نهاية لها.

عملياً، لم تنتظر هذه الحملة زوال آثار العدوان عن الشريحة المستهدفة، ولاقت الإسرائيلي والأميركي في مشروعهما، الذي ظهر على أنه استكمال للعدوان بوسائل أخرى. فالمطالبة بنزع السلاح لم تظهر على أنها حملة لبنانية بامتياز. فقد أظهر المستويان الأمني والسياسي الإسرائيليان، بالتنسيق مع المسار الأميركي، الذي يعبّر عنه كلٌ من ويتكوف وأورتاغوس، أنهما المحرك والدافع الفعلي لهذه الحملة، إذ من السهل جداً التدليل على مدى التماهي والتطابق بينهما وبين منفّذي الحملة اللبنانيين، في ما خصّ تحديد ساعة الصفر المحددة لأي تصعيد سياسي أو إعلامي، من دون أن ننسى المفردات المستخدمة من قبلهم جميعاً. فالتصويب على عدم جدوى السلاح، وإظهار المقاومة على أنها المسبب لدمار لبنان، من دون أن نهمل إظهار المقاومة على أنها مشروع إيراني دخيل على النسيج اللبناني، ويعمل وفق المصلحة والتوجيه والتوقيت الإيراني، يؤكدان هذا التماهي وهذا التطابق.

إن البحث في كيفية بناء الدولة القوية القادرة هو واجب وطني جامع لا يقبل انقساماً داخلياً. في هذا الإطار، تجب الإشارة إلى الواقع اللبناني، تاريخياً لم يكن يملك المرتكزات التي قد تساعد في بناء الدولة القوية القادرة. فمنذ نشأته، اتفق الأطراف الدوليون والإقليميون على ضرورة إرساء نظام سياسي طائفي، يحمل في طياته بذور الضعف والانقسام. أما فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وتداعياته على لبنان، فقد كانت السلطات السياسية المتعاقبة عاجزة عن التعاطي مع تداعيات هذا الصراع، وفق منطق المصلحة القومية الخالصة، حيث تحمّل لبنان عبء اللجوء الفلسطيني منذ 1948 واستُخدم لفترة طويلة كمقر لمنظمة التحرير، وتحول المشروع الإسرائيلي في تلك المرحلة نحو محاولة تكريس لبنان كمقر نهائي لهذا اللجوء، من دون أن ننسى أطماعه في ضم جزء كبير من أراضيه، أي حتى نهر الأولي. 

وعليه، إذا كان من الممكن البحث في كيفية بناء الدولة القوية القادرة صاحبة القرار في الحرب والسلم، فإن ذلك سيفترض أولاً العمل على معالجة التشوه الخلقي الذي عانى منه لبنان منذ نشأته. فالدولة القوية القادرة، تفترض التخلص أولاً من آفة النظام الطائفي، الذي فقدت معادلاته واقعيتها، من دون أن ننسى أن هذا النظام الطائفي يشكل بيئة حاضنة لفساد إداري ومالي وسياسي، لا يمكن الحديث عن دولة قوية في ظلها.

وبالتالي، يفترض مشروع بناء الدولة القوية تخلي الطوائف عن مكتسباتها السياسية والمالية والإدارية، والتوجه مباشرةً لبناء دولة مدنية وفق نظام انتخابي يضمن تمثيلاً حقيقياً للشعب اللبناني. فمن غير الواقعي أن يُقسم المجلس النيابي بالتساوي طائفياً بين من يملك 34،49 من الأصوات ومن يملك 65،4 من الأصوات. ومن غير الواقعي أيضا أن ينجح نائب بأقل من 500 صوت تفضيلي، فيما يحصل نائب آخر على أكثر من 48000 صوت، ويجري التعاطي معهما في البرلمان على أنهما متساويان. 

وحتى لو أردنا القفز فوق هذه الخلاصات، فإنه من المؤكد أن النظام الطائفي والفشل في تطبيق اتفاق الطائف قد أسهما في إضعاف الدولة، وأبقياها رهينة المساومات والزبائنية والنفوذ الخارجي، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالتوجهات السياسية الإقليمية، أو على مستوى الوظيفة العامة، فالتعيينات الأمنية والإدارية لا تخرج عن إطار المساومة والزبائنية. وإذا أردنا أن ندلل أكثر على هذا الواقع، فإن الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، والواقع الذي أدى إلى تشكيل السلطة بعد الحرب الأخيرة على لبنان، يؤديان إلى الخلاصات نفسها. 

في مكان آخر، يتطلب بناء الدولة القوية القادرة البحث في كيفية بناء جيش وطني قوي، قادر على تحمل مسؤولية الدفاع عن لبنان في مواجهة الأخطار الخارجية. فالحظر على التسليح الذي تفرضه الولايات المتحدة ومن خلفها الكيان الإسرائيلي على لبنان، وتسليم لبنان بهذا الواقع، بحيث يرضى بهذه المهزلة ويتفاخر بطائرات التوكانو والسيسنا، يطرحان سؤالاً جدياً حول حقيقة الدولة القادرة والقوية، التي يدعي أعداء المقاومة البحث عنها. فمن غير الممكن تصديق مسعى هؤلاء في البحث عن الدولة القادرة، في حين يفرض الكيان الإسرائيلي تدمير الأسلحة التي يصادرها الجيش اللبناني في الجنوب بإشراف أميركي، ويُمنع لبنان من مجرد التواصل مع القوى الدولية الأخرى للبحث في إمكانية تسليح الجيش اللبناني.

وعليه، يصبح السؤال حول الأهداف الخفية لهذه الحملة مطروحاً وبقوة، فهل سعيها الحقيقي يتمحور حول بناء الدولة القوية القادرة التي تفترض تخلّيها عن آفة النظام الطائفي وتسليح الجيش، إضافة إلى تخليص لبنان من عبء ملفي اللجوء الفلسطيني والسوري؟ أم تستهدف فقط نزع سلاح المقاومة المهدّد للكيان الإسرائيلي، والذي يشكل عقبة أساسية في وجه مشروع إسقاط لبنان في فخ المشروع الأميركي الإسرائيلي، الذي يخطط لإسقاط الكيان اللبناني، من خلال جعله مجرد بؤرة للنزاعات الإقليمية، يُستقطع منها جنوبه ليتحول إلى مساحات استيطانية إسرائيلية.