جهود التهدئة في غزة...تقدير موقف

رغم مرونة حركة حماس وعدم تصلبها في قضية وقف الحرب في المرحلة الأولى من الصفقة، فإن هناك تراجعاً في حظوظ الوصول إلى صفقة تنتهي بوقف إطلاق نار تام، في ظل مواقف نتنياهو الانقلابية على إطار الصفقة كما قدمه الرئيس بايدن.

0:00
  • هناك إرادتين متنازعتين لدى صناع القرار في الكيان في ما يتعلق بإتمام صفقة التبادل.
    هناك إرادتين متنازعتين لدى صناع القرار في الكيان في ما يتعلق بإتمام صفقة التبادل.

تتزايد جهود الوساطة في الآونة الأخيرة للوصول إلى تهدئة وصفقة تبادل أسرى بين "إسرائيل" والمقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس، ورغم أن هناك مخططاً واضحاً قدّمه الرئيس الأميركي جو بايدن وتم إقراره في مجلس الأمن، وتعاملت معه حركة حماس بإيجابية، وقدمت مرونة غير مسبوقة في إطار إنزال رئيس الوزراء الإسرائيلي من على شجرة عرقلة كل المساعي للوصول إلى الاتفاق، مع حفاظها على الهدف الرئيس لتلك الهدنة ألا وهو الوصول في نهاية المطاف إلى وقف إطلاق نار شامل وانسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة.

وفي ظل تزايد منسوب التفاؤل بنجاح الجهود للوصول إلى الصفقة والهدنة، خرج نتنياهو بتصريح صحفي متلفز، ينقض به الإطار العام للاتفاق من الجذور كما قدمه الرئيس بايدن، ويعيد التفاوض إلى نقطة الصفر، بعد أن كانت الوفود تستعد للانتقال إلى مناقشة تفاصيل الاتفاق بعد أن اعتقدت أنها توافقت على الإطار العام. قد يكون هناك حوادث في الأيام السابقة، جعلت نتنياهو يذهب إلى موقف العرقلة للاتفاق في هذا التوقيت، أهمها:

أولاً، تراجع حظوظ الرئيس الأميركي جو بايدن بشكل كبير جداً للوصول إلى ولاية ثانية في البيت الأبيض أمام منافسه دونالد ترامب، خاصة بعد ظهور ضعف بايدن وعجزه في المناظرة الأولى مع ترامب، وما تلاها من حالة أشبه بالتمرد داخل الحزب الديمقراطي ضد ترشيح بايدن للرئاسة، ومن ثم محاولة اغتيال ترامب الفاشلة، والتي صبّت بشكل كبير في حساب حظوظه في الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي جعل بايدن عاجزاً عن ممارسة ضغط على نتنياهو للالتزام بالصفقة.

ثانياً، الزيارة المرتقبة لنتنياهو إلى واشنطن وخطابه المرتقب أمام الكونغرس في أواخر الشهر الجاري، والذي يريده نتنياهو تتويجاً له ودعماً لمواقفه أمام خصومه في الداخل الإسرائيلي، ولذلك يسعى نتنياهو بكل قوته لأن يذهب إلى الكونغرس وائتلافه الحكومي قوي من دون أي إشكاليات، وتهديد حزب الصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سيموتريتش بالانسحاب من الائتلاف في حال موافقة نتنياهو على الصفقة، يضرّ فعلياً بزيارة نتنياهو إلى واشنطن المحتاج لها بشكل كبير جداً، لذا تعدّ عرقلة الصفقة حتى انتهاء الزيارة على الأقل حلاً منطقياً لدى نتنياهو.

رغم تلك الحوادث، وفي حقيقة الأمر وجوهره، فإن هناك إرادتين متنازعتين لدى صانع القرار في "إسرائيل" في ما يتعلق بإتمام صفقة التبادل والتهدئة.

الفريق الأول، مع إتمام الصفقة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة حتى ولو كان الثمن إيقاف الحرب بالكامل، لاعتبارات أيديولوجية وسياسية تنظر إلى عودتهم كنوع من الحفاظ على الأمن المجتمعي والقومي الإسرائيلي.

هذه الفئة يقودها حالياً بعد انسحاب كل من بني غانتس وغادي آيزنكوت من حكومة الطوارئ المؤسسة العسكرية والأمنية وقيادة "الجيش" ومعهم الوزير يؤاف غالانت، مدعومة من الخارج من ثلاث جهات:

أ. بدعم شعبي من عوائل الأسرى ومعارضي نتنياهو في الشارع يساندهم في ذلك الإعلام الإسرائيلي بغالبيته.

ب. الموقف الأميركي الذي بات مقتنعاً أن لا أهداف باقية للحرب، بل قد يحل إيقافها أزمة الشمال، لكن بعد الظروف التي يمر بها الرئيس بايدن باتت أضعف من أي وقت آخر.

ج. الأحزاب المعارضة من خارج الحكومة، ولكنها حتى الآن لم تستطع إيجاد مدخل لإسقاط حكومة نتنياهو.

ولذلك، بتنا نسمع أصواتاً وتصريحات لمسؤولين إسرائيليين من "الجيش" والمؤسسة العسكرية تتكلم عن أهمية إيقاف الحرب وربط ذلك بالتحضير للتهديدات الأكثر حيوية على "إسرائيل"، حزب الله والمشروع النووي الإيراني، لدرجة أن ما تم نشره في صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصادر عسكرية إسرائيلية تؤكد أنها مع إتمام الصفقة وإيقاف الحرب حتى ولو بقيت حركة حماس حالياً في الحكم بغزة، وأن لديهم الأدوات اللازمة للسيطرة على محور فيلادلفيا (صلاح الدين) ومعبر رفح من دون الوجود العسكري فيهما، كما صرّح بذلك رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي.

أضف إلى ذلك، ربط الهدوء في غزة بإمكانية التوصل إلى اتفاق في الجبهة الشمالية مع حزب الله، وهذا يؤكده الأميركي وينظر له العديد من الإعلاميين والكتاب الإسرائيليين مما كانوا قادة في "الجيش" والأمن سابقين باعتبارها الجبهة الأهم والأخطر.

لذلك، اجتهدت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية خلال الأيام السابقة في تصدير صورة إيجابية عن موقف حماس وإبراز تخوفاتهم من عرقلة الحكومة بقيادة نتنياهو لفرصة التوصل إلى الصفقة، لدرجة أن نتنياهو اتهم قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أنهم ضغطوا عليه للموافقة على مخطط بايدن.

الفريق الثاني، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأجزاء من حكومته وخاصة تيار الصهيونية الدينية، ورغم اختلاف الأهداف من وراء الرفض، فحسابات نتنياهو منكبّة على ضمان مستقبله السياسي وعدم تحمّله مسؤولية فشل السابع من أكتوبر، ويحاول الاستمرار بالحرب حتى تأتي إدارة أميركية جديدة على الأقل في بدايات ربيع 2025.

أما إيتمار بن غفير وبتسلئيل سيموتريتش فلأسباب لها علاقة بالأيديولوجية الاستيطانية وإعادة الاستيطان لغزة واحتلالها وفكرة الترانسفير في غزة والتي يسهل نقلها إلى الضفة الهدف الرئيس لهم.

هذا الفريق متفق على أنه لا يريد عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة؛ كون ذلك تدعيماً للسلطة وفتح الباب نحو الحديث مرة أخرى عن حل الدولتين في ظل قناعة دولية نشأت نتيجة الحرب أنه الحل الأكثر منطقية لدى المجتمع الدولي لإنهاء الصراع العربي -الإسرائيلي، ولكن مشكلة هذا الفريق أنه حتى الآن لم يجد بديلاً من حركة حماس بعيداً من السلطة أو حركة فتح.

الأمر الذي وضعه أمام خيارين بالنسبة إلى الصفقة وخاصة نتنياهو، إما إتمامها وإبقاء حماس في الحكم مرحلياً على الأقل، أو استمرار الحرب لكسب الوقت لعلّه يجد مخرجاً لأزماته. 

لكنّ الفريق الأول الداعم للصفقة سيحمّل نتنياهو المسؤولية برمتها عن القضايا والحروب التي يمكن أن تتفجر من تداعيات استمرار الحرب وإبقاء الأسرى الإسرائيليين في غزة، وهذا سيصب مزيداً من الزيت على نار التظاهرات ضد نتنياهو والتي باتت تتسع وتنضم إليها شرائح جديدة أهمها عوائل الجنود المقاتلين في غزة، والتي باتت ترى أن أبناءها يقتلون ويقاتلون بلا هدف حقيقي، بالإضافة إلى فئة جنود الاحتياط الذين رجعوا بعد فترة القتال ووجدوا أن الإشكاليات المالية والاقتصادية التي وعدتهم بحلها الحكومة لم تحل بالمطلق. 

لذلك، رغم مرونة حركة حماس وعدم تصلبها في قضية وقف الحرب في المرحلة الأولى من الصفقة، فإن هناك تراجعاً في حظوظ الوصول إلى صفقة تنتهي بوقف إطلاق نار تام، في ظل مواقف نتنياهو الانقلابية على إطار الصفقة كما قدمه الرئيس بايدن.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.