تعديل أجور موظفي الدولة في مصر.. هل يُخفّف الأزمة الاقتصادية؟

تنتاب الشارع المصري حالة عامة من القلق بسبب تنامي الحديث مؤخراً عن اقتراب موعد إعلان الحكومة عن تعويم جديد للجنيه، بما يعني خفض سعره مجدداً مقابل العملات الأجنبية.

  • الأزمة الاقتصادية في مصر.
    الأزمة الاقتصادية في مصر.

على مدار عام تقريباً، عانت الدولة المصرية أزمة اقتصادية حادة بسبب تراجع القيمة الشرائية للعملة المحلية ووصول التضخم إلى معدلات غير مسبوقة، إضافة إلى ارتفاع سعر صرف الدولار والعملات الأجنبية مقابل الجنيه وصعوبة تدبيره من جانب الحكومة، ما يضيف أعباء جديدة تتعلق بعملية الاستيراد من الخارج.

ويؤكد مراقبو الأوضاع المالية داخل مصر أنَّ الأحوال الصعبة الحاصلة منذ فترة تُعد استثنائية الطابع، إذ لم تنعكس آثارها السلبية على الطبقات الوسطى ومحدودة الدخل وحدها، بل طالت الشرائح الأعلى دخلاً، وكذلك البرجوازيات التجارية والصناعية التي كانت بمأمن من مشكلات شبيهة مرت على مصر بأوقات سابقة.

ويخشى المستثمرون المحليون والأجانب داخل مصر تقلبات السوق واستمرار تراجع القدرة الشرائية للمواطنين أو الوصول إلى درجة ما من الكساد التجاري، كما يتخوفون الانحدار السريع والمتكرر الذي يطال الجنيه، ما يجعل المهمات المتعلقة بإعداد خطط مستقبلية للاستثمار أمراً شديد الصعوبة. 

وتُرجع الصحف المحلية الأزمة الاقتصادية إلى ضعف الموارد الطبيعية بالتوازي مع ارتفاع عدد السكان، إضافة إلى المتغيرات التي طالت اقتصاد دول العالم بشكل عام وتركت تأثيراً سلبياً، مثل انتشار جائحة كوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك رفع الولايات المتحدة الفائدة على المدخرات لديها أكثر من مرة، وهي الأمور التي تسببت بهروب الأموال الساخنة من العديد من دول العالم الثالث.

لكنّ المعارضة تؤكد أن تعقّد الأمور في ما يتعلق بالاقتصاد المصري في الآونة الأخيرة يعود إلى مسائل تتعلق بسوء الإدارة وعدم القدرة على تعظيم الاستفادة من موارد الدولة في مشاريع إنتاجية، إضافة إلى اعتماد سياسة الاقتراض من الخارج، واتباع تعليمات صندوق النقد الدولي، وإصدار قرارات متتابعة بتعويم العملة الوطنية، ما أدى إلى فقدان الجنيه أكثر من 100% من قيمته في وقت قصير للغاية.

وتسعى الدولة المصرية بين حين وآخر لاتخاذ بعض الإجراءات للتخفيف من حدة الأزمة، وذلك عبر رفع أجور موظفي الدولة والضغط على القطاع الخاص لاتخاذ خطوات مماثلة أو عبر توفير السلع الأساسية بأسعار أقل من المعروض في الأسواق، كذلك زيادة عدد المستفيدين من برامج الدعم والحماية الاجتماعية.

قرارات حكومية جديدة دعماً للطبقة الوسطى

خلال الأيام الماضية، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن حزمة من القرارات لمواجهة التحديات الاقتصادية التي أثقلت كاهل المصريين، تمثلت برفع حد الإعفاء الضريبي بنسبة 25%، ما يعني أنه رُفع من 36 ألف جنيه إلى 45 ألف جنيه، وزيادة علاوة غلاء المعيشة الاستثنائية لتصبح 600 جنيه بدلاً من 300 جنيه. (الدولار الأميركي= 39.5 جنيهاً مصرياً في السوق الموازية).

كما تضمنت القرارات الرئاسية إعفاء المتعثرين في سداد الأقساط المستحقة للهيئة العامة لمشاريع التعمير والتنمية الزراعية من سداد فوائد التأخير وغراماته، وذلك بحد أقصى نهاية العام المقبل.

أما عن العاملين في الجهاز الإداري للدولة والهيئات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال والقطاع العام، فقد تقرر رفع الحد الأدنى للأجور من 3500 جنيه إلى 4 آلاف جنيه. وتمثل هذه الخطوة القفزة السابعة التي تشهدها أجور موظفي الجهاز الإداري للدولة بشكل تصاعدي من 1200 جنيه كحد أدنى عام 2017 إلى 4000 جنيه العام الحالي.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن ما تم صرفه فعلياً على الرواتب في موازنة 2016/2017 بلغ نحو 225513 مليار جنيه، ثم ارتفع إلى 240054 مليار جنيه في موازنة العام التالي بنسبة زيادة 6.4% تقريباً، ثم قفز إلى نحو 266 مليار جنيه في موازنة 2018/2019 بزيادة بلغت 10.8% مقارنة بموازنة العام الفائت، واستمرت الزيادات لتسجل نحو 470 مليار جنيه في موازنة 2022-2023.

أما ما تم تخصيصه لبرامج الدعم والحماية الاجتماعية، فقد شهد ارتفاعاً بنسبة 59.2%، إذ ارتفعت الأموال المخصصة لبرامج الدعم والحماية الاجتماعية من332,727 مليار جنيه في موازنة 2016-2017 إلى نحو 529,7 مليار جنيه، بزيادة بلغت قيمتها نحو 197 مليار جنيه، بما يعني إجمالاً أن مخصصات الأجور والرواتب شهدت زيادة بنسبة 108.4%. أما مخصصات برامج الدعم والحماية الاجتماعية، فقد ارتفعت بنسبة تقترب من 60% خلال نحو 6 سنوات.

ولم تتضمن القرارات الأخيرة التي أصدرتها مؤسسة الرئاسة المصرية أي إشارة إلى موظفي القطاع الخاص الذين يمثلون أغلبية العمال والموظفين داخل البلاد، إذ تستوعب المؤسسات الخدمية والتجارية والصناعية الخاصة أكبر نسبة من الأيادي العاملة في مصر.

وكان المجلس القومي للأجور في مصر قد قرر منتصف العام الجاري رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين في القطاع الخاص من 2700 إلى 3000 جنيه، وأوضحت وزارة العمل أن على جميع المنشآت المُخاطبة بأحكام قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 الالتزام بقرار المجلس القومي للأجور، لكن العديد من المنشآت الخاصة تسعى للتهرب من تنفيذ القرارات، مبررة ذلك بتراجع الأرباح وزيادة المصاريف.

ويشير اقتصاديون مصريون إلى أن أزمة بيئة العمل داخل مصر تكمن في غياب التنظيم عن المؤسسات الخاصة، تحديداً المتوسطة والصغيرة، إذ يعمل الموظفون فيها من دون عقود عمل مستقرة أو تأمينات في الغالب، ولا تستطيع الدولة مراقبة أوضاعهم أو ضمان حقوقهم، كما أن إلزام صاحب المؤسسة بحقوق العاملين لديه قد يتسبب له بالخسارة لصغر حجم استثماره وضعف رأسماله، ما يعقد الأزمة في مصر وغيرها من دول العالم النامي التي لم تشهد حتى اليوم نمواً رأسمالياً شبيهاً بما حصل دول العالم الأول.

"التعويم آتٍ".. شبح يطارد المصريين 

تنتاب الشارع المصري حالة عامة من القلق بسبب تنامي الحديث مؤخراً عن اقتراب موعد إعلان الحكومة عن تعويم جديد للجنيه، بما يعني خفض سعره مجدداً مقابل العملات الأجنبية، بما يفضي إلى زيادة جديدة في أسعار السلع والخدمات، تلقي بمزيد من الأعباء على كاهل الأسر المصرية التي لم تتعافَ بعد من الصدمات الاقتصادية التي حصلت طوال الشهور الماضية.

وبحسب الأرقام المعلنة من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ارتفعت أسعار بعض السلع مثل اللحوم والدواجن بنسبة فاقت 92%، وذلك في صيف عام 2023 مقارنة بالفترة نفسها عام 2022، كما ارتفعت أسعار الخضراوات والفواكه بنسب تتراوح بين 35 و54% في الفترة ذاتها.

أما أسعار المواد البترولية، فقد طالتها الزيادة أيضاً، ومن المتوقع أن ترتفع بحكم قرارات تحرير سعر الوقود المتخذة قبل أكثر من 3 سنوات.

وكان الرئيس المصري قد استبعد في حزيران/يونيو الماضي خفض سعر الجنيه المصري مقابل الدولار، قائلاً إن "الكثير من الناس يطالبون بمرونة سعر الصرف، والدولة مرنة فيه، لكن عندما يتعلق الأمر بأمن البلاد القومي، وأن ذلك قد يتسبب في ضياع الشعب المصري، فلا".

وجاءت تصريحات المسؤولين المصريين في الوقت الذي تترقب القاهرة إجراء مباحثات مع صندوق النقد الدولي حول المراجعة الأولى لبرنامج التمويل البالغ قيمته 3 مليارات دولار، لكن الصندوق يشدد على تطبيق رؤاه الاقتصادية بشكل كامل، بما يتضمن برنامج الطروحات الحكومية، مع وجود "مرونة حقيقية" في تسعير العملة الوطنية لضمان نجاح المراجعة الأولى.

متى تنتهي الأزمة؟

تكشف آراء الناشطين المصريين في مواقع التواصل وفي الشارع السياسي عن حالة عامة من عدم اليقين تجاه المستقبل، وهو أمر جديد بدرجة أو أخرى على المناخ العام داخل مصر، فرغم مرور البلاد بأزمات اقتصادية في أوقات ماضية، فإنَّ الحديث العام المتفائل بخصوص عبور الأزمات كان دوماً حاضراً بعكس الحال خلال هذه الفترة.

ويعود السبب الرئيسي في هذا الشعور إلى التقلبات الحادة التي شهدها سعر صرف الجنيه خلال العام الماضي، ما دفع المصريين إلى الإحساس بعدم جدوى رفع الأجور أو زيادة المدخرات، ففي ظل الارتفاع المستمر واليومي للأسعار، تصبح العملات مجرد أوراق معدومة القيمة على أرض الواقع.

ويؤكد الخبراء أن أهم 4 إنجازات يتوجب على الحكومة تحقيقها للعبور من الأزمة هي:

1-إعادة الثقة بالاقتصاد المصري والعملة الوطنية والتصدي للشائعات التي تبث اليأس في نفوس قطاعات عديدة من المصريين، وخصوصاً العاملين في الخارج الذين تراجعت تحويلاتهم بنحو 26% في الفترة بين تموز/يوليو 2022 وآذار/مارس 2023، في الوقت الذي تعاني القاهرة من شح العملة الصعبة.

2- تثبيت أسعار السلع والخدمات، ليشعر المصريون بدرجة أعلى من الطمأنينة، فتظهر الاستثمارات طويلة الأجل، وتبدأ عمليات الادخار بالعملة الوطنية (وليس بالمعادن النفيسة أو العملة الصعبة).

3- اللجوء إلى حلول بديلة لتوفير الدولار اللازم للاستيراد عوضاً عن الاقتراض من الخارج أو الخضوع لتعليمات صندوق النقد الدولي، لأن هذا الأمر كفيل بنسف أي مجهودات حصلت على مدار الأعوام الماضية.

4- الحد من عمليات الاستيراد من الخارج لتخفيف الطلب على الدولار، وهذا يتطلب زيادة الإنتاج محلياً لسد العجز الذي سيظهر في الأسواق، وإيجاد مسارات بديلة للاستيراد بالعملة المحلية، كما هي المقترحات في منظمة "بريكس" التي انضمت إليها مصر مؤخراً.

ويؤكد المسؤولون المصريون، في مقدمتهم وزير المالية محمد معيط، في أكثر من مناسبة قدرة البلاد على تجاوز الأزمة الحالية قبل نهاية العام الجاري، وذلك على الرغم من تحديات التصنيف الدولي، لافتين إلى وعي الحكومة بتأثير الوضع الاقتصادي، وخصوصاً تفاقم ارتفاع الأسعار وتأثير التضخم في مستوى معيشة المواطنين سلباً.

في المقابل، يرى المتخصصون في مجال الاقتصاد أن مصر أمامها مهمة كبيرة لتجاوز أزمتها، تبدأ من قدرتها على سداد الديون الخارجية والحد من العجز المزمن في ميزان التجارة، مروراً بالقدرة على كسب ثقة المستثمرين وزيادة حصيلة البلاد من العملات الصعبة، وانتهاء بضبط الإنفاق الحكومي، وخصوصاً المشروعات ذات المكون النقدي الأجنبي.