بعد قصف الدوحة هل ستراجع تركيا سياساتها في سوريا؟

هل يمكن لتركيا تقديم فوائد ملموسة للسكان المحليين ولا سيما بعد ترتيب الوضع الداخلي لتركيا من دون إرهاب؟ وإعادة صياغة شمال سوريا، من ساحة تهديد إلى منصة محتملة للتعاون الإقليمي؟

0:00
  • قصف المفاوضات في قطر هل هو رسالة لتركيا أيضاً؟
    قصف المفاوضات في قطر هل هو رسالة لتركيا أيضاً؟

تُحافظ تركيا على وجود عسكري في شمال سوريا وتعتبر هذا الوجود ضرورياً لتأمين حدودها ومواجهة حزب العمال الكردستاني. على الرغم من أنها فتحت الباب واسعاً على التفاوض مع الحزب من أجل إلقاء سلاحه، إلا أنها ما زالت تراهن على تفاعل  قوات سوريا الديمقراطية  لإلقاء السلاح في إطار تفاهمها مع عبد الله أوجلان الزعيم الروحي لحزب العمال الكردستاني. 

تستكمل أنقرة جهودها في الداخل في عملية "تركيا بلا إرهاب" فيما استمر اللقاء الذي بدأه حزب الديمقراطية مع زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، وكان عبد الله أوجلان،قد عبر عن أنه لا مانع لديه ولدى حزب الديمقراطية من إعادة انتخاب إردوغان رئيسًا إذا ما أُعيدت عملية "تركيا بلا إرهاب" إلى مسارها الصحيح، وهذا منافٍ لما قاله صلاح الدين دميرطاش عام 2015  من أنه والحزب لن يسمحا لإردوغان بأن يصبح رئيساً، فكان مصيره مع أسباب أخرى السجن منذ ذلك الحين.

اعتبر الأمر في ذلك الوقت تطوراً مهماً أنهى الحوار بين حزب العمال الكردستاني والحكومة، بوساطة حزب الشعوب الديمقراطي وجهاز الاستخبارات التركي آنذاك. لكن إذا سارت الأمور على ما يرام، فقد يدعم  حزب الديمقراطية إجراء انتخابات برلمانية مبكرة عندما يراها إردوغان وبهجلي مناسبة، ما يسمح لإردوغان بالترشح مجددًا.

لكن تبقى قوات سوريا الدمقراطية اللاعب الأساسي الذي تخشاه أنقرة لكونها تحظى باعتراف شبه دولي، وتُمثل تهديدًا أمنيًا لأنقرة. وقد أدى فشل جهود الحكومة السورية المؤقتة لدمج قوات سوريا الديمقراطية في جيشها إلى تعميق انعدام الثقة، وفشلت في طمأنة تركيا.

كذلك عزز الوجود العسكري الأميركي وانخراط "إسرائيل" مع قسد كحاجز في وجه إيران، شرعية قوات سوريا الديمقراطية في المنطقة، ما زاد من شعور أنقرة بأن حزب العمال الكردستاني يحظى باعتراف دولي غير مباشر. اتفاقية 10 مارس التي وقعها قائد سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي بدفع من الأميركيين  مع الرئيس المؤقت أحمد الشرع  جرى التراجع عنها بعد الانتفاضة الدرزية والدعم الإسرائيلي لهذه الانتفاضة إثر الأحداث الدموية  التي ارتكبتها قوات الشرع في السويداء.

من الواضح أن دعم تركيا للشرع لم يؤتِ أكله وأن أولوية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي "إسرائيل" التي  لا تريد أن تستقر سوريا، وهي تزاحم النفوذ التركي في محاولة فرض الاستقرار.

كذلك يؤثر الموقف الإسرائيلي سلباً على محاولات أنقرة إيجاد حل سياسي للمشكلة الكردية من خلال نزع سلاح حزب العمال الكردستاني تحت عنوان "تركيا بلا إرهاب “وشمولها سوريا. 

قصف المفاوضات في قطر هل هو رسالة لتركيا أيضاً

الاعتداء العسكري على سيادة قطر عبر قصف مقر حماس حيث تجري مناقشة اقتراح ترامب بشأن الحرب في غزة هو دليل ساطع على أن أميركا و "إسرائيل" تتبعان السياسة نفسها، حقيقة أن قطر تستضيف حماس والإخوان المسلمين وتقود المفاوضات بطلب من أميركا  ينبغي عدم اعتبارها ضمانة أمنية.

لم تعد "إسرائيل" تشعر بالحاجة إلى تبرير أفعالها. هذه التطورات حملت تركيا على تصور التهديدات الأمنية، حيث تتصاعد التوترات السياسية والعسكرية في كل من شمال وجنوب تركيا. 

وضمن هذا الإطار، صرح  مايكل روبن أحد الناطقين باسم اللوبي الصهيوني بالتساؤل، أي بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر، "هل الدور قادم على تركيا"؟ جادل روبن بأنه إذا ضربت "إسرائيل" تركيا ، فلن يتذرع الناتو بالمادة 5 التي توجب مساعدة تركيا كعضو في الناتو،  إذ لن يأتي أحد  لمساعدة تركيا التي لطالما اشتكت من عدم تفعيل المادة الخامسة من نظام الناتو فيما يخص أمنها ولها سوابق في ذلك، وعلى الرغم من أن لدى ترامب تقارباً شخصياً وعلاقات تجارية مع إردوغان، اعتبر روبن أن الناتو لن يتمكن من إنقاذه،  وأعربت الإدارة التركية عن أن الأعمال الإسرائيلية الاستفزازية ضد بلادها خاصة في الميدان السوري، تتصاعد نحو الصراع.

قد يدخل الهجوم الإسرائيلي على تركيا حيز اللامعقول لكن تورط "إسرائيل" في إيران والغزو الروسي لأوكرانيا بنفس الطريقة يجعلان الاحتمالات واردة، فمن مشروع القبة الفولاذية إلى مشاريع الطائرات من دون طيار، وهي إجراءات ضد الجنون المحتمل لـ "إسرائيل"، يجري تسريع هذه المشاريع بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران بمساهمة سياسية وعسكرية من الولايات المتحدة. 

هل يمكن لتركيا إعادة النظر تجاه المجموعات الكردية

هل يمكن تحقيق سلام دائم في تركيا من خلال المفاوضات بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني ؟ ما دامت قضية شمال سوريا من دون حل، وهي إحدى مشكلات إردوغان  المعلنة من أجل التدخل في سوريا  وإيجاد حل للمسألة السورية وعدم موافقته على أي إدارة ذاتية لقسد.

كانت الاقتراحات الأميركية تدعوه إلى التصالح مع قسد واليوم تعود اقتراحات وأفكار جديدة تذكره بحالة شمال العراق حين كان يعتبره  تهديدًا  وكيف تحول تدريجيًا إلى علاقة قائمة على المصالح المشتركة. فهل من الممكن أن يسلك شمال سوريا مسارًا مشابهًا لشمال العراق؟ هذا إذا ما اتخذت تركيا خطواتٍ في قبول هذه المعادلة بدلاً من التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب باعتبارها امتدادات لحزب العمال الكردستاني فحسب؟

يمكن لتركيا أن تتبع السياسة نفسها التي طورت بها العلاقة مع حكومة إقليم كردستان في العراق من العداء إلى الشراكة من خلال تشجيع التجارة عبر الحدود، ومشاريع البنية التحتية، والتنمية المحلية في شمال سوريا، هل يمكن لتركيا تقديم فوائد ملموسة للسكان المحليين ولا سيما بعد ترتيب الوضع الداخلي لتركيا من دون إرهاب؟ وإعادة صياغة شمال سوريا، من ساحة تهديد إلى منصة محتملة للتعاون الإقليمي؟

 من شأن هذا التحول  المقترح أن يعزز السلام الداخلي في تركيا، ويحد من الصراع التركي الإسرائيلي كما يراه الأميركيون  لكنه سيضع الرئيس التركي في حرج داخلي تجاه الأحزاب المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري الذي يحاول إضعافه  وتقسيمه  ودعم الخلافات في الحزب وفرض الرئاسة السابقة الضعيفة نسبياً والتخلص من منافسين أشداء كأكرم إمام أوغلو ورئيس الحزب أوزغور أوزيل وذلك تحضيراً لتراجعات جوهرية ودستورية تجاه المسألة الكردية من جهة وتجاه إعادة ترشحه للرئاسة لمرة رابعة بعد تعديلين دستوريين.